الرفيق أحمد: انتقلنا من مرحلة الاستنهاض الحزبي لمرحلة الاستجابة للتحديات

*سؤال: تمر الذكرى الثامنة والستون لتأسيس الحزب في ظل الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس، والتفكك العربي غير المسبوق والظروف الإقليمية والدولية المتوترة، كيف تنظرون إلى دور الحزب ومشروعه القومي اليوم؟.

في ردي على سؤالكم بخصوص دور الحزب ومشروعه القومي اليوم وكجواب عليه فإنني لست أحسب أن في تاريخنا العربي عامة والسوري خاصة أياماً تفوق 8 آذار و7 نيسان في الوزن الحقيقي الذي كان وينبغي أن يكون لهما في النظرة العربية ولا في المعاني التي حملاها، وكان ينبغي أن يحملاها على مدى ما مر من سنين وأعوام.

لقد احتفلنا في الشهر الماضي بذكرى ثورة آذار المجيدة ونحتفل اليوم بالذكرىالثامنة والستين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الذي امتازت أفكاره بشمولها لتغيرات جذرية في المفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الحزب الذي لم يكتف بالوصول إلى السلطة بل امتدت أفكاره وأهدافه إلى الجماهير لتستوعب  حركتها وتخلق علاقة من الارتباط الفكري بينهما فأضحى الحزب تعبيراً عن الثورة في أصالتها العربية وتجسيداً للأصالة في الثورة العربية، الحزب الذي سلك منذ اليوم الأول لثورة آذار خطاً واعياً يواجه الظروف التي عاشتها سورية والأمة العربية والأحداث المتلاحقة على طريق الثورة، وكذلك لا ينفصل عن إرهاصات التقدم التي ظهرت على الأرض العربية والسورية فراكم تجربة فاعلة متفاعلة تموج صواباً ويشوبها أحياناً، وفي بعض فتراتها، بعض الخطأ.

إن بحث الضرورات المتغير ة المستندة إلى واقع استثنائي تعيشه سورية اليوم لا تنفع معها الرؤى المثالية بل الرؤى التي تستجيب للمتطلبات الموضوعية في زمن معين من أجل أن يبقى الحزب الذي أضحى اليوم حاجة وطنية لجميع السوريين القدوة الوطنية في الحياة السياسية السورية.

ولا أجدني أبالغ إذا قلت إننا -وبكل أسف- ساهمنا نحن العروبيين القوميين في مرحلة معينة بخلق حالة من التراخي والكسل وتعطل البوصلة، نجحت معها أنظمة وسياسات وتيارات وعقائد ظهرت من رحم هذه الأمة بل ومن تحت مظلتها في ضعضعة الهوية والوجود والعمل المشترك تحت ذرائع مختلفة، فضاعت مصالح الوطن وتشتت مصير الأمة وغرقنا في الخلاف وعدنا إلى عصر جاهلية الأقطار والطوائف وتناحرها وإلى سعي كل بلد للحاق بركب التبعية حيث يلهث الكثيرون ويتجاهلون حديث المصير والأمن القومي المشترك ثم يخلقون المبررات، ومن تحت مظلة تدعي العروبة كي يحتل أقوياء العالم الأرض العربية ويعتدون عليها، لنجد فجأة وعلى أرضنا العربية حصراً أن قتل الأبرياء ونهب ثروات البلاد وخلق الفوضى والتجزئة قد باتت انتصارات للديمقراطية والتقدم وحرية الرأي والمصير.

ورغم شدة الهجمة الشرسة التي تعرضت وتتعرض لها سورية إلى اليوم على يد غزاة الغرب وعملاء المنطقة من أعراب وعثمانين وقوى التشدد والإرهاب والتطرف الديني، إلا أننا في حزب البعث لم نعف أنفسنا من المسؤولية عن أخطاء وترهلات وقعت في مرحلة معينة وخلقت ثغرات في الدولة والمجتمع سمحت في مجملها بتغلغل قوى تكفيرية وتنظيمات إرهابية مدعومة بإمكانات لا محدودة من المال والسلاح والغطاء الدولي سياسياً وإعلامياً، ولولا عقيدة الحزب ومبادئه الراسخة وصلابة البنيان الذي يقوم عليه وتقوم عليه الدولة السورية بقيادتها السياسية والعسكرية لما كنا نشهد اليوم دحر الإرهاب والإرهابيين ولما شهدنا ما نشهده أيضاً من معالم واضحة لهزيمة التطرف الديني الذي سماه منظرو الصهيونية العالمية في باريس وواشنطن وتل أبيب بـ”الربيع العربي”، وللأسف انساق الكثيرون وراء الخدعة، إلى أن بدأت تتضح الصورة، ولكن بعد أن تعاظمت الخسائر والأضرار بصورة مؤلمة شملت على الصعيد الوطني الأرواح والحجر والبنيان والمجتمع.

إن ما ينصرف على الدول ينصرف على الأحزاب لأنه في زمن الأزمات تكون الأولويات واحدة، ونحن في الحزب نعمل باستمرار على تحديد الأخطاء ومعالجتها والعمل بشكل جماعي لتعزيز الثقة والتواصل مع الجماهير والسعي لبعث قوة جديدة في عمل الحزب ومؤسساته بما يؤدي في المجمل إلى قيادة عملية إعادة روح العمل الجماعية للحزب ومؤسساته، وكذلك للدولة وأجهزتها في كافة المجالات ،منفتحين في ذلك على جميع القوى الوطنية في سورية على اختلاف توجهاتها السياسية طالما أنها متمسكة بالسيادة الوطنية وترفض أي تدخل خارجي في الـشأن الوطني.

لقد أدركت سورية بعد فترة قصيرة من اندلاع الأزمة فيها أن عناصر الداخل ومموليهم من الخارج لم يكونوا يسعون إلى إصلاح أو حرية أو تعددية سياسية، وأن الغاية الوحيدة كانت انهيار الدولة وسقوط الحكم وتفتيت الأرض وتدمير المقدرات الوطنية والبنى التحتية، فالغرب وحلفاؤه الأعراب والأتراك كانوا قد اتخذوا قرارهم بأنه إما أن تكون هناك دولة سورية تخضع لسياسة الإملاءات وترعى المصالح الأمريكية وتنبذ المقاومة وتفك التحالف مع القوى الإقليمية والدولية التي تساند الحق العربي، أو أن لا تكون هناك سورية على الإطلاق.

ومن هذا المنطلق كانت معركتنا شعباً صامداً وجيشاً باسلاً مع الإرهاب والإرهابيين معركة وجود واجهنا خلالها قوى ظلامية، اجتمعت قوى الغرب وحلفائه من الرجعيين العرب والإقليميين على دعمها وتمويلها بالسلاح والمال وبتوفير جميع وسائل الحرب السياسية والنفسية الإعلامية القذرة لها.

وخلال هذه المعركة شعرت سورية أن بعض اليأس والذعر والخوف قد دخل في قلوب من عشق سورية العروبة والقومية، لأنهم أيقنوا أنه إذا سقط قلب العروبة النابض فلا قيامة للعرب من بعده، ولكن سورية صمدت وقاومت ودحرت وحققت انتصارات باهرة لم ولن تتوقف أو تنتهي لأنها صاحبة حق، وقد أيقن أصدقاؤها في العالم وفي الوطن العربي أنها صاحبة حق ومبدأ وقوة في العقيدة وعلى الأرض.

إن عملية الإصلاح والتطوير لم تتوقف يوماً في سورية ولولا عناصر وعوامل قوتها الداخلية لما استطاعت أن تبقى واقفة على قدميها حتى هذه اللحظة ومصممة على تجاوز المحن جميعها، ولقد كان الشعب السوري الجبار هو أهم عناصر القوى الداخلية حيث صمد ودعم جيشه الباسل وقيادته الحكيمة رغم العقوبات الجائرة ورغم أذية ذوي القربى التي طالتهم قبل أذية الغرباء، وتكاتفت الغالبية الساحقة من هذا الشعب بإرادة وعزيمة لا تقهر فرفضت أشكال التدخل الخارجي ورفضت الإرهاب والفكر التكفيري، وهي تعمل اليوم على إخراج البلاد من أزمتها من خلال حل وطني قائم على ترسيخ مفاهيم الدولة الديمقراطية التعددية الحديثة التي تحافظ على هويتها العربية الوطنية والقومية ضد رغبات وأجندات البعض ممن استمرئ رؤية القواعد العسكرية الأجنبية على أرضه.

أما بالنسبة للمشروع القومي للحزب اليوم فهو لم ولن يتغير .. لا نفرط بالثوابت ونتحرك مع  المتغيرات، مؤمنين بأنه لا ينبغي للتاريخ أن يعطل المستقبل، فنحن نعيش في عصر نظم عالمية قادرة على تخطي الحدود، ونحن مطالبون بأن نحافظ على حد أساسي من وجودنا وهويتنا ودورنا الإنساني، ننظم علاقتنا بالعالم لنصبح طرفاً فيه، وليس كرة بين أقدامه.

والأمانة في المراجعة تتمثل في مراجعة المراحل السابقة بكل وثائقها وإضافة رؤى معينة يستوجبها العصر ثم إضافة صافي حساب المراجعة إلى رصيد الحزب وبحث الضرورات المتغيرة التي لا تنفع معها الرؤى السابقة ثم مباشرة التجديد.

*سؤال: يشهد الحزب حراكاً تنظيمياً لافتاً لكن هناك من يرى أن هذا الحراك مازال بعيداً عن إحداث التغيير الحقيقي المطلوب لأنه لا يلامس العمق، ما رأيكم؟.

نحن في القيادة القطرية مرتاحون جداً للحراك الذي يجري اليوم في صفوف حزبنا على امتداد ساحات القطر واتصالنا المستمر بقواعد الحزب وقياداته القاعدية تسفر عن نتائج هامة جداً نعول عليها كثيراً وقد انتقلنا بعملنا الحزبي من مرحلة استنهاض الحزب إلى مرحلة العمل الجدي حزبياً وسياسياً واجتماعياً استجابة لكل التحديات التي تواجهنا اليوم.

ولقد وضعت مؤتمرات الحزب التي نعقدها باستمرار منذ قرابة السنتين إلى اليوم الرفاق أمام مسؤولياتهم وتحديات الحاضر والمستقبل لأننا نتحدث مع رفاقنا في جميع الفروع بجرأة وشفافية كاملة وبلغة نقدية واضحة وبمفردات تحاكي همومهم وهواجسهم، نحلل ظروفنا وواقعنا وردود فعل الحزب «قيادة وقواعد» تجاهها نعمل على تغيير الوسائل والأدوات التقليدية واعتماد لغة جديدة مع الجميع وخاصة الشباب من أجل تطوير عمل الحزب من خلال اعتماد الحوار الحقيقي داخل الحزب والمجتمع الحوار الذي يرفع من مستوى وعي الرفاق ليتمكنوا من امتلاك آلية حوار مقبولة من الآخرين، ساعين إلى اعتماد التحليل في كل شؤوننا بدل البقاء في دائرة الكلام الإنشائي السطحي.

لقد كان جهدنا منصرفاً في العام الأول إلى إعادة تثبيت العضوية التي حققنا في مجالها واقعاً جديداً، واقعاً حقيقياً لوضع الحزب التنظيمي، حيث وصل عدد الرفاق المثبتين عضويتهم مع المنتسبين الجدد إلى الحزب في العام والنصف الفائت إلى 650 ألف رفيق ورفيقة بعد أن رفضنا الواقع الافتراضي الذي تشوبه الكثير من الأخطاء والأورام والذي كان قائماً “افتراضا”ً قبل تسلّمنا المسؤولية الحزبية.

