النجاح مرهون بالتطبيق
كان بيان المجموعة الدولية لدعم سورية أمس في أغلب بنوده خطوة في الاتجاه الصحيح لدعم المسار السياسي لحل الأزمة، لكن العبرة في إمكانية التطبيق، مع أن هذا البيان لا يمتلك الصلاحية القانونية في المجتمع الدولي من حيث إلزام كافة الأطراف بتنفيذه، فهو بيان وليس قـراراً أممـيــاً.
ولمّا كانت القرارات الأممية ذات الصلة بدعم المسار السياسي تذهب اليوم أدراج الرياح لأسباب عديدة يأتي في طليعتها غياب توجّه صادق لمحاربة الإرهاب، طبقاً لما نصّت عليه تلك القرارات ولاسيما القرار 2253 والمادة 8 من القرار 2254، حيث أصرّت الأطراف الأخرى على التهرّب من طرح موضوع الإرهاب لتقفز مباشرة إلى التركيز على الحلم بالسلطة من خلال الترديد المملّ لأطروحة الانتقال السياسي التي تبدو هلامية تماماً مع وجود المجموعات الإرهابية وانتشارها ودعمها، فإن بيان أمس مرهون بالمخاطر نفسها والمتأتية من جهة الالتزام التي طالما تنصّلت منها، بل انقضّت عليها، تركيا وقطر والسعودية، ولذلك يكون من الموضوعية الخشية أن يصاب هذا البيان بما أصيبت به القرارات الأممية السابقة ولاسيما من تلك الدول تحديداً.
في هذا السياق، يأتي الحذر مما طرحه كيري أمس لتمرير «قرار جديد في مجلس الأمن تعمل من خلاله موسكو وواشنطن على رسم خارطة للتوصل إلى حل سلمي للأزمة عبر عملية سياسية» إذ لا حاجة لهذا القرار.
فهذا الإعلان سيُفهم من قبل كافة الأطراف أنه يأتي في سياق العجز عن تنفيذ قرارات المجلس السابقة ذات الصلة، وليس مستبعداً أن يمتد هذا العجز من السابق إلى التالي، كما أنه يأتي في سياق إطالة أمد الأزمة وتضييع الوقت، علاوة على أن القرارات السابقة كافية ومناسبة للمعالجة، وقد التزمت بها الحكومة السورية كما التزمت بالحوار السوري السوري في جنيف، ولم تجد قلقاً في مناقشة أي بند سواء الحكومة الموسّعة أو الانتخابات، أو “الهدنة”، أو المساعدات الإنسانية، مع العلم أن هذه البنود كانت على حساب البند الأساسي والأهم وطنياً ودولياً وهو أولوية محاربة الإرهاب.
اليوم يركّز بيان مجموعة الدعم على هذا البند، وهذا أمل واعد وجيد وخاصة دعوة مايسمّى فصائل المعارضة «إلى التنصّل من تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين جغرافياً وعقائدياً، وتكثيف جهود الأمم المتحدة لتوضيح الخطر الذي يمثلّه كل من التنظيمين الإرهابيين».
يبدو إذن أن روح البيان تتضمن فرض التزامات مباشرة على تركيا وقطر والسعودية تحديداً، ولاسيما أن القناعة تتسع في المجتمع الدولي وفي الرأي العام العالمي بمسؤولية الأنظمة في تلك الدول عن دعم الإرهاب الإقليمي والدولي. لكن هل يكفي ماورد في البيان لإلزام هؤلاء من خلال نص «اتفق المشاركون على زيادة الضغط الدولي على الذين لا ينفّذون التزاماتهم وفق نظام وقف الأعمال القتالية»؟.
في هذه الأيام لم يعد أحد يصدّق أن طالباً في الجامعة وشاباً في مقتبل العمر بإمكانه أن يؤسس فوراً وخلال أشهر تنظيماً إرهابياً دولياً كالنصرة وداعش وجيش الإسلام و… لا يستطيع المجتمع الدولي أن يهزمه. هذا لا يمكن أن يكون وأن يستمر دون انخراط دول فاعلة في دعم هذا التنظيم، وهنا تأتي أهمية اعترافات كلينتون في مذكراتها «خيارات صعبة»، واعترافات الجنرال كلارك بأن أمريكا هي التي أنشأت داعش، وفوّضت بالتالي رعايته وتمويله إلى أنظمة الدول الثلاث.
كما أن أحداً في هذا العالم لم يعد ينكر بأن شرط المسار السياسي الأهم هو الفصل بين المعارضة الوطنية والعصابات الإرهابية من جهة، ومن جهة ثانية ضبط الحدود التي يتسلل منها الإرهابي. وهنا يتضح غياب الجدية والمصداقية والنوايا الحسنة، إذ أن دعم الإرهاب والتهرّب من توصيفه وتحديده أمر مستمر، ودون خجل ولا رادع، بل هناك توجهات واضحة اليوم عند هؤلاء الداعمين للعمل على توصيف «النصرة» في سياق المعارضة المعتدلة، فمن المشقة والعسير استنباط الفوارق بين جيش الإسلام والفتح وأحرار الشام والجبهة… إن أوجه الشبه أكثر من أن تُحصى!.
ولذلك يكون عدم إدانة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمجزرة الزارة كجريمة إرهابية موثّقة وموصوفة دليلاً على أن بعض الأطراف الفاعلة في أزمات المنطقة لاتزال ترى في الإرهابي حاملاً أساسياً ومهمّاً للمشروع الهدّام إقليمياً ودولياً وإنسانياً، وهذه مشكلة كبرى لا يمكن تجاوزها.
إذن، النجاح مرهون بالتطبيق، رغم أن إطالة أمد الأزمة صارت هدفاً، وأننا لقادرون على التعامل معه.
د. عبد اللطيف عمران