مساحة حرة

لبنان والرئاسة ولعبة خلط الأوراق؟؟!

خلط إعلان سمير جعجع قائد القوات اللبنانية تأييده ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية الأوراق في لبنان وطاش حجر رئيس تيار المستقبل سعد الحريري فلم يعد يدري ماذا يفعل بعد أن خسر أوراقه في حفلة الرقص التي مارسها طويلا على حبال الرئاسة اللبنانية فلا حماسته بترشيح جعجع لأكثر من عام ونصف أفادته في شيء ولا ترشيحه المبطن لرئيس تبار المردة سليمان فرنجيه حقق له ما خطط له من إحداث شرخ لدى خصومه في جبهة الثامن من آذار وعلى العكس انقلب الشرخ عميقا بينه وبين أهم حلفائه حزب القوات اللبنانية ومن الصعب إصلاح الأمور بسهولة أو في وقت قصير على الأقل نظرا لفقدان الثقة بين الطرفين وخاصة بعد رسالة اللوم القاسية التي وصلت إلى جعجع من السعودية السيدة الآمرة الناهية لعبدها الصغير سعد الحريري.

نقول لقد خلط موقف جعجع الأخير الأوراق وأصاب الحريري وتياره بالصدمة  بعد أن وقف هذا التيار في وجه انتخاب رئيس للبنان لأكثر من عام ونيف عندما دفع جعجع للترشيح وأصر عليه وهو يعلم علم اليقين أن انتخابه رئيسا للجمهورية من سابع المستحيلات وإمعانا في التعطيل قامت المملكة السعودية راعية الإرهاب في المنطقة بوضع فيتو على الجنرال عون المرشح الأقوى لأنه لم يوافق على خططها في تحويل لبنان إلى محمية إرهابية تساعدها في تنفيذ مشروعها الإرهابي التكفيري في سورية والعراق واليمن وعموم المنطقة وحاول النظام السعودي دائما الإمساك بالورقة اللبنانية لقوة تأثيرها على قضايا الشرق الأوسط وخاصة على القضية الفلسطينية بعد ان غدت كلمة المقاومة الوطنية اللبنانية بقيادة حزب الله هي العليا في مواجهة العدو الصهيوني واسترجاع الحقوق العربية المغتصبة.

ليس خافيا أن الجنرال عون  كان الرقم الصعب أمام محاولات السعودية وضع لبنان كليا تحت إبطها ولم يكن عناده اقل من ذلك أيضا أمام محاولات واشنطن لزحزحته عن مواقفه الوطنية الثابتة ولبس سرا الاتصالات المباشرة معه من الجانب الأمريكي   فلقد أعلن الجنرال عون على الملأ أن السفير الأمريكي في بيروت أبلغله  بصريح العبارة  أن وصوله إلى سدة الرئاسة اللبنانية مضمون تماما إذا ما تخلى عن تحالفه مع حزب الله وهذا يعني أن الحريرية عندما تعطل انتخاب رئيس للبنان إنما تنفذ أوامر أمريكا والمملكة الوهابية بكل صفاقة وأنها تقف ضد مصلحة لبنان الوطنية  وأن ما رفعته من شعارات حول سيادة لبنان وقراره المستقل مجرد أكاذيب وهي أداة تعمل في خدمة المخططات الخارجية التي لا تريد للبنان أن ينعم بالاستقرار والخير والأمن والأمان وإنما هي شريكة في مشروع الفوضى الأمريكية المدمر لدول المنطقة.

لقد فاجأ الجنرال ميشيل عون خصوم لبنان في الخارج بمواقفه الثابتة وفضح مدعي الحرص على استقلال لبنان وسيادته في الداخل بأنهم أتباع  صغار لآل سعود ولا يحركون ساكنا دون أوامر منهم  وبقي عنيدا وثابتا على مواقفه  في حفظ سيادة لبنان واستقلاله وبقي متمسكا بتحالفه مع حزب الله وملتزما بخط المقاومة والوقوف بوجه العدو الإسرائيلي ولم تستطع إغراءات الحريري الأب سابقا ولا إغراءات الحريري الابن لاحقا أن تشتريه وتغير من نظرته تجاه الحرب الإرهابية على سورية راحت جوقة تيار المستقبل الإعلامية الضخمة تشيطن الرجل بكل الوسائل والأساليب وتسود صفحات تاريخه  زاعمة أن  ميشال عون ما زال هو نفسه: الجنرال البونابرتي المتغطرس الساعي إلى الرئاسة بأي طريقة ولو كان الثمن المدفوع إعلان البيعة لأعدائه السابقين، والمقامرة بمستقبل المسيحيين الذين يزعم الدفاع عن حقوقهم، والدمار وظلوا يحرضون ويغمزون من قناة استذكار مواقف عون المعادية والحادة ضد سورية وحزب الله وما سببته حرب الإلغاء التي شنها سابقا من إزهاق أرواح مئات القتلى من الجيش اللبناني والطائفة المسيحية ولم يتركوا سهما مسموما وحاقدا إلا وصوبوه على الجنرال وتياره الوطني الحر.

