إعادة الإعمار بين التمويل وحبكة التخطيط
يطرح ملف إعادة الإعمار اليوم كقضية جدلية حمالة أوجه، متضمّنة التوجس ممن سيفوز بهذا الامتياز الكبير، إن كانت الشركات الغربية التي سال لعابها مع دمار أول منزل في سورية، أو توزيع الحظوة بين التكتلات التي بدأت تتشكّل من رجال الأعمال في الخارج الذين ساهموا بشكل أو بآخر في التدمير، وسحبها من يد من بقوا داخل البلد، لتبقى عقدة التمويل على رأس التحديات.
بعيداً عن هذا الإطار يبرز لدى السوريين موضوع تشغيل اليد العاملة من جهة، ومن جهة أخرى دور شركات الإنشاءات العامة، والأهم من ذلك الخطط التي تمّ وضعها من قبل الجهات المعنية في هذا المجال.
دوران
إذا تمّ تحوير المثل القائل “رب ضارة نافعة” وتطويع بعض جوانب الأزمة لصالح ملفات عالقة أوصلها تراكم الأخطاء إلى مرحلة الاختناق، قد تنجح الحكومة عبر خطط إستراتيجية محكمة في إطار إعادة الإعمار من حلحلة ملف البطالة التي وصلت نسبتها إلى 50% بين الشباب في بعض المناطق. يوضح المحلّل الاقتصادي شادي أحمد في حديثه لـ”البعث” أن هذا الملف يطرح في ثلاثة مستويات، الأول تعويض الأضرار في إطار نظام ائتماني، والثاني إعادة البناء في إطار المقاولات، أما الثالث فهو إعادة الإعمار أي إعادة بناء النسيج الاجتماعي والاقتصادي.
ويعتبر أحمد أن هذا الملف خطير للغاية، لأن ما لم ينجح به الآخرون باستهداف سورية اقتصادياً واجتماعياً، قد يحاول الدخول إليه بـ”حصان طروادة” عبر ما يُشاع عن إعادة الإعمار، إضافة إلى فتح المجال أمام نماذج هائلة من الفساد.
ويبيّن أحمد أن إعادة الإعمار تولّد 6 ملايين فرصة عمل، حيث تتطلب 400 مليون متر مكعب اسمنت و10 آلاف ورشة، وقادرة سنوياً على تأمين من 600 إلى 800 ألف فرصة.
عقبة
بما أن التحدي الأهم أمام إعادة الإعمار هو التمويل، يدلي كلّ بدلوه في هذا المجال، فهناك طرح يقول إن الحرب ألحقت أضراراً باقتصاد البلاد تصل إلى 60 مليار دولار، وإعادة البناء تتطلب، حسب خطة قدمت للحكومة 22 مليار دولار للمنازل و6 مليارات للبنية التحتية واستقدام 40 % من العمالة المطلوبة.
ويمكن توفير المبالغ عبر الاقتراض من الصناديق الدولية التي عادة ما تفرض شروطاً تكون مدمّرة لاقتصاديات الدول النامية.
ويرى بعض المختصين أن التمويل يمكن أن يكون من خلال الاعتماد على المصادر المحلية، أو اللجوء إلى المصادر الخارجية، ولكل منها إيجابياتها وسلبياتها، وعادة ما تسلك الدول أحد طريقين أو تزاوج بينهما عبر تأسيس شركات مساهمة سورية كبرى، يكون كل مساهميها أو معظمهم من السوريين، وتُعطى هذه الشركات الأولوية في مشاريع إعادة الإعمار، إضافة إلى المزايا التحفيزية الأخرى.
ولا بد من طرح أصول عقارية تملكها الدولة، لاستثمارها لفترات طويلة، في مجالات مختلفة، من قبل مستثمرين سوريين بطرق المزايدات القانونية المتّبعة ولكن بآليات أكثر كفاءة.
