مساحة حرة

الهيمنة الأمريكية.. والسقوط المقنّع!!

لا يخفى على أحد من المتابعين حالة الوهن والتخبط التي تضرب الإدارةالأمريكية في جميع مفاصلها، والتي ظهرت هزيمة مدوية في انتخابات الكونغرس الأمريكي الأخيرة وفقدان الحزب الديمقراطي الأغلبية التي كان يتغنى بها، وفي محاولة للهروب إلى الأمام والاختباء خلف العربة والعمل بسرية مطلقة لفتح خطوط تواصل مع ألد الأعداء لأمريكا في المنطقة، والبناء عليها لتجميل عملية السقوط المقنّع للهيمنة الأمريكية في المنطقة إلى الأبد، وإعادة الانطلاق من جديد عبر البوابة الإيرانية بعد الإعتراف المبطن بها كأهم قوة صاعدة تخشى الإدارة الأمريكية مواجهتها بشكل مباشر، لأن النتيجة ستكون خسارة ضخمة للدولة العظمى التي تربعت على عرش الهرم الدولي لمدة أكثر من عقدين من الزمن، أذاقت منطقة الشرق الأوسط والعالم خلالهما الويلات من الدم والفقر والخوف نتيجة حروب ظالمة أثبت التاريخ فشلها في تحقيق أي من الأهداف التي كانت وراءها، وقد أكد الرئيس الأمريكي في آخر لقاء صحفي له عدم نية الولايات المتحدة التصعيد مع إيران دون أن يتطرق للرسالة السرية التي أرسلها إلى مرشد الثورة الإيرانية واعتبرتها الأوساط المناهضة لسياسة الديمقراطيين في الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها فضيحة كبيرة على مستوى سياسة الولايات المتحدة، وفي إشارته لرفض الربط بين ما يجري في سورية والعلاقة مع إيران أكد الرئيس الأمريكي ” أوباما ” عدم نية إدارته المواجهة مع إيران لا في العراق ولا في غيرها حيث قال: ” كنت واضحاً في السر والعلن ، نحن لن نربط بأي شكل من الأشكال بين المفاوضات النووية وبين قضية داعش، نحن لن ننسق مع إيران بخصوص داعش.” وقد حث الرئيس الأمريكي الإيرانيين على تفهم مغزى الوجود الأمريكي في العراق بأنه ليس لمواجهة إيران حيث قال: “أبلغناهم ألا يصطدموا معنا، لأننا لسنا هناك لنصطدم بهم ، نحن نركز على عدونا المشترك ، لكن ليس هناك تنسيق أو خطة مشتركة للقتال ولن يكون”.

ومن البوابة السورية والحديث الصادر عن أكثر من مسؤول أمريكي سابق وحالي على ضرورة اقتناع الجميع بأنه لا حل عسكري للأزمة السورية ، وإن الولايات المتحدة تسعى لإيجاد حل سياسي ، بالتواقت مع مبادرة المبعوث الأممي ” ديمستورا ” لإحداث مناطق مجمدة الصراع ، واقتراح مدينة حلب لتطبيقها ، بالتواقت مع مراتون المفاوضات النووية في مسقط ، مما يؤكد وحدة المعركة الدولية وتناسقها مهما تنوعت وتعددت فروعها وتشعباتها على الساحة ، ومن جانبها تعاملت القيادة السورية مع المبادرة الأممية بكثير من الحنكة والمرونة انطلاقاً من مركز القوي والعالم بتفاصيل الأحداث ، وقامت برمي الكرة من جديد في مرمى الأمم المتحدة عندما شجعت المندوب الدولي على الاستمرار في مبادرته مع التأكيد على أن يأخذ في حساباته عدم المساس بالسيادة السورية على كامل الأراضي السورية وضمان وحدتها الجغرافية ، فاتحة بذلك باب الأمل نحو تحقيق عودة الاستقرار إلى حلب وتأمين الخدمات اللازمة لعودة الحياة الطبيعية إليها وإيصال المساعدات إلى محتاجيها بما يتوافق مع أجندتها الثابتة منذ الأيام الأولى للأزمة لجهة تحقيق المصالحات وحماية المدنيين في كل بقعة من سورية ، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو : هل ينطلق المبعوث الأممي في مبادرته من أرضية العالم ببواطن الأمور والذي يمتلك المعلومات والتطمينات اللازمة من قبل التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لها وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية على قبول المبادرة والالتزام ببنودها الافتراضية ؟ أم أنه يرسم أوهاماً في مخيلته ، سيقتنع بأنها مجرد أفكار خلبية بعيدة عن الحقيقة – كما حصل مع أسلافه – عندما يصطدم بجدار الواقع الصلب ؟

وهذا يؤكد في الوقت ذاته بأن الدولة السورية لديها إرادة الحل وتسعى إليها بكل السبل والوسائل ، وهي قادرة على تنفيذ تعهداتها أمام المجتمع الدولي كاملة ، في حين أنه لا توجد لدى الطرف الآخر جهة محددة قادرة على إلزام العصابات الإرهابية المنتشرة على الأراضي السورية بتنفيذ شروط المبادرة والالتزام بموجباتها وهذا يؤكد عدم حسن النوايا الدولية تجاه إيجاد حل سياسي سلمي للأزمة السورية ، حيث عبر الرئيس الأمريكي بدون أدنى خجل على النوايا المبيتة التي تختلف عن المعلن منها عندما قال : ” نحن نريد أن نرى تسوية سياسية في سورية وهذه مسألة بعيدة المدى …” ، في إشارة إلى غياب النوايا الصادقة لدى القوى الكبرى في وضع حد نهائي للأزمة السورية .

محمد عبد الكريم مصطفى