line1مساحة حرة

يوم النصر.. والحرب التاريخية

 

لماذا كان للاحتفال بيوم النصر طعم خاص هذا العام؟

لا شك في أن الحرب في سورية، وعليها، أثّرت على شعوب الأرض قاطبة، وأرخت بظلالها الكئيبة على المجتمع الدولي، وعلى التاريخ المعاصر، وستكون في السنوات القليلة والكثيرة القادمة مثار اجتهادات عديدة وتوافقات وانقسامات عند المفكرين والسياسيين، ولا سيما المؤرخين منهم.

هذه الحرب -العدوان بالأحرى-، وبعيداً عن التصنيف الكلاسيكي للحروب، هي حرب عالمية تضاءلت فيها قيمة الحدود والجغرافيا، فشاركت فيها بشكل مباشر وغير مباشر عشرات الدول، والقوميات، وكان محرّكها الإرهاب الدولي الجوّال والعابر. كانت ولاتزال الخسائر فيها البشرية والمادية والمعنوية أكبر من المخطط لها أو المتصوّر، ولاسيما أنها بالمحصّلة فشلت في تحقيق هدف التحالف الصهيو-أطلسي الرجعي العربي العثماني، أفشل الهدف صمود الجيش العربي السوري الذي تحالف معه الشعب وأحرار العالم وشرفاؤه.

هذه الحقائق هي التي أضفت بالأمس معاني جديدة على مشاركة السوريين احتفالات أصدقائهم الروس، أو السوفييت إن شئت، بيوم النصر العظيم على النازية.

يوم النصر هو التاسع من أيار بتوقيت موسكو كل عام بدءاً من 1945 حين أعلنت حكومة الاتحاد السوفييتي استسلام النازية والنصر النهائي عليها ووضع حدٍّ لمظاهر النازية والفاشية التي حاولت السيطرة على العالم في أربعينيات القرن الماضي.

كان إحياء الاحتفال بعيد النصر هذا العام ذا طعم خاص بسبب مساندة الشعب الروسي وجيشه المبدئي وقيادته السياسية منذ أواخر العام الماضي الشعب السوري في دفاعه عن هويته ووجوده وحدوده وحقوقه ومبادئه ضد الإرهاب والتكفير اللذين هما صنوا النازية والفاشية، من حيث المخاطر على الشعوب، وعلى المجتمع الدولي، وعلى الإنسانية جمعاء. “10 آلاف طلعة وتدمير 30 ألف هدف”.

فكما دفع الشعب الروسي العظيم ضريبة باهظة لدحر النازية، يدفع اليوم الشعب السوري العظيم الضريبة نفسها عن العالم لدحر الإرهاب، في حربين تاريخيتين، وسيكتب التاريخ في مستقبل الأيام آلاف الصفحات عن حرب الشعب السوري التاريخية ضد الإرهاب والتكفير، ولا شك في أن لعنة التاريخ والأجيال ستطال داعمي الإرهاب المكشوفين، وها هو الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك يعترف بالأمس على إذاعة C.N.N أن واشنطن وحلفاءها أنشأوا داعش.

في هذا السياق، والإدراك المتميّز، أتت القيمة العالية لتهنئة الرئيس الأسد الرئيس بوتين بيوم النصر: “حلب اليوم كما جميع المدن السورية تعانق ستالينغراد البطلة… وشعبنا وجيشنا الأبي لن يقبلوا بأقل من دحر العدوان وتحقيق الانتصار النهائي عليه، لما فيه خير سورية، والمنطقة والعالم”. فكان من الطبيعي الرد المباشر من الإدارة الأمريكية تعبيراً عن الانزعاج من هذا التصريح؟!.

إذن، يبدو أن يوم النصر الذي شاركت فيه الشعب الروسي عام 2010 قوات من الأطلسي، تغيّر مباشرة بعد 2011، لأن مصطلح “الحروب الجديدة” الذي ظهر عام 1990 بعد انهيار أوروبا الشرقية، كَمَنَ ليظهر إلى الوجود، فصار المصطلح واقعاً بل حرباً لجغرافيا سياسية جديدة، استُعيض فيها عن الفاشية والنازية التقليديتين، بالإرهاب والتكفير، وكان صمود سورية ودعم الحلفاء في روسيا وإيران وحزب الله بالمرصاد… وهدفاً، وأملاً قريباً بيوم النصر الجديد، لما فيه خير سورية والمنطقة والعالم… كما قال السيد الرئيس.

وللمشاركة بإحياء عيد النصر على النازية معانٍ أخرى لا تنبع من خصوصيتها في هذا العام فقط، فانتصار الروس والشعب السوفييتي لحقوق شعبنا وقضايا أمتنا ظاهرة تاريخية منذ كشف الثورة البلشفية ومعارضتها مؤامرة سايكس – بيكو، مروراً بمواقف الشعب السوري ومؤسساته التشريعية والتنفيذية والسياسية المشيدة بالدعم السوفييتي في الخمسينيات والستينيات وصولاً إلى ثورة آذار، والحركة التصحيحية… حتى اليوم، فقد أكدت مئة السنة الماضية تقدير الشعب السوري بأحزابه ومؤسساته الوطنية كافةً عمق العلاقة ورسوخها بين الشعبين والبلدين والجيشين والقيادتين السياسيتين.

في هذا المجال يأتي عمق حديث الرئيس الأسد في إجابته مؤخراً في الجزء الثالث عن سؤال وكالتي نوفوستي وسبوتنيك عن تصوره لدور سورية ودور سيادته من قبل المؤرخين في المستقبل. كما تأتي أهمية حديث الرئيس بوتين في رسالته إلى شعوب الاتحاد السوفييتي السابق عن إعادة كتابة التاريخ.

إن الحرب التي يدرأ اليوم شعبنا وجيشنا مخاطرها عن سورية والعالم هي حرب تاريخية. وهي في الوقت نفسه من “الحروب الجديدة”. وكل من يقف فيها ضدنا شرّير.

د. عبد اللطيف عمران