line1محليات

الأدوية النوعية.. بين الحصار والتزوير وسماسرة الحرب

يعيش “م.ح” 57 عاماً” حالة من الهلع والقلق الدائم من خطر يهدد حياته، يتمثل في انقطاع أثر الدواء الذي يحتاجه من رفوف الصيدليات والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة، فهو موظف حكومي، مهجّر من محافظة حمص، مريض في القلب من 10 سنوات، قلبه مزود بشبكة، ولم يحصل على دواء “الكلوبيد” اللازم لمرضى القلب المزودين بشبكة من الشهر الأول هذا العام، والوعود بأن يؤمن له في الشهر السادس.

لا يملكون ثمن البقاء على قيد الحياة..

الدواء النوعي اللازم لإبقاء حياة عدد كبير من المرضى في سورية والأجهزة الطبية التي يعيش الكثير من الأشخاص عليها، تعلن وفاتهم بفقدانها أو انقطاعها، فحياتهم هنا ارتبطت بالأنواع القليلة من الأدوية التي بقيت، حيث أن إغلاق معظم معامل الأدوية، والعقوبات الاقتصادية الجائرة على سورية، أجبرت الكثيرين علی استبدال الصنف الوطني بأدوية مستوردة، ليصطدمون مع الوضع المعيشي المتردي الذي لا يسمح بتغطية تكاليف هذه الأصناف باهظة الثمن.

فالمريض “ب.د”، “موظف متقاعد “74 عاماً”، قام بزراعة كلية في عام 2002 في مشفى الجامعة الأميركية في بيروت، وبعد أن انتهى وضعه الصحي إلى القصور الكلوي في الكليتين، اضطر للخضوع لغسيل دم عن طريق الكلية الصناعية في مشافي حلب، خضع لبروتوكول دوائي لخفض المناعة باستخدام 3 حبات يومياً من الدواء “راباميون”، وبعد الحرب على سورية والعقوبات الجائرة، نفذ هذا الدواء من مشافي ومراكز الوزارة الصحية، ورد الوزارة ومديرياتها منذ بداية الحرب هو: “اصبروا فالحكومة ستجد حلاً”. وحتى الآن لم تنتهي هذه المعاناة، والحصول على هذا الدواء من الدول المجاورة لا يستطيع أي مواطن سوري تأمين نفقاته.

الصحة تسعى لتأمين المستطاع..

الأدوية الأساسية موجودة ضمن المراكز الصحية، لكننا نعاني من نقص في بعض الأدوية النوعية القلبية مثل “البيزوكارد” و”حاصرات الكلس”، وذلك بسبب ارتفاع سعر هذه الأدوية وبالتالي نقص الكميات التي تستجرها الوزارة من هذه الزمر الدوائية، هذا ما صرح به مدير برامج الصحة العامة بدمشق عماد جميل.

الأدوية الأساسية القلبية وغير القلبية اللازمة للرعاية الصحية الأولية، متوفرة بشكل كامل في المراكز الصحية، لكن الانقاطاعات تحصل في بعض الأدوية النوعية التي تكون باهظة الثمن.

 

مفرزات الأزمة زادت الطلب..

يضيف مدير برامج الصحة العامة بدمشق: لدينا في دمشق 61 مركزاً صحياً، 38 منها يقدم هذه الخدمات الدوائية، وبالتالي على الوزارة توزيع الحصص من كل الأدوية بالتساوي وبشكل عادل.. الوزارة تحاول جاهدة استجرار أكبر كميات ممكنة من الأدوية الأساسية والنوعية، انطلاقاً من الإمكانات المتاحة والمبالغ المتوفرة، محاولةً التغلب على كل المعوقات من عقوبات اقتصادية مفروضة على سورية، وزيادة عدد المهجرين في دمشق وبالتالي زيادة الطلب.

مرضى القلب والسرطان أكبر المتضررين..

مرضى القلب والسرطان اليوم هم أكثر المتضررين من شحّ الدواء، حيث يعانوا الأمرّين في الحصول عليه أو تأمينه، وهنا أكّد أحد أطباء القلب بدمشق أن دواء “النتيروغليسرين” مفقود تماماً من السوق السورية، وهو ضروري جداً لآلام الصدر في حالة الاختناق، حيث لا بدائل عنه في سورية.

“الكلوبيد” يحتاجه مريض القلب سنة بعد تركيب الشبكة، الوزارة تؤمنه لدعم المرضى لكن بكميات قليلة لا تغطي الحاجة.

البيزوكارد، ريب، هي أدوية قلبية نوعية مفقودة الآن، أعلنت المراكز الصحية في دمشق نفاذها.

أما أدوية السرطان، فإنّ شحّ معظمها وصل إلى مشفى البيروني، الذي يقدّم الجرعات اللازمة للمريض، حيث أشار شقيق أحد المرضى بأنّ معاناتهم مع تأمين الجرعات لأخيه “41 عاماً” في المشفى بدأت منذ أواخر العام 2012 عندما طلبت منهم الإدارة في إحدى المرات شراء الجرعات مرتفعة الثمن من القطاع الخاص.

