مساحة حرة

القرارات الدولية وأثرها على الأرض ؟

يأتي صدور القرار الدولي 2199 الذي يستكمل بمفاعيله على الأرض عمل القرارين 2170 و2178 كونه جاء أكثر شمولية وإحاطة بمحاصرة التنظيمات الإرهابية فيما إذ ترافق ذلك بجدية والتزام من قبل الدول الأعضاء وخاصة منها المتورطة في إنشاء ودعم هذه التنظيمات الإرهابية كالسعودية وقطر وتركيا، وبما أن القرار يندرج تحت الفصل السابع فهذا يُعطيه قوة التنفيذ، وتضمن صراحة حظر التعامل مع التنظيمين الإرهابيين “جبهة النصرة وداعش” ومنع التجارة غير المشروعة بالنفط أو الآثار المسروقة، وتجريم عملية الفدية التي تعتمدها التنظيمات الارهابية مطية للحصول على الدعم المالي، وحمل القرار السؤولية الكاملة لكل من يُتاجر بالنفط والغاز المسروقين وشدد على ضرورة محاربة توريد الأسلحة والمواد والمعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى هذه الجماعات ومنها أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: من هي الجهة التي ستُلزم الولايات المتحدة والدول المتورطة معها في دعم الإرهاب الدولي تطبيق أحكام هذا القرار وغيره من القرارات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب ؟

بُعيد صدور القرار مباشرةً قامت الولايات المتحدة بإجراء اتفاقية مع حكومة أردوغان الإخوانية في تركيا لتدريب عناصر ما يُسمى “بالمعارضة السورية المعتدلة”، كما فتحت تركيا حدودها وأراضيها أمام الإرهابيين لموازرة فلول العصابات الإرهابية التي هاجمتها القوات العربية السورية في ريف حلب الشمالي، وقدمت المخابرات التركية كل وسائل الدعم للعصابات الإرهابية في الشمال السوري بما في ذلك ضباط أتراك لإدارة العمليات العسكرية على الأرض، فأين المجتمع الدولي من هذه التجاوزات المفضوحة للقرار الدولي 2199 وما قبله ؟

في واقع الأمر لا يوجد هناك أية ضمانات جدية تؤكد على التزام جميع الدول المعنية بالقرار الدولي، في ظل سياسة المراوغة والكذب التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية ومحاولات اللعب على وترالتجاذبات الداخلية – صلاحيات الرئيس وموافقات الكونغرس – وما تُقدمه إدارة الاستخبارات من تقارير خاطئة تقود إلى مواقف ملتبسة ومتناقضة مع ما هو مطلوب قانوناً وشرعاً، لذلك نجد أن أول من يخترق القرارات الدولية على الأرض ويلغي مفعولها الحقيقي بمنتهى الوقاحة هي الولايات المتحدة التي تجيّر كل القرارات بما يتناسب ومصالحها ومصالح حلفائها التقليديين في المنطقة وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، من هنا نرى بأن مشروع تدريب وتسليح 5000 مقاتل مما يُسمى “بالمعارضة السورية المعتدلة” في تركيا والسعودية والأرن وقطر ما هو إلا عملية التفاف على القرار الدولي 2199 لإجهاضه ، ونسف كل موجباته قبل أن تباشر المنظمة الدولية مراقبة تنفيذه، وبالتالي ضرب مهمة المبعوث الدولي “ستيفان دي مستورا” التي رحبت بها الحكومة السورية وهيأت لها كل أسباب النجاح، والتغطية على الأنظمة العربية الإقليمية المتورطة بدعم ومساعدة التنظيمات الإرهابية، فمن غير المعقول أن تلتزم تركيا وإسرائيل وقطر والسعودية ببنود هذا القرار وهي من تقوم بفتح حدودها وأراضيها لتسويق النفط والآثار المسروقة التي تشتريها فيما بعد كل من فرنسا والولايات المتحدة مقابل توريد الأسلحة المختلفة لهذه العصابات عبر وسطاء وتجار من هذه الدول.

إن ما يُقلق المحور المعادي لسورية الذي تقوده الويات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأساسية هو استمرار الصمود السوري الأسطوري رغم كل الحصار القسري، وما يُرافقه من انجازات يومية عظيمة تقوم بها القوات المسلحة الوطنية على الأرض، وإن معركة الجنوب ونجاحها الاستراتيجي بالتواقت مع الانتصارات الكبيرة على الجبهة الشمالية في ريف حلب وحلب المدينة، خلق حالة من الخوف الحقيقي لدى أعداء سورية من تغيير قواعد اللعبة حيث بدأت المعركة الفاصلة لوضع حد لنهاية حرب الاستنزاف القذرة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفائها على الدولة السورية ، وبالتالي لم يعد أمام العناصر الإرهابية سوى الهروب والعودة من حيث أتوا وانتقال الأعمال الإرهابية إلى الدول التي كانت ترعى الإرهاب وفي مقدمتها دول الجوار السوري، وإن استقراءً دقيقاً لما يجري اليوم في تركيا يؤكد صحة توقع بداية مشروع التقسيم الذي أراده أردوغان للدول المجاورة لتركيا ضمن تركيا ذاتها ، وإذا ما بدأت فعلاً حرب داخلية في تركيا سيكون انعكاسها السلبي الأول على القارة العجوز التي تعاني من ضياع حقيقي في الاتجاهات السياسة الاستراتيجية الخاصة في ظل التبعية العمياء للسيد الأمريكي.

إن التعريف الحقيقي للإرهاب ووضع الأمور في نصابها الصحيح لن يتم إلا من خلال اعتراف المجتمع الدولي بكل دوله بأن كل من يحمل السلاح في وجه الدولة (أية دولة) هو إرهابي، وأنه لا يوجد في الواقع إرهاب معتدل وإرهاب شديد القوة أو إرهاب خفيف، وانطلاقاً من هذه الرؤية تقوم الحكومة السورية والجيش العربي السوري بالواجب الوطني الذي تحتمه القوانين والأنظمة في الدفاع عن الوطن ومؤسساته وسيادته، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه على الأراضي السورية، وإن التحالف الأمريكي بشكله الحالي عاجز عن تحقيق أية خطوة فعلية في القضاء على الإرهاب، لأن العمل الجدي المفترض أن يتحقق ويكون قادراً على القضاءعلى الإرهاب وتعميم حالة السلم والأمن الدوليين يجب أن يبدأ بالتنسيق مع دمشق والتعاون مع الحكومة السورية الشرعية، وبدون ذلك تبقى القرارات والمشاريع الدولية مجرد بروبغندا جوفاء وغير ذات معنى ولا تُقدم أية قيمة حقيقية في الحرب على الإرهاب .

محمد عبد الكريم مصطفى