أيضاً عبر اتخاذ القرارات المناسبة والسريعة من قبل الحكومة، وبما يحقّق مصلحة سورية، لإجراء عقود مع شركات عالمية في مجال الصناعات الاستخراجية، ولاسيما ما يتعلق بالمكتشفات الجديدة في مجال النفط والغاز مقابل السواحل السورية في البحر المتوسط، وهذا سيشكّل رافداً مهماً لتلبية الاحتياجات التمويلية في البلد. ويرى أحمد أن مرحلة إعادة الإعمار يجب أن تكون بقدرات سورية عبر التشاركية وليس بالمديونية، وعبر رفع قدرة الكفاءات القطاعية الاقتصادية وغير الاقتصادية.
ويضيف: الآن يجري إعداد مخطط خطير بنسبة كبيرة تقوده الاسكوا وتحديداً لجنة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقوم بإعداد دراسات وأبحاث، حتى أن بعض الاقتصاديين السوريين من الداخل يساهمون بذلك، ولم نرهم خلال الأزمة، الآن نراهم يتحدثون، مشيراً إلى أن المخطط يكمن في تسويق أن سورية دولة فاشلة لا تستطيع إعادة الإعمار، إنما يجب إدخال الدول المانحة في هذا الموضوع، حتى أن البعض قدّم عرضاً بـ21 مليار دولار وسال لعاب البعض في الداخل لكن تمّ رفضه.
ويتابع: صحيح أن سورية لا تستطيع أن تتحمّل أعباء هذا الملف كاملاً، فالأضرار تصل إلى 80 مليار دولار، وإذا أردنا إعادة البناء بشكل أكثر تطوراً نحتاج بين120- 130 ملياراً، يمكن أن تغطي سورية بين 50-60% منها عبر خطة سنوية مقدارها 10 مليارات دولار، ويمكن أن يتمّ تأمين الباقي وفق نظام التشاركية.
محليات
رغم تأكيدات الحكومة المتكررة أن إعادة الإعمار ستكون بأيادٍ سورية، ولا يمكن لمن ساهم في الدمار أن يشترك في هذا الملف، تبرز أصوات هنا وهناك تسوّق لفكرة عدم القدرة على تحمّل هذا العبء حتى من داخل هذه الجهات نفسها، لتعزيز هذا الأمر في النفوس وفقدان الثقة بالخطط.
ويشير المحلّل أحمد إلى أنه لم يتمّ إحراز أي تقدم في هذا المجال سوى تشكيل لجنة لإعادة الإعمار، اقتصر عملها على تغطية 15% من الأضرار وكفى الله خيراً، في حين يجب في ظروف الأزمة هذه أن نبدع ونبتكر حلولاً جديدة، وأن تضع كل جهة خططها وتصوراتها.
تكشف
أما الجديد في هذا المجال فهو كشف نقابة المهندسين عن مسعى حكومي يجري حالياً لإنجاز التصور الجديد لدفاتر الشروط المالية والفنية والحقوقية الخاصة بشركات الإنشاءات في سورية.
وتوضح النقابة أن وزارة الأشغال العامة درست هذا الموضوع قبل عرضه على لجنة الخدمات، وأن هذه الدفاتر ستعتمد أيضاً قيام المشاريع وفق مبدأ “مفتاح باليد”، حيث طلبت من شركات القطاع العام إعداد الجاهزية لكل مستلزمات البناء لإنشاء مشاريع بناء مسبقة الصنع وتحقيق الجودة فيها، وتوفير المواصفات اللازمة لها، كالمجابل والقوالب وخطوط الإنتاج والتي تتطلّب تمتعها بالتكنولوجيا المطلوبة.
وبما أن التنمية وإعادة الإعمار، مرهونان بحلول الأمان تبقى المكوّنات الأخرى تفاصيل إضافية، إن أُحسن التخطيط لها بموضوعية، وبإرادة العمل عند بعض واضعيها.
البعث ميديا – البعث