line1مساحة حرة

موعد مع «الخلافة»

 

وكأن الظواهري وكيري ضربا موعد الساعة الأخيرة في سورية، ففي أقل من 24 ساعة أعلن الأول عزمه على إنشاء “خلافة جديدة” في بلاد الشام (.. بزعامة “جبهة النصرة” طبعاً!)، فيما رمى الثاني في مجلس الأمن بالغطاء عليها، وذلك من خلال فيتو يأمل من ورائه احتضان ولادتها (الخلافة) عبر إضفاء شرعية “الاعتدال” على أكبر دعاتها والمبشرين بها: “أحرار الشام” و”جيش الإسلام”، وذلك في حركة سريعة وخاطفة لا تخرج – حقيقة – عن كونها جهداً متأخراً، وفي الوقت الضائع، لإعادة تسويق “جبهة النصرة” تحت ذرائع جديدة.

وعليه، فقد بات بوسع فروع “الجهادية العالمية” أن تطمئنّ للمستقبل، كما بات لتنظيم القاعدة أن يجدّد دورة حياة جديدة في “بيئة تشريعية دولية” آمنة تعوّض له بعض خسائره وتوفّر له قواعد جديدة، فها هي شهور طويلة من الضغوط السعودية والقطرية والتركية المضنية تتوّج أخيراً بـ “تطويب” كل من “الأحرار” و”الجيش” تنظيمين في دائرة “المعارضة المعتدلة”، رغم أنهما يتربّعان على أعلى قائمة التنظيمات الإرهابية في سورية، وسجلهما حافل بقصف السفارات والقتل على الهوية والخطف لأغراض الفدية واستخدام المدنيين دروعاً بشرية ووضعهم في الأقفاص “الداعشية”، وأن خطابهما الإيديولوجي مغرق بالدعاوى التكفيرية والطائفية، وفي فلكهما تدور عشرات التنظيمات والعصابات الإجرامية الفرعية في الأرياف السورية، فإلى متى هذا الاستمرار بالمعايير المزدوجة في التعاطي مع الإرهاب العالمي والسلفية الجهادية؟.

تدعي الولايات المتحدة أنها “أحبطت” في مجلس الأمن الدولي “محاولة روسية” لإدراج “فصيلين سوريين” (في الحقيقة فرعين للإرهاب العالمي يحملان علناً إيديولوجيا القاعدة) على اللائحة الأممية السوداء، فيما هي تمدّ الإرهاب بمزيد من الوقت والدعم السياسي من باب “الحرص على وقف إطلاق النار” والخوف من “تداعيات سيئة على الهدنة”. ودائماً لا تزال هناك تلك الذرائع الواهية، وذلك المنطق الأعرج، وتلك اللغة المخاتلة التي لا تتورّع عن قلب الحقائق والالتفاف عليها خدمة لمآرب مشبوهة وسياسات مبطّنة تضع الإدارة الأمريكية نفسها من خلالها في موقف المراهنة على حسن نوايا التنظيمات المتطرّفة، والتعويل على “صحوة” على الطريقة العراقية، تماماً كما كان الرهان الأمريكي في ثمانينيات القرن الماضي على “المقاتلين من أجل الحرية”، وكما هو اليوم على عشرات المجموعات المختلقة من “عدم” المعارضة والمصنّعة برمجياً، والمدعومة بالمال والسلاح من البنتاغون والـ “سي آي إي”، تحت يافطة “كتائب الجيش الحر” في سورية، على أمل تقديمها كـ “قوى معتدلة” والترويج لانفصالها عن التنظيم الأم “القاعدة”.

وفي المحصلة، فإن واشنطن لا تستهدف سوى إدراج هذه المجموعات الإرهابية على لوائح المفاوضين في جنيف كتسوية تأمل من خلالها استرضاء وهابيي السعودية وقطر وإفساح المجال أمام السياسات والأجندات الإقليمية لكي تحضر في مستقبل سورية، رغم أنها تدعي الاعتراف بحق السوريين في تقرير مستقبلهم بعيداً عن التدخلات الخارجية.

ما هو أنكى من ذلك أن واشنطن لا تكتفي بدعم الحرب والنزف في سورية بل هي ماضية في دعم تكفيريين لم يترددوا في “التبارز” كلامياً، وعلى مرأى من المجتمع الدولي كله، ومن على منبر جنيف نفسه، لطرح اتفاق وقف العمليات القتالية أرضاً ودوسه بأقدامهم، بل ويخوضون حروبهم الخاصة في إطار صراعات لا تنتهي، على المكاسب الشخصية والتفرد بالزعامة، وكأن مصير مئات آلاف السوريين المختطفين فعلياً في مناطق سيطرة هذه التنظيمات، والذين يعانون الويلات من بطشها وشريعتها وتجويعها واغتصاباتها يجب أن يبقى غفلاً، بل والبقاء أيضاً رهينة الحسابات والسياسات الأمريكية الملتوية والمزدوجة.

لا يمكن لواشنطن، ولن يكون مسموحاً لأي كان، استرضاء الحلفاء في المنطقة على حساب حق الشعب السوري في العيش موحّداً ضمن حدود الجغرافيا السورية كاملة، وبعيداً عن أية تصوّرات وخطط أو مطامع يمكن لها أن تخدم الأعداء الإقليميين لـ “النظام”، والذين هم في حقيقتهم أعداء الوطن السوري والشخصية السورية الوطنية. وسواء أكان الهدف من وراء ذلك ترك الاحتمالات مفتوحة أمام “مناطق عازلة” أم “مناطق حظر”، أم أية مسميات أخرى، علّ الديناميكيات الذاتية المفترضة للأحداث تقود إليها، فإن من المؤكد أن العربدة الأمريكية، ومهما اتكأت على عجز مجلس الأمن وتبعية المنظمات الدولية، لن تتمكّن من كسر إرادة السوريين في اجتثاث الإرهاب بكل أشكاله ومسمّياته.

بســـــــــــام هاشــــــــــم