أحمد الأحمد: البعث منذ تأسيسه حتى الآن يحارب المشاريع الاستعمارية والصهيونية
*سؤال: تمرّ الذكرى الثامنة والستون لتأسيس الحزب في ظل الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس، والتفكك العربي غير المسبوق والظروف الإقليمية والدولية المتوترة، كيف تنظرون إلى دور الحزب ومشروعه القومي؟.
في هذه الذكرى أتقدّم باسمي ورفاقي في حركة الاشتراكيين العرب من الرفيق الأمين القطري للحزب سيادة الرئيس بشار الأسد بالتهنئة القلبية، ولكل الرفاق في القيادة والقواعد، متمنين لهم التوفيق والنجاح في تحقيق أهداف أمتنا بالنصر على أعداء الأمة وتحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية.
إن هذا الحزب الذي ما فتئ منذ تأسيسه حتى الآن في محاربة المشاريع الاستعمارية الغربية والأمريكية والصهيونية، فبعد زوال الاحتلال العثماني وفي ظل الاستعمار الفرنسي لسورية كان الميلاد بعد سايكس بيكو عيداً للحزب الذي ناضل من أجل الاستقلال وعمل على صيانته، آخذاً على عاتقه إسقاط كل المشاريع الغربية التي أريد لها ربط سورية بعجلتها بعد الاستقلال من حلف بغداد إلى مشروع أيزنهاور “ملء الفراغ في منطقة الشرق الأوسط وسورية الكبرى والهلال الخصيب” وسوى ذلك، إلى القتال على بطاح فلسطين ومساندة كل القوى الوطنية على ساحة الوطن العربي المتطلعة إلى الاستقلال من نير الاستعمار الغاشم، ومن مصر إلى الجزائر والعراق وسوى ذلك من الدول العربية وفي حربه على الجهل والتخلف والمرض، ودعوته إلى الوحدة العربية لأن فيها قوة العرب ومن أجل إحياء الأمة العربية.
ولقد حقق الكثير من النجاحات في هذا المجال انطلاقاً من أهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية والأمة العربية الواحدة وإحلال الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعمل على التنوّر ومحاربة الأفكار الرجعية الهدامة.
وتمرّ بنا الذكرى الثامنة والستون لتأسيس هذا الحزب العظيم في ظل حرب عدوانية كونية على سورية خططت لها أكبر مؤامرة عرفها التاريخ على سورية والمنطقة بأسرها.
تمرّ بنا الذكرى ومعظم القادة العرب وخاصة في الخليج ابتعدوا كلياً عن شرف الانتماء للعروبة ونهجها وهويتها القومية، وانغمسوا مع أعداء العرب من الصهاينة والأمريكيين والغربيين زاحفين خلفهم لتنفيذ برامجهم الاستعمارية مسخّرين كل ثروات بلادهم وإمكاناتها لخدمة الغرب ومشاريعه التي وظفت في دعم أعداء سورية الإرهابيين من القاعدة والنصرة وداعش وسواها، حيث قدّمت لهم السلاح والمال والإعلام، ونسّقت مع دول الجوار إقليمياً وعربياً لفتح الحدود وتدفق الإرهابيين من أكثر من /82/ دولة في العالم تحت شتى أنواع التستر تارة بالدين والحريات وحماية الشعب العربي السوري، وحمايته هنا بقتله وتدمير كل ما بناه، والاعتداء على جيشه وآثاره وأوابده في محاولة يائسة للاعتداء على هوية وثقافة هذا الشعب وهذه الدولة العريقة في التاريخ.
وفي محاولة لتوسيع المؤامرة التي تستهدف البلدان العربية المشهود لها بالدفاع عن مصالح الأمة العربية والتصدّي لأعدائها وعلى رأسهم الكيان الصهيوني المحتل، قام أصحاب المؤامرة وأذرعهم القذرة باستهداف الجيوش العربية في سورية والعراق ومصر واليمن وليبيا، بهدف إضعافها وجعلها تابعاً وذيلاً لأعداء الأمة العربية والإسلامية وتدميرها، وخير مثال على ذلك ما يجري الآن على أرض اليمن الشقيق من قتل وتدمير بتوجيه أمريكي صهيوني وتدخل مباشر من أمراء السعودية ومصر والخليج وباكستان، حيث أصبحت الجامعة العربية وأمينها العام وحكام الخليج منصّة لإطلاق العدوان على الدول العربية التي تحافظ على استقلالها ووحدة شعبها.
