في ذكرى ميلادها.. فيروز طريقنا إلى الحياة
أغلى من الألقاب وأجمل.. هي الرمز الذي تغنى به الملايين.. هي أحلى الدرر وأصدقها.. وليس ثمة ما يحول بينها وبين محبيها لأنها ببساطة تنبع من القلب والروح لتعود إليهما.. هي أورفيوس الذي يقتل الموت وطريق عودته إلى الحياة.. صوتها كنوز للعشق الدائم وأغنياتها أجمل حقائقنا.
تشهد فيروز على أيامنا فهي التي غنت للحب والصدق والخير وتغنت بهم.. جعلت من الأغنية ومضة سحرية تختزن آمالنا وأحزاننا من خلال رغبة دائمة في تجديد المعنى والمغنى ساعدها في ذلك وتجند في سبيله نخبة من الشعراء والملحنين الذين آمنوا بأنها خير رسول لإبداعهم ولاسيما في ظل تمسكها بالأصالة في جميع اختياراتها الفنية شعراً ولحناً وأداءً.
صوت فيروز كان الحامل الأساسي للتطور الموسيقي والشعري للأخوين رحباني وللأغنية العربية ككل وخاصة أنها بفرادة غنائها حققت نهضة في الأغنية اللبنانية أثرت على بقية المدارس الغنائية العربية ولاسيما المصرية منها وكان الأخوان رحباني يتعاملان مع صوت فيروز على خطين فعندما كانا يريدان أن يضعا لها ألحاناً من مقامات عربية كالبياتي والراست والهزام والسيكا والصبا إلى آخره كان التلحين يتم غالباً على البزق الذي يعزف ربع الصوت الشرقي ويتقن عاصي العزف عليه أما الألحان التي لا تتطلب ربع النغمة فكانا يلحنانها على البيانو الذي يجيدان العزف عليه كليهما وبهذا كانت ألحانهما تنتمي إلى كلا النمطين الشرقي والغربي وساعدهما في ذلك صوت فيروز الذي يحوي الطبقات العليا التي يتطلبها الغناء الغربي.
لكن فيروز لم تحصر نفسها مع الأخوين الرحباني بل كان لها تجارب موسيقية مهمة جداً مع ملحنين آخرين ومنهم فيلمون وهبي الذي غنت فيروز الكثير من ألحانه وكانت في كل مسرحية رحبانية تبرز موسيقاه ذات البصمة القوية رغم نجاح ألحان الأخوين رحباني.
وكذلك غنت فيروز للسيد درويش وللموسيقار محمد عبد الوهاب وكان صوتها حافزاً له لتغيير مسار ألحانه بما يوائم جماليات صوتها بطبقاته الوسطى والدنيا إذ اعتبر أنها الأكثر طرباً في حنجرتها فغنت له ثلاث أغنيات هي.. سهار بعد سهار.. سكن الليل.. ومر بي.. إلى جانب ألحان حليم الرومي الذي أطلق عليها اسمها الذي عرفت فيه وكذلك الملحن السوري محمد محسن الذي غنت خمسة من ألحانه هي سيدي الهوى قمري.. ولي فؤاد.. جاءت معذبتي.. لو تعلمين.. وأحب من الأسماء فضلاً عن موسيقا زكي ناصيف التي غنت من ألحانه أهواك.. من يوم تغربنا وقلبي عم يلم جراح وغيرها.
ولا نستطيع أن نغفل ما قدمه المبدع زياد الرحباني لأمه خلال مسيرتها فرغم الجدل الذي يدور دائماً حول النمط اللحني الذي صاغه إلا أن المختصين يرون أنه تطوير وتجديد لما قدمه ما قبله من الملحنين سواء أكان أباه وعمه أم غيرهم بحيث انه يعرف الطبيعة الخاصة للصوت الفيروزي بطبقاته الحالية واستطاع بذكاء دمجه لخدمة ما يقدمه من نمط غنائي خاص يعتمد على الحالة الإنسانية الشفيفة مع اللحن السهل الممتنع.
أما بالنسبة للشعراء التي غنت كلامهم السيدة فيروز فتطول قائمتهم وزمانهم وساعدها في ذلك الإلمام الشعري الكبير للأخوين رحباني اللذين اختارا لألحانهما أجمل الكلمات بغض النظر عن تاريخ كتابتها فمن الصمة القشري وأغنية بروحي تلك الأرض إلى عنترة بن شداد ولقد ذكرتك وابن جرير بأغنية جبل الريان مروراً بجبران خليل جبران بأغنيات أعطني الناي وغني.. المحبة… ونزار قباني وأغنية لا تسألوني وميخائيل نعيمة تناثري وسعيد عقل وغيرهم الكثير.
أما عن أدائها الملائكي كما يصفه معظم المهتمين فيعتبر الباحث جوزيف عبيد صاحب كتاب الصلاة في أغاني فيروز أن شعورنا بمناخ من القدسية أثناء سماع صوت فيروز يعود لأن الأغنية الفيروزية هي بحد ذاتها صلاة ولأن فيروز موءمنة ومن تعاونت معه بفنها وأصالته فضلاً عن تدربها في مقتبل عمرها على الغناء الكنسي والتراتيل.
ويوضح عبيد أن كونها من لبنان وهو في أحد معانيه القديمة الصلاة أو الصلة بين الأرض والله جعلها تتشبع من روح لبنان ومناخه القدسي وهذا لا بد سيبرز من خلال أدائها وطربها.
يذكر أن فيروز نهاد وديع حداد ولدت عام 1935 في حارة زقاق البلاط ببيروت اشتهرت منذ صغرها بغنائها بين أفراد العائلة وفي تجمعات الحي لكنها بدأت عملها الفني في عام 1940 كمغنية كورس في الإذاعة اللبنانية عندما اكتشف صوتها الموسيقي محمد فليفل.
ألف لها حليم الرومي مدير الإذاعة اللبنانية أول اغانيها ومن ثم عرفها على عاصي الرحباني فكانت انطلاقتها الجدية عام 1952.
البعث ميديا – سانا