ثقافة وفن

«هوب هوب».. بين الكتابة على المسرح و«الضحك» على مشاكلنا

“بالأمل وحده يحيا الإنسان” هذا هو الخط الدّارج الذي يدفع بالإنسان نحو تحدّي معاناته، ولكن ماذا أراد الأمل أو الهوب ( hope) في مسرحيّة “هوب هوب”؟! التي جاءت ضمن نشاطات المسرح القومي وبرعاية وزارة الثقافة – مديرية المسارح والموسيقا، والمأخوذة عن نصّ (الجزيرة القرمزية) لميخائيل بولغاكوف.

اثنا عشر كرسيّاً توسطت خشبة مسرح الحمرا، وباعتلاءٍ يتقدّمها كرسيٌّ مختلفٌ بحجمه وشكله، دلالة على موقع القائد، وجماليّة المكان الذي يرغب به من يتطلّع لهذا الهدف. وتنطلق المسرحيّة باستعراضٍ مضحك وعشوائي، بل وبإصرار الانطلاق من النهاية نحو البداية وكسر بروتوكولات العرض المسرحي. وبعد كلّ ذلك تبدأ رواية القصّة التي تحكي عن تحضيرات فرقة مسرحيّة ستقدّم عرضها في أمريكا، بناءً على دعوة ورعاية من أحد الممولين، وهو شخص ممتلئ ماديّاً وفارغ فكريّاً، ليختلط الحابل بالنابل، فتتزعزع أدوار كادر العمل وتختلط كثير من الصيغ، ويحتلّ البعض أماكن لا يجوز له أنّ يستقر بها، وبالتالي سنصل إلى جملة من التناقضات، استفاد منها المخرج في جعلها إسقاطات مباشرة وقريبة من واقع الحال والأزمة القاسية التي تتعرض لها البلاد.

مخرج العرض “عجاج سليم” صرّح للبعث ميديا بقوله: “قدّمت هذا النصّ “الجزيرة القرمزية” في المعهد العالي للفنون المسرحيّة سابقاً، وقد كان ناجحاً وخدم الطلاب بما يتناسب والعمل الأكاديمي، واكتمال الشخصيّات كي يتعلم الطالب منها، بينما العرض هنا – على المسرح القومي – أخذ خصوصيّة مختلفة، فنجاح العرض يحدده بنسبة 50% اختيار الممثل، بمعنى أنّني قررت وكادر العمل منذ البداية بأنّنا جميعاً أمام مغامرة كبيرة، وهي (تجربة الكتابة على خشبة المسرح) واختيار ما يناسب العرض من خلال لغة الممثل وارتجاله أثناء التدريب والعمل، وتدخل الممثل في الهيكل الأساسي للعمل. وقد كان لدينا تجارب خجولة بما يتعلق بالكتابة على خشبة المسرح سابقاً، ولكنّها برأيي تجارب غير مكتملة، وسبقنا في هذا الإطار المسرحيّون التونسيّون، وفي هذا العرض كان الارتجال والتأليف من خلال وقائع حياتيّة نعيشها، وما نمر به”.

10733672_10152336962516511_1136438499_n

تمّ تطعيم العمل باللهجات المحليّة السوريّة كدلالة على تنوع وغنى الوطن باللهجات، وقد أغنت هذه الفكرة العمل، وزادته جمالاً، فمثلاً كان تدخل الممول ( الذي يتحدث بلهجة ساحليّة ) بالعرض يزداد تطرفاً مع تفرده ببعض المفردات المميزة بهذا اللون من اللهجات، وأيضاً كانت سذاجة الممثل ( الذي يتحدث باللهجة الحلبيّة ) في تدريبه على مشاهده في العرض مضحكة جداً بوجود هذا اللون من اللهجات… إلخ.

حققت المسرحيّة معادلة الضحك والانتقاد بنجاح ودليل ذلك امتلاء مقاعد المسرح وتوافد الحضور منذ يوم الافتتاح وما بعده، فكان قبول الانتقاد مع ابتسامة وضحكة هو الأداة الأبرز التي استخدمها العرض، فلم يترك كأثر على المتلقي إلا حالة من التحدي وكسر مواجهة الحقائق دون غصّة أو حزن، وهذا ما ميّز العرض بحقّ عن كلّ العروض التي تمّ تقديمها في المسرح السوري خلال السنوات الأربع الفائتة، بل إنّ عرض ” هوب هوب ” كان غنيّاً في جوانب التفكّه، والكوميديا، والإضحاك، فقد كان الجمهور منفعلاً بسعادة منذ المشاهد الأولى وحتى الختام، وقد علّق لنا مخرج العرض “عجاج سليم” على ذلك بقوله: “كلّ ما هو موجود في العرض كان مدروساً ومقصوداً، فعندما نصل لمرحلة أنّ نضحك على أنفسنا سنكون قد وصلنا إلى الهدف من كوميديا هذا العرض، وقد شاهدت بأنّ كلّ الشرائح تستمع وتستدل بما تفهم على وقائع وإسقاطات متعلقة بحياتها، وبالتالي الإجماع العام هو أنّ هذا العرض يخصّنا نحن”.

اعتمد الديكور على البساطة والتكرار فبالإضافة للكرسي، كانت الخلفيّة تحمل أعمدة متكررة بصورة منتظمة على محيط الخشبة، ولربما أراد المخرج القول من خلال ذلك بأنّ حياتنا تتشابه بأحداثها. في حين كانت الملابس تدل على حالة من الفوضى والعشوائية المؤشرة على عدم الاستقرار الداخلي لدى الناس، لكن يعتلي المشاهد جميعها ما فعله أحد الممثلين عندما خلع قميصه المرسوم عليه العلم الأمريكي في لحظة صادقة قرر بها عدم الخضوع لرغبة الممول وابتزازه، وكأنّ انجذاب البعض نحو تلك البلاد – أمريكا – هو حالة لا يمكن لها أنّ تسيطر على صدقنا الداخلي، وعموماً جاء تصميم الديكور لـ(سمير أبو زينة) والإضاءة لـ(بسام حميدي) وتنفيذ الديكور والملابس لـ(وليم وطفة، سمر الهندي، وعد الشيخ قدور ) وتنفيذ الإضاءة لـ(عماد حنوش) وتنفيذ الصوت لـ(إياد عبد المجيد) ومدير المنصة لـ(سمير أبو عساف).

تميّز إيقاع الموسيقا بين وقع المغامرة والتشويق للانطلاق نحو حيثيات هذه المغامرة، فهناك نجاح للعرض ورغبة لدى الكادر في اقتناص فرصة العرض في أمريكا والاستفادة الماديّة ولو على حساب جملة من التنازلات، كما جائت الموسيقا المرافقة لمراحل التدريب والعرض قريبة جداً من الأجواء الداخلية أثناء بروفات التدريب للعروض المسرحيّة، فأوصلت شعور حقيقي وجدّي في كثير من اللحظات، ويذكر أنّ الموسيقى للأستاذ (سيمون مريش).

صدمة العرض تجلّت بصفعة قدّمها المخرج أثناء استبدال وجهة السفر من أمريكا إلى روسيا، فالمشهد كان واضحاً بأبعاده التي أشارت إلى تعلّقنا بالغرب واعتباره الأفضل وإلى الغربة الدائمة في حياتنا وعدم البحث عن حلّ حقيقي يبدأ من بين أيدينا وما نملك، إلى غير ذلك من الدلالات. وبقي أنّ نذكر أنّ ممثلي عرض “هوب هوب” هم: محمد خير الجراح، كفاح الخوص، أسامة الحفيري، محمد حمادة، نجاح مختار، طارق عبدو، مي السليم، مهران نعمو، فادي الحموي، نور الحسيني، مجد الحفيريي، وخوشناف ظاظا.

البعث ميديا – عامر فؤاد عامر