ماذا عن جودة الدواء؟

قبل الحرب على سورية، كانت الصناعات الدوائية مزدهرة جداً، فالصناعات الدوائية كانت تغطي 93% من احتياجات السوق المحلية ويتم تصديرها إلى 54 دولة عربية وأجنبية، وهي ذات سمعة جيدة تخضع لجميع مقاييس الجودة العالمية للصناعات الدوائية GMP ولرقابة داخلية من حيث التحليل المطلوب، بالإضافة لرقابة “وزارة الصحة” بشكل دوري.

الحصار الاقتصادي والتلاعب بسعر صرف الدولار، والضرر الذي لحق بأرباح معامل الأدوية نتيجة ارتفاع الكلفة دون رفع الأسعار، جعل معامل الأدوية أمام ناري الاستمرار في التصنيع والبيع بنفس السعر، وبدأ البحث عن مصادر أخرى بديلة للمواد الأولية.

اليوم يلاحظ أغلب المواطنون انخفاض الجودة في أغلب الزمر الدوائية، وذلك من خلال تدني فاعليتها في العلاج، فقد ورد إلينا كم كبير من الشكاوى حول نقص فاعلية أدوية الالتهاب مثل “الأوغمنتين”.

ذهب الأمر إلى إرشاد بعض الأطباء لاستعمال الأصناف الدوائية الجديدة على الأسواق، لأن الدواء في بداية ضخّه في السوق يكون ذو جودة عالية، فيما تتدنى تلك الجودة بعد مضي فترة على طرحه في الصيدليات.

تسهيلات وحلول حكومية..

الحكومة سهلت استيراد المواد الأولية والمستلزمات الخاصة بالصناعة الدوائية، كما بحثت كل المشكلات والعقبات والهواجس التي تواجه معامل إنتاج الأدوية، وتم وضع عدة خطوات وإجراءات تساهم في معالجة ارتفاع سعر صرف الدولار.

كما قامت بتمويل مستوردات المواد الأولية للدواء من قبل “المصرف المركزي”، لأن عدم تمويلها سيخلق مشكلة كبيرة جداً قد توقف الصناعة الدوائية، إضافة إلى إبرام اتفاقيات مع الدول التي نستورد منها خاصة الصين والهند وروسيا.

تجار الأزمات والسماسرة حاضرون..

كما هو الحال في كل قطاع، لم ينجُ سوق الأدوية من تجار الأزمات والسماسرة الذين باتوا يستغلون كل الظروف لتحقيق الربح المادي حتى لو كان الثمن حياة المواطن، فالشركات الدوائية قامت بفرض أجور توصيل على الفاتورة الأصلية تصل إلى 10 أو 5% حسب الشركة بحجة الغلاء وصعوبة النقل، كما تقوم بإجبار الصيدلي على شراء إكسسوارات أو أصناف دوائية قليلة الاستخدام مقابل تقديمها لبعض الأصناف الدوائية الضرورية، وذلك على شكل ظاهرة جديدة اسمها “السلّة الدوائية” من قبل مندوبي بعض شركات الأدوية، حيث يتم فرض شراء عدة أصناف من الدواء غير المطلوبة والقريبة من انتهاء الصلاحية، مقابل حصول هؤلاء الصيادلة على بعض الأدوية القليلة المتواجدة والمطلوبة، مستفيدين من حالة الفلتان العامة في الأسواق.

دواء للتزوير ما زال على الورق..

الأدوية المزورة قد تكون خطيرة أكثر من المتوقع، فمن الممكن أن تحتوي على مادة دوائية مغايرة للمادة التي يصنع منها الدواء الذي يحتاجه المريض، ومن الممكن أن تكون هذه المادة مضرة أو ذات مفعول عكسي على المريض، ومن الممكن في ظل هذه الظروف أن تصل أدوية مزورة بإتقان إلى سورية.

لهذا السبب قامت نقابة صيادلة سورية بإصدار “اللصاقة الصيدلانية” التي ستمنع تزوير الدواء، وعدم تناول الأدوية المزورة من قبل المريض، فهي الحلّ الوحيد لمنع التزوير أو التلاعب بالمواد الدوائية، ولكن للأسف ما زال هذا المشروع على الورق، ويتوجب على الحكومة التحرك لإصداره بأسرع وقت ممكن.

 

أعيدوا مجد سورية دوائياً..

عملياً لا يوجد حل إلا بإعادة رونق الصناعة الدوائية الوطنية وتأهيل الكوادر البشرية المؤهلة في هذا المجال وضمان استمرار تغطية معظم حاجة السوق من الدواء المحلي، وعدم دفع المواطن للّجوء إلى الدواء المستورد أو المهرب، بتأمين المواد الأولية كي يستمر الإنتاج.

وتعود سورية كما كانت تحتل المرتبة الثانية عربياً في مجال تصدير الدواء، حيث كان يوجد فيها 69 شركة لصناعة أدوية مختلفة الحجم والطاقة الإنتاجية، فالأدوية السورية تغطي أغلب الفئات العلاجية عدا بعض الأنواع كأدوية السرطان وبعض أدوية الغدد بسبب تكلفتها العالية وحاجتها لتقنية متقدمة جداً، تلك الأدوية التي كانت توزع من الحكومة مجاناً.

البعث ميديا- خاص