لعبة خلط الأوراق التي أقدم عليها الحريري بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية رد عليها جعجع على الفور بتأييد ترشيح العماد عون  وبالأحرى التنازل عن ترشيحه السابق لمصلحة الجنرال  وبذلك فضح جعجع خداع الحريري وعدم ثباته على موقفه وتلاعبه بموضوع لبناني أولا بسبب الاضطرار وانسداد الطريق نهائيا أمام انتخاب مرشحه المفضل سمير جعجع وثانيا لإحداث وقيعة بين أطراف الثامن من آذار واصطدمت أحلامه بثبات موقف حزب الله تجاه ترشيح الجنرال عون وعدم الانجرار وراء إغراء ترشيح حليف آخر له مكانته في الثامن من آذار هو سليمان فرنجية وثبات موقف الحزب بين بجلاء كم جبهة الثامن من آذار متماسكة وصلبة وكم جبهة الرابع عشر من آذار هشة ومهزوزة.

من الواضح أن جماعة الحريري أدعياء الحرص على استقلال لبنان وسيادته والنأي به عما يجري من حوله قد انكشفوا وسقطت مزاعمهم بافتضاح تبعيتهم الكاملة للسعودية والبترو دولار في موضوع انتخاب رئيس جديد للبنان  وانتظار أوامرها بترشيح هذه الشخصية اللبنانية أو تلك للرئاسة أو العدول عنها حسب أهواء أمراء المملكة فلا قرار لدى الحريري وتياره سوى القرار السعودي وهو مستعد لرهن مصير الرئاسة اللبنانية بيد حكام السعودية إلى ما شاء الله وعبروا عن غضبهم الشديد على جعجع لوقوفه إلى جانب ترشيح العماد عون وكانوا إلى الأمس القريب يستقبلون الحكيم بالسجاد الأحمر وليس تأييدهم لترشيح الوزير فرنجية إلا لعبة خداع ومناورة ولا أظن أنها تنطلي عليه وهم الذين يريدون إمعات في منصب رئاسة لبنان كما كان ميشيل سليمان الذي مرر لهم الهبة الكاذبة لتسليح الجيش اللبناني.

لقد تعرض الجنرال عون لحملات شخصية  شعواء متواصلة من الحريري وتياره وتقولوا عليه الأقاويل وركزت جوقتهم الإعلامية المضللة على أن الجنرال  يريد أن يحرق لبنان لأنه لم يحقق غاياته الشخصية ونزوعه الذاتي المتلهف للوصول إلى الرئاسة بأي ثمن  زاعمين أن حلفاء وخصوم الجنرال، يتغيرون كل وقت وكل حين لكن ما هو ثابت أن هذه الحروب التي يشعلها عون  تتعلّق بمرض الزعامة المزمن لديه ، وأنها تتركز على علوّ مصالحه وسعادة وغنى بناته وأصهاره على مصالح وسعادة وغنى أي مسيحي أو لبناني آخر ولعل استخدامهم منصة الحكومة الحالية لمواجهة التيار الوطني الحر وفرض وقائع وقرارات تأخذ لبنان واللبنانيين إلى ما لا يريدون وما لا يرغبون تدل دلالة قاطعة على مدى استمرار تيار الحريري في تهميش الآخرين والانفراد بالقرار اللبناني ولو أدى ذلك لإعادة لبنان إلى أجواء الاضطراب وحتى الحرب الأهلية ولو أن الجنرال قبل بنقطة واحدة فقط هي التخلي عن تحالفه مع المقاومة وحزب الله لكان أعظم رجالات لبنان بنظر إعلامهم.

لكن يعرف كل  وطني لبناني وكل محب للبنان أن هؤلاء الأدعياء هم أنفسهم  من يريد إشعال الحريق في لبنان وليس الجنرال عون وهم أنفسهم من سعى ويسعى إلى  زرع الفتن والشحن الطائفي والمذهبي ولم يقصروا في ذلك ولم يتورع أزلام المستقبل في طرابلس وغيرها عن استخدام أقذر الأساليب في تأجيج الفتنة والتحريض على سورية وإرسال القتلة والإرهابيين إليها ولولا حكمة حزب الله  وقبوله بلجنة حوار دائمة مع المستقبل لكان الاحتراب الداخلي اللبناني على أشده وبذلك يتضح أن الجنرال عون كان ولا يزال مع حلفائه في المقاومة  صمام الأمان لاستقرار لبنان وإبعاد التنظيمات الإرهابية ونشاطاتها التخريبية والتكفيرية عنه ولقد أزعجتهم إلى أبعد الحدود النجاحات والانتصارات التي حققتها وتحققها المقاومة  مع الجيش العربي السوري في القلمون وجرود عرسال والزبداني وقبلها في القصير وغوطة دمشق ومطار كويرس و في درعا ومحيط السويداء وفي أرياف حلب واللاذقية  وبات يساورهم القلق أن مشروع أسيادهم السعوديين بدأ ينهار حتى في اليمن التي كانت مقبرة الأناضول في الماضي وغدت اليوم مقبرة الغزاة من آل سعود.

على أية حال لقد وضع إعلان جعجع بالوقوف إلى جانب الجنرال عون سواء كان دائما أو مؤقتا الحريري وجماعته  في موقف مربك لا يحسدون عليه واظهر تذبذب الحريري في ترشيحه لجعجع في البداية ثم الانقلاب عليه وترشيح الوزير فرنجية انه لاعب سياسي فاشل وستفضي ألاعيب السعودية المعطلة للانتخابات  إلى أن تكون أداتها الحريرية الخاسر الأكبر في معركة الرئاسة اللبنانية.

د . تركي صقر