محليات

محلات البالة في طرطوس “كالفطر”.. سترة الفقراء وموضة الأغنياء

 لم تكن مهنة بيع الألبسة المستعملة “البالة “جديدة في طرطوس، لكن ظروف الإرهاب والحرب والحصار التي نعيشها زادت من نموها وتوسعها وانتشارها “كالفطر” في الأسواق الرئيسية في المحافظة والحارات وحتى المناطق والأرياف لم تخلو من المحلات التي انتشرت وامتدت  بشكل لافت ومدهش و”مخيف” بفعل عوامل تحكمها أبرزها صعوبة العيش، ورغم قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بمنع استيرادها منذ سنين عديدة لكن ظروف الحرب فرضت على الناس توجها مختلفا وتغييرا في  الوجهة الشرائية، فبعد أن كانت محلات الألبسة الجديدة وجهتهم الآن تغيرت “عنوة” واتجهوا إلى “الملاذ الأرحم ” محلات بيع الألبسة المستعملة التي أصبح يرتادها حتى المهندس والضابط  والمعلم وو..وذلك إثر الغلاء الفاحش للألبسة والأحذية الجديدة .

 

تأقلم مع الظروف والواقع

اللافت أنك حين تمشي في أسواق المