ماالذي تريده القوى الخارجية من جنيف؟
أجزم بأن قوى المعارضة المرتبطة بالخارج ومن يرعاها ويحتضنها ويختبئ خلفها لم يكن خياره الحل السياسي في يوم من الأيام وإذا كانت تلك القوى قد دخلت بمسار سياسي فهو بالنسبة لها عمل تكتيكي أو ممر إجباري ستسعى من خلاله إن استطاعت الوصول إلى السلطة بأي ثمن لأن المطلوب منها أن تتمسك بهذا الهدف على أمل تحقيق غايات مشغليها الأمريكان وحلفائهم بالمنطقة من عرب وغيرهم ومن خلفهم جميعاً اللاعب الذي اعتقدوه قطبة مخفية وهو الكيان الصهيوني الذي شكلت بلاد الشام وسورية على وجه التحديد عامل الخوف والخطر في سرديته الدينية التاريخية وفي استراتيجياته التي وضعت بعد قيام الكيان على أرض فلسطين حيث كان هدف تدمير الجيش السوري وإخراجه من معادلة الصراع في المنطقة على رأس أولويات قادة الكيان ومنظريه الاستراتيجيين.
إن قراءة دقيقة وموضوعية وعقلانية لمسار الأزمة يرسخ القناعة بأن هدف أمريكا وإسرائيل فيما تعلق بما جرى ويجري في سورية هو احتواء احتراق سورية أولاً ثم استنزاف محور المقاومة تالياً إضافة الى أن تكون النار السورية محرقة للمتطرفين والراديكاليين الإسلاميين من تنظيم القاعدة ومشتقاته وحيث المواجهة مع أمريكا وأتباعها فالمغناطيس الذي تحدث عنه كيري هو بالتأكيد صناعة أمريكية حقيقية وذراته ليست منتجاً سورياً وإنما أمريكية بامتياز.
لقد تعاملت أمريكا وحلفاؤها الغربيون وفي المنطقة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني مع الأزمة السورية من زاوية كيف يستمر ويتسع الحريق السوري بشكل هادىء ويأتي على كل شيء على ألا ينتقل الى الحقول المجاورة أو يغطي دخانه مساحات معينة من حولها، لذلك كله كانت حريصة على ألا تتجاوز مظاهر العنف والقتل وطبيعة المواجهة مستوى معيناً فتسعى جاهدة لضبط الإيقاع قدر الإمكان، لذلك نراها كانت تتحرك أو تتدخل بشكل مباشر أو عبر الكيان الصهيوني في كل مرة تميل الكفة فيها بشكل واضح لصالح الجيش العربي السوري لحسم المواجهة العسكرية مع العصابات الإرهابية وكافة القوى والمجموعات المسلحة التي تواجهه.
إن استراتيجية السقوط المتدرج كانت وما زالت تتحكم بالرؤية الأمريكية فيما يتعلق بما يجري على الجغرافيا السورية وفي سبيل تحقيق ذلك استهلكت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر الأوراق التي استعملتها من الورقة الداخلية حيث راهنت على الحشد الجماهيري والشعبي لمطلب ” إسقاط النظام” تحت عنوان الإصلاح والتغيير الى مشروع الفتنة والتطييف والاستقطاب ما تحت الوطني الى محاولة فرض تقسيم واقعي وهو ما تصدت له قواتنا المسلحة الباسلة وأفشلته بحكم تربيتها وعقيدتها القومية والوطنية مروراً بمحاولة إسقاط الرمز الوطني لوحدة البلاد سيادة الرئيس بشار الأسد. بمعنى أدق عندما فشل دعاة الحرب على سورية من إسقاطها وتحطيم مجتمعها من العناصر المشكلة لها في نقاط القوة والارتكاز القاعدي تم التركيز على قمة الهرم السيادي ـ مقام الرئاسة ـ والمكون الوطني العام ممثلاً بالقوات المسلحة لفرط عقد الدولة السورية وبالتالي انهيارها وهو ماكان مصيره الفشل الذريع والمدوي، وقد أشار السيد الرئيس بشار الأسد في حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية الى ذلك عندما قال: لقد نجحنا في إفشال مشروع تدمير وإسقاط الدولة السورية وبقي علينا مواجهة الإرهاب وهذه المعركة طويلة ولا شك أن الحرب الشرسة بمواجهة الإرهاب ستكون أكثر قوة لأن الإرهاب لا يستهدف إسقاط النظام السياسي فقط وإنما تحطيم المجتمع السوري وضرب الفكرة السورية بأبعادها الحضارية والأخلاقية وبمعنى آخر ضرب الجماعة السياسية السورية المتشكلة تاريخياً والمنسجمة والمتناغمة على امتداد الجغرافيا السورية.
إن العصابات الإرهابية المسلحة التي تتواجد على الساحة السورية هي بالمعنى الاستراتيجي والسياسي الورقة الأخيرة التي يمتلكها معسكر العدوان على سورية ليحقق من خلالها الأهداف التي أشرنا إليها سابقاً لأن جميع الأوراق التي راهنوا عليها قد سقطت تحت ضربات الجيش العربي السوري وتماسك المؤسسات السورية والثبات النفسي والإرادي والبراعة السياسية للسيد الرئيس بشار الأسد والقدرة على التحكم في أوراق اللعبة الدولية وحسن توظيفها بما يخدم قضية الشعب السوري وخياراته الوطنية، ولأنها الورقة الأخيرة التي يمتلكونها نراهم يرفضون إدراج موضوع الإرهاب على جدول أعمال مؤتمر جنيف ويهددون بإحالة الملف السوري الى طاولة مجلس الأمن على أمل استصدار قرار منه تحت الفصل السابع اعتقاداً منهم أنها ورقة ضغط على الحكومة السورية تجعلها تستجيب لمطالبهم بتشكيل ماسمي هيئة حكم انتقالي يرون فيها فرصة ذهبية للقفز الى السلطة المسكونون بحلم أو وهم الوصول اليها.
إن المتابع لمجريات مؤتمر جنيف وجملة التصريحات التي تصدر من هنا وهناك يدرك تمام الإدراك أن الحكومة السورية لا تواجه معارضة سياسية بالمعنى العام للمفهوم وإنما تعارضها دول بعينها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بدليل أن السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد هو عراب الوفد والأب الروحي لما سمي زوراً الائتلاف الوطني وهو لا يتوانى عن التصريح بذلك وفق منطق الثقافة السياسية الأمريكية المتعجرف فالسطوة الأمريكية الواضحة على وفد الائتلاف لا تحتاج الى كثير عناء للتعريف بها.
لقد حقق مؤتمر جنيف من وجهة نظرنا مكسبين هامين للحكومة السورية أولهما أنه أتاح للوفد السوري فرصة ثمينة لإطلاع الرأي العام العالمي على حقيقة مايجري في سورية عبر منابر إعلامية واسعة حرمنا منها فترة طويلة بسبب التضييق الإعلامي والحرب الإعلامية التي شنت على سورية والمكسب الآخر انكشاف هشاشة المعارضة التي دفع بها للمؤتمر ودرجة تماهيها في منتجها الأمريكي الخليجي الى درجة فقدانها أي ملمح بارز يعطيها حدوداً دنيا من حرية اتخاذ أي قرار يتعلق بجوهر الأزمة ويشكل هاجساً حقيقياً للسوريين الذين اكتووا بنار الإرهاب والعنف والقتل والدمار.
والحال يبدو الفاعلان الأساسيان في ملعب الائتلاف هما الأمريكي والسعودي ولعل سعيهما الخائب وفشلهما في إسقاط النظام السياسي في سورية جعلهما يفكران في خيار آخر وهو البحث عن سعد حريري آخر “الجربا” في سورية أو فريق احتياط لـ/14/آذار في لبنان؟.
البعث ميديا || د. خلف المفتاح