وفي مواجهة هذا كله كان لحزب البعث العربي الاشتراكي في القواعد والقيادة وتنفيذ البرنامج الوطني القومي المشرّف للأمة العربية بأسرها.
ولقد استشرف الحزب وقيادته أبعاد المؤامرة على سورية والمنطقة منذ بداية تلك المؤامرة التي خطط لها في واشنطن وباريس ولندن وتل أبيب وفي الدوحة والرياض وعمان وأنقرة وسوى ذلك من عواصم دول الخليج، من أجل القضاء على المحور المقاوم للمشاريع الصهيونية الأمريكية في المنطقة وعلى جيوشها وقوتها حماية للكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، مستخدمين التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومشتقاته وسيلة لتحقيق هذا المشروع.
ولقد نبهت سورية بما أكد عليه سيادة الرئيس بشار الأسد منذ البداية إلى حقيقة ما يراد للعرب وللمنطقة بأسرها، وحذرت أن الإرهاب لا وطن له ولا دين وسينتشر على ساحة العالم بأسره نتيجة لهذا الدعم غير المحدود للإرهاب وتصنيفه تحت شتى المسمّيات، وقد اعتبروا هذا التنبيه في حينها تهديداً لهم حتى رأوا الحقيقة جلية كنور الشمس في رابعة النهار عندما بدأ الإرهاب يضرب في مدنهم ودولهم ومؤسساتهم.
ومنذ بداية العدوان على سورية ومن قبله وحزب البعث العربي الاشتراكي يتابع العمل على استنهاض المشروع العربي القومي بكل السبل والوسائل من خلال التواصل مع الأحزاب والقوى الشريفة في عالمنا العربي وفي بعض الدول الصديقة ومع المثقفين العرب والكتاب والأدباء والصحفيين والإعلاميين، ووضعت البرامج الحوارية لتحقيق هذا البرنامج وباتت دمشق ومؤسساتها الثقافية مقصداً لكل شرفاء الأمة العربية من مختلف أقطارها ولعب إعلامها الوطني دوراً كبيراً في توضيح أبعاد ومرامي المؤامرة الكبرى على سورية.
وقد رسخت أفكار الحزب وبرامجه ونضالاته قيم الفكر القومي الداعي إلى وحدة الأمة العربية التي شرذمتها وشتّتتها المشاريع الاستعمارية، ورغم كل ذلك لابد للحزب من الاستمرار في رفع وتيرة العمل من أجل إحياء المشروع النهضوي القومي وخاصة بعد أن أوجد له أصدقاء شرفاء على ساحة هذا العالم من روسيا الاتحادية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة الإسلامية في لبنان إلى مجموعة دول بريكس وألبا وفي أمريكا اللاتينية والصين، وتمتين العلاقة مع هذه الدول لدعم الجديد الذي ظهر في مواجهة التفرّد الأمريكي الغربي بهذا العالم.
*سؤال: كيف تقيّمون علاقتكم بحزب البعث، وهل ما زالت الجبهة الوطنية التقدّمية صيغة صالحة للواقع السوري الذي شهد تغيّرات هائلة في السنوات الأخيرة؟.
هذا السؤال له شجون في نفوسنا وتاريخ حركتنا حركة الاشتراكيين العرب التي اندمجت مع حزب البعث في عام /1953/ حيث كان اسم حزبنا آنذاك الحزب العربي الاشتراكي، في حزب واحد اسمه حزب البعث العربي الاشتراكي، وعلى اعتبار أن الأهداف والمبادئ واحدة وكل القواسم النضالية والمناهج والبرامج تكمل بعضها، وكان ذلك إنجازاً وطنياً وقومياً كبيراً وعظيماً لأن الحزب حقق الكثير من أهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية والتنمية ومحاربة المشاريع الاستعمارية التي مرّ ذكرها، وأقام الوحدة مع مصر ثم اليمن وكانت هذه الوحدة نواة للوحدة العربية الكبرى المنشودة لولا المؤامرات التي انقضت عليها من كل جانب عربياً وغربياً وصهيونياً وأمريكياً حتى تم القضاء عليها، وكان لارتدادات الانفصال ومنعكساته على تاريخ حزب البعث أن الاندماج بين العربي الاشتراكي وهي حركة الاشتراكيين العرب الآن وحزب البعث العربي الاشتراكي قد انفصمت عراه فيما بينهما وكان يوماً كئيباً في تاريخ حزبنا.
إلا أن عبقرية القائد المؤسس حافظ الأسد أعادت الحزبين للعمل مع بعضهما ومع الأحزاب الوطنية والتقدمية تحت مظلة الجبهة الوطنية التقدمية التي تأسست في السابع من آذار عام /1972/ بعد قيام الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد، تلك الجبهة التي حملت في ميثاقها تعدّدية سياسية أرست قواعد الاستقرار الذي افتقدته سورية منذ بدايات مرحلة الاستقلال حتى قيام الجبهة الوطنية التقدمية وحققت الأمن والأمان والتقدم والازدهار وبنت سورية دولة المؤسسات، وكانت الأساس المتين في صمودها أمام ما نشاهده اليوم من العدوان الكبير عليها.
فالجبهة الوطنية التقدمية ستبقى الصيغة الصالحة لبناء الدولة السورية ومؤسساتها والواقع السوري لهذه المرحلة ولما يستقبل من الزمن، وهي العامل الأساس في إعادة البناء وإصلاح البشر والحجر في مجتمعنا العربي السوري.
*سؤال: ثمة رأيان متناقضان بخصوص دور الأحزاب في مواجهة الأزمة، أحدهما يذهب إلى أنها قامت بدورها المطلوب وشكلت إحدى ركائز الصمود الوطني السوري، والثاني يذهب إلى أن أداءها كان أقل بكثير من المطلوب، ما يعكس أزمتها وضعفها، من خلال تجربتكم، بماذا تعلّقون؟.
بخصوص الآراء المتناقضة حول دور أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية في مواجهة الأزمة، فإننا مع الرأي القائل إن أحزاب الجبهة قامت بدورها كاملاً ولا تزال وستبقى تشكل إحدى ركائز الصمود الوطني السوري وخاصة بعد أن عُدّل ميثاقها مرتين، وأضاف سيادة الرئيس بشار الأسد رئيس الجبهة الوطنية التقدمية رئيس الجمهورية ما يقوّيها ويمكّنها من الوقوف في وجه التحديات وأداء دورها بشكل أفضل.
لقد قدّمت أحزاب الجبهة وحسب إمكاناتها وقدراتها في هذه المرحلة الصعبة الشيء الكثير في مجال تطويرها وتفعيل دورها ووجودها حيث يجب أن تكون، وتوصلت إلى أن قدّمت المقاتلين والشهداء والمصابين وستبقى تقدّم حتى تحقيق النصر المؤزر بإذن الله.
أما من قال غير ذلك، فقد رأيناه منذ بداية الأحداث عندما انحاز إلى الإعلام المعادي لسورية، وأما أصحاب الرأي الآخر القائل إن أداء أحزاب الجبهة كان أقل بكثير من المطلوب، فنعتقد أنهم يجافون الحقيقة، وربما انضمّوا عن قصد أو غير قصد إلى جوقة الإعلام المعادي الذي يدار من أصحاب المشروع العدواني على سورية، والذي انقض على الإنجازات الوطنية، فكل الإنجازات التي تمّت في سورية كانت ولا تزال لمصلحة جميع شرائح المجتمع السوري من خلال مؤسساته التشريعية والتنفيذية ومجلس الشعب والإدارة المحلية ومؤسسته العسكرية ومؤسساته الديمقراطية، والتي أدّت إلى تطوير الاقتصاد في الزراعة والصناعة واستخراج الثروات الباطنية واستثمار ما فوق الأرض، ناهيك عن النهوض بالعلم والتعلّم وإقامة الجامعات في مختلف المحافظات السورية.
ونختم بالتأكيد أن سورية التي تواجه منذ ما يزيد على أربعة أعوام بكل قوة وعزم وصلابة أبشع وأعتى مؤامرة وأقذر حرب عدوانية إرهابية في تاريخ البشرية جمعاء، سورية هذه بقيادة سيادة الرئيس المناضل بشار الأسد وبتضحيات جيشها الباسل وصمود وتفاني شعبها في حب الوطن والإخلاص له، ستحقق النصر وستهزم كل أعدائها، وتعود أقوى مما كانت عليه.
والرحمة لشهداء الجيش والوطن والشفاء العاجل للجرحى، وتحية لشعب سورية الصامد في وجه المؤامرة، وتحية لبواسل الجيش العربي السوري درع الوطن وحماته، وتحية حب وإجلال وتقدير لسيادة الرئيس المناضل بشار الأسد رئيس الجمهورية الأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي، وعهد الوفاء والولاء على السير خلف قيادته المظفّرة حتى النصر الكامل.