من ناحية ثانية تكامل عملنا في الحزب في الفترة الماضية مع الجيش العربي السورية البطل في تأدية المهام الوطنية ومحاربة الفكر الرجعي الوهابي، وسيكون جهدنا منصباً في العام 2015 تنظيمياً على تطوير الاجتماع الحزبي ورفع فاعلية مضمونه.

إن تجليات نتائج عملنا الحزبي في الفترة الماضية من عمر القيادة القطرية بدأت تظهر في حركة الحزب الحالية والتي أستطيع أن أقرر بأنها جيدة جداً لذلك لا أتفق مع من يرى أن هذا الحراك ما زال بعيداً عن إحداث التغيير الحقيقي بل نحن بتعاملنا مع كل مفردات هذ الحراك بالجدية التي يتطلبها الأمر، على ثقة بأننا نتحرك في الاتجاه الصحيح الذي رسمه لنا وأعاد تصحيح مساره وتركيز مداره، قائد الفكر ورمز الأمل العربي الرفيق الأمين القطري للحزب الرئيس بشار الأسد.

*سؤال: تشكو الأحزاب العربية من ضعف الممارسة الديمقراطية. إن لم نقل غيابها وهذا أحد أبرز أسباب العزوف عنها، إلا تستطيع هذه الأحزاب تغيير الواقع، أم أنها ستبقى محكومة بإطارها الاجتماعي والثقافي والتاريخي الذي يفتقد التقاليد الديمقراطية، كيف ترون تجربة الحزب في هذا المجال؟.

إن الديمقراطية عملة واحدة ذات وجهين سياسي واجتماعي، وبغير الوجهين معاً تصبح عملة زائفة لا سعر لها ولا قوة.

الديمقراطية هي اشتراكية السياسة، والديمقراطية هي محصلة حقيقية لدرجة معينة من النمو الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بهذه المعاني تصبح دمقرطة حياة الأحزاب مهمة واجبة باستمرار أمام أجيال تتصاعد تطلعاتها وهممها بالتقدم والاستنارة والحرية.

لكننا اليوم أمام استحقاقات وطنية كثيرة تتطلب منا الإسراع في منحى معين والسير العادي في منحى آخر حسب المتطلبات الموضوعية… الأساس الآن أن تشكل لقاءات الأحزاب والتجمعات القومية العربية فرصة للمؤمنين بالهوية والمصير والعمل المشترك من أجل التلاقي والتباحث وتبادل الأفكار حول هموم البلد ومشاكله وأزماته الوطنية والقومية وأن تتحول هذه الفرصة مع الأيام إلى ضرورة وحتمية.

إن الممارسة الديمقراطية في الأحزاب ضرورة من أجل أن تستطيع قواعد هذه الأحزاب التعبير عن نفسها وأن تختار طريقها وأن يأخذ نضالها مضموناً اجتماعياً شاملاً وأن توفر الضمان لمستقبل أجيال الحزب القادمة.

وإني أرى أن تجربة حزبنا في هذا المجال لها من الخطأ ما ينتج عن هذا القدر من الإنجاز، ولها من الصواب ما كان وسيكون دائماً جديراً بتقدير التاريخ.

لم تكن رؤانا الديمقراطية في الحزب مجرد تجريدات نظرية أو شعارات سياسية، ولكنها كانت تجمع بين الفكر والعقل أو تصدر عن رؤية عامة متكاملة تتغذى بالتجارب الوطنية الواقعية والتاريخية، لتكون تعبيراً عن صدق الحزب مع نفسه ومع تاريخه ومع جماهيره ومع عالمه المعاصر ومع التطور الإنساني العام.

صحيفة البعث | البعث ميديا