مساحة حرة

هل ستبتعد مصر عن السعودية؟

 

 

ليس من السهولة بمكان قراءة منعرجات ومنعطفات التقارب والتباعد السعودي -المصري وحالات التجاذب والتوتر في العلاقات المصرية -السعودية بعد سقوط مرسي والإطاحة بنظام الإخوان المسلمين وتسلم الجيش مقاليد الأمور برئاسة الفريق عبد الفتاح السيسي, فالسعودية التي رحبت بزوال حكم الإخوان في مصر إبان وجود الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز سرعان ما غيرت مواقفها بعد وفاته وتسلم الملك سلمان إلى حد كبير فأجرت اتصالات مع تنظيم الإخوان المسلمين ليس بشكل مكشوف داخل مصر وإنما خارجها بصورة علنية وعاد التقارب بين السعودية وتركيا التي يعد رئيسها رجب أردوغان الأب الروحي للمشروع الإخواني في مصر والمنطقة والذي لا يزال لا يعترف بالسيسي ولا بالنظام المصري بعد مرسي ويعد ما جرى «انقلاباً عسكرياً على نظام الإخوان «الشرعي» .

وفي قراءة معمقة  لما يجري بين الطرفين يتضح أن هناك نقاط ابتعاد أكثر ونقاط اقتراب أقل وتالياً تظهر هشاشة العلاقات المصرية -السعودية وعدم ثباتها وتماسكها بادية للعيان, لذلك يمكن القول: إنها قد تكون مرشحة للانهيار أو الاستمرار على هذا النحو من الضعف والفتور الملحوظ بين فترة وأخرى وهنا لابد من الرجوع إلى أهم القضايا المختلف عليها بين البلدين وهي :

– قضية الموقف من الإخوان المسلمين: تعد مصر السيسي الموقف من تنظيم الإخوان المسلمين قضية جوهرية ولذلك نشب صراع حاد بينها وبين تركيا أردوغان التي وقفت مع مرسي واحتضنت التنظيم بعد سقوطه وهي تتوجس من عودة السعودية لبناء علاقات جديدة مع قادة التنظيم, وتركت علاقة الحكم السعودي الجديدة مع الإخوان المسلمين الباب مفتوحا لخلاف قادم مع مصر يمكن أن ينفجر في كل وقت ويؤثر في مجرى العلاقات بين البلدين ويمكن أن يحجمها ويجعلها في الحدود الدنيا.

– قضية التعاطي مع الأزمتين في سورية وليبيا: هناك تباين في النظرة إلى هاتين الأزمتين بين كل من السعودية ومصر إلى درجة الخلاف فمصر تنظر إلى الأزمتين من زاوية مختلفة عما تراه السعودية حيث تدعم وتمول المملكة الوهابية منذ اليوم الأول العصابات الإرهابية المكونة من إخوان وسلفيين و«جبهة النصرة» وخلافه، أما مصر فترى أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق سياسي سوري يترك فيه للشعب السوري تقرير مصير بلاده، وترى أن التهديد الرئيس في الوضع السوري هو المجموعات الإرهابية.

– قضية التقارب المصري -الروسي : واضح أن التقارب المصري – الروسي لا يأتي أيضاً على هوى المملكة في عهد الملك سلمان، بينما يتسبب التقارب السعودي – التركي بغصة لدى النظام المصري بعد موقف أردوغان من ثورة30 (حزيران2013)، ووقوفه ضد الإدارة المصرية لمصلحة جماعة الإخوان وخطوات التنسيق التركي -القطري -السعودي ضد الدعم الجوي الروسي للجيش العربي السوري للقضاء على الإرهاب لا ترحب بها مصر المؤيدة لهذا الدعم .

يضاف إلى ما تقدم أن مصر لم تجار السعودية في عدوانها الوحشي على اليمن ولم تستجب لدعوة آل سعود للانخراط  معهم في حرب برية ضد اليمنيين وهذا ما لم يكن يتوقعه حكام بني سعود الذين ظنوا أن الستة مليارات التي منحوها لمصر بعد تولي السيسي يمكن أن تشتري أرض الكنانة وتوظف جيشها في حروبهم الإرهابية التكفيرية  لتدمير الدول العربية باسم ما يسمى «الربيع العربي» وتركيب أنظمة تخدم مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني والغرب.

على أرضية هذه الخلافات ونتيجة رفض الرأي العام المصري للوصاية السعودية استعرت حرب إعلامية بين الطرفين شارك فيها الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل الذي هاجم  في حوار متلفز المملكة، معتبراً أن الملك «سلمان»  «ليس حاضراً بما يكفي»، وأن «جيل الصغار متكبرون ويأخذهم غرور القوة»، مضيفاً: أن «النظام السعودي غير قابل للبقاء».

وما يعد لافتاً أيضاً هو تلويح الكتاب المصريين بورقة العلاقات مع إيران للضغط على السعودية؛ وهو ما طرحه كاتب مقال روز اليوسف، وطرحه قبله عندما قال في حوار مع جريدة «السفير» اللبنانية، نُشِر الشهر الجاري: «المعركة في مصر هي حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران أم لا، وهناك محاولات مع (الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) كيلا يحصل التقارب مع طهران».

هجوم «هيكل» تبعته ردود فعل غاضبه من الجانب السعودي، حيث يعد الكتاب السعوديون كلامه تعبيراً عن سياسة المسؤولين في مصر رغم أنه لا يشغل أي منصب رسمي حالياً, الأمر الذي دفع  وسائل الإعلام السعودية لشن حملة على مصر.

وليس أدل على اشتداد الحرب الإعلامية بين مصر والسعودية أكثر من المشادة الحادة التي حصلت بين السفير السعودي في مصر أحمد القطان ورئيس تحرير الأهرام على خلفية مقالات تنشرها الأهرام عن الأزمة في سورية لا تتوافق مع المواقف السعودية المعلنة تجاه سبل الحل وتجاه الضربات الجوية الروسية ضد الإرهاب في سورية وعلى إثرها غادر السفير السعودي القاهرة وهو ما فسره مراقبون أزمة دبلوماسية بين البلدين وفسره آخرون نوعاً من الحرد السعودي المعتاد والمعروف, ومن جانب آخر يشير إلى التجبر السعودي ونزوعه إلى التسلط على مصر وفرض الهيمنة على وسائل إعلامها .

لا يتوقع المحللون أن تقدم حكومة السيسي على القطيعة مع المملكة الوهابية على المدى المنظور حتى لو هاج الإعلام وماج بين البلدين وحتى لو تفاقمت الخلافات وتطورت حول قضايا المنطقة لأن الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر لا تفسح في المجال للإقدام على توتير الأجواء مع المملكة, فضلاً عن أن النظام المصري بزعامة السيسي لا يمتلك الإرادة الكافية لاتخاذ مثل هذه الخطوة الجريئة ولذلك ستبقى العلاقات المصرية- السعودية تراوح مكانها بانتظار تطورات قد تقلب المعادلة وتطيح بالعلاقات وتغير مسارها لأن الأجواء الشعبية المصرية ليست متوافقة مع الأجواء الرسمية وترفض التبعية للإملاءات السعودية على السياسة المصرية.

د. تركي صقر