مساحة حرة

فيينا السورية.. وسلة أمريكا الفارغة!!

 

 

تم انعقاد اجتماع الرباعية في فيينا بتاريخ الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة كل من روسيا والولايات المتحدة الامريكية وتركيا والسعودية على مستوى وزراء الخارجية وكان الاجتماع بناءً على طلب من أمريكا التي رغبت في توضيح المتغيرات السياسية والعسكرية لحلفائها في المنطقة أولاً ومحاولة التأثير بصورة ما على مجريات الأحداث المستجدة وفرض ما يحفظ لها مصالحها والتأقلم بهدوء مع مقتضياتها المستقبلية في مرحلة أخذت فيها الرياح الروسية الجديدة تجرف كل الخرائط والمخططات السابقة التي راحت تتناثر معها الآمال الوهمية التي غرقت في مياه البحار المصدرة للصواريخ العابرة للقارات والتي امتزجت شظاياها برمال المعارك العسكرية على الأراضي السورية، حيث قلبت الطاولة على رؤوس المحور المعادي لسورية وأدت إلى تغيير كامل في المفاهيم التي كانت متداولة قبل تقديم المساعدة الروسية للجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب.

ولم تقصر المساعدة الروسية على الجانب العسكري فحسب، بل ترافقت الضربات العسكرية لمواقع الإرهاب مع حركة دبلوماسية روسية نشطة لطرح مشروع سياسي متكامل تم الاتفاق عليه بين الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد والروسي فلاديمير بوتين في قمة الكرملن، حيث وُضعت عربة الحل السياسي على السكة الصحيحة، وجاء اجتماع فيينا ليؤكد بأن التحالف السوري الروسي جاد في الوصول إلى حل سياسي، في الوقت الذي حضر فيه المحور الآخر إلى الاجتماع لتحقيق غايات اخرى، لذلك خرجت سلة الولايات المتحدة وحلفائها من اللقاء فارغة تماماً من أية مكاسب حقيقية لا عسكرية ولا سياسية بعد الفشل في إيجاد أية بارقة امل توافقية متكاملة تضمن للجميع مصالحهم وتحفظ ماء الوجه كما يحصل في كل التسويات الكبرى، وإن كان هناك من توافقات قد حصلت فهي نتيجة الحجة الموضوعية التي قدمها الوفد الروسي وبرغماتيته في قبول إعادة صياغة مجددة للأفكار الروسية القديمة مع التأكيد على حتمية الحفاظ على الدولة السورية ومنظومتها الحالية من أجهزة امنية وقوات مسلحة لكي تبقى قادرة على استمرار السلطة بكل مكوناتها وحماية موقع سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد والتأكيد على أهمية دوره في أي حل سياسي يتم طرحه.

في الواقع من المؤكد بأن الإدارة الأمريكية وعملائها في السعودية وتركيا لم يستسلموا بهذه البساطة للخسارة الكبيرة التي حصدوها في الأسابيع القليلة الأخيرة سواء في المعارك الجارية على الأرض التي استعاد فيها الجيش العربي السوري زمام المبادرة وسيطرعلى مواقع كثيرة كانت تُعتبر حصنا أمنا للعناصر الإرهابية المسلحة في الشمال والجنوب وغيرهما، حيث تعهد وزير الخارجية الأمريكية ” جون كيري ” بعد لقائه ملك السعودية سلمان في الرياض على مواصلة الدعم وتكثيفه ” للمعارضة السورية المعتدلة ” من خلال حزمة خطوات تشمل رفع مستوى الدعم المالي والعسكري للتنظيمات الإرهابية، وتسخين المشهد إلى أبعد حد ممكن منعاً لانهيار ما تبقى من المسلحين على الأراضي السورية، والحصول على بعض أوراق القوة من جديد تستثمرها لدعم  مواقفها السياسية على طاولة المفاوضات،  والعمل على متابعة المسار السياسي بعملية انتقالية من دون الأسد، هنا استعاد صبي السعودية ” عادل الجبير ” فتح أبواقه من جديد وكرر واجتر مواقف بلاده المعادية لسورية وصرح بعيد خروجه من الاجتماع : ” انه لا مكان للأسد في سورية المستقبل ..وأنه لم يتم الوصول إلى أي اتفاق بعد ..وفي الحل النهائي كلنا يُريد ان تكون سورية بلداً موحداً يعيش فيه جميع الطوائف بمساواة وتكون سورية بلداً خالياً من أية قوات أجنبية ..؟!

لو كان يعلم فرخ السياسة السعودي معنى الكلام الذي تحدث به لكنّا قبلنا به رأي من جملة الآراء التي تُطرح على الساحة بالرغم من رداءة الكثير منها كما تلك، لكنه وهو يعيش في مملكة تفتقر لأدنى مقومات الدولة الحقيقية، ويتنفس الهواء النافث من البوارج الأمريكية وأسلحتها التي تحمي عرش العمالة في بلده، لا يحق له أن يتكلم عن سورية المستقبل بعد كل الدماء السورية الطاهرة التي أرهقت بواسطة دولاراتهم القذرة، وإيديولوجيتهم الوهابية التكفيرية، وقد وصل به الغباء إلى درجة أنه لم يتعلم الدرس الذي لقنه وزير خارجية سورية السيد وليد المعلم  لـسيدهم الأمريكي  ” جون كيري ” عندما خاطبه بقوة الشجعان  : سيد كيري لا يحق لأحد في العالم  …والبقية يمكن للجبير تعلمها من سيده كيري الذي كاد يأكل  وجهه بيده من شدة الصدمة ؟؟

سورية التي فتحت بابها وقلبها لجميع المبادرات التي حملت أفكاراً للحل السياسي انطلاقاً من اولوية حقن الدماء السورية والحفاظ على كل مواطن سوري بمن فيهم من غُرر بهم عندما يعودوا إلى جادة الصواب، هي اليوم واعية لكل الطروحات والمبادرات التي تاتي من الخارج، وهي جاهزة لدراستها والتعامل معها بجدية عالية ضمن إطار الثوابت الوطنية المقدسة والمتمثلة بسيادة الدولة على الأرض واستقلال القرار الوطني ورفض أية شروط خارجية تمس السيادة، وإن روسيا الصديقة تقوم اليوم بتنسيق التسوية السياسية مع الأمريكان وغيرهم من الدول الفاعلة في المنطقة بعد أن انكفأت الولايات المتحدة عن المشاركة بأي دور عسكري مباشر، وتركت التصعيد لعملائها و حلفائها في المنطقة للقيام بدورها في استمرار حرب الاستنزاف في سورية، كونها اقتربت من خط الخطر السياسي الذي يفرضه الواقع الأمريكي الداخلي، و هي مستعدة بكل تاكيد لترك أتباعها للمجهول عندما تتعرض مصالحها الحيوية للضرر بعد أن استثمرتهم وقت طويل لتحقيق مآرب سياسية وغير سياسية ضد سورية وشعبها، وقد بدأت الولايات المتحدة فعلياً في معاركها السياسية الداخلية وغرقت في دوامة الانتخابات وتستعد للابتعاد عن مشاكل الشرق الأوسط لمدة عامين على الأقل .

ما يُحققه الجيش العربي السوري على الأرض بمساعدة الحلفاء الروس يؤسس لمرحلة جديدة من الحل المبني على أسس ثابتة وفي مقدمتها الانتصار الحتمي على الإرهاب بكل أشكاله، والدخول في مشروع مصالحة وطنية واسعة يضمن لسورية موقعها الحضاري والانساني والثقافي، ويُعيد لها دورها التاريخي في قيادة المنطقة بالتعاون مع محور الأصدقاء في إيران وروسيا والصين وبقية الدول المؤيدة لسيادة القانون الدولي، وتأتي اليوم زيارة السيد وزير خارجية عمان يوسف بن علوي إلى دمشق ولقائه السيد الرئيس بشار الأسد خطوة هامة نحو فتح بوابات الحوار بشكل مباشر مع القيادة السورية التي تحملت على مدى خمس سنوات ماضية أعباء الدفاع عن حاضر ومستقبل العرب، ونحجت في تعرية المخططات الهادفة لتدمير المنطقة بكاملها وتسليمها للإرهابيين، حيث تمكنت دمشق من خلال رؤيتها الصائبة من مواجهة تلك الحرب بقوة بفضل ثبات ووحدة الجيش العربي السوري العقائدي الذي يُحقق الانتصارات بشكل يومي .

 

محمد عبد الكريم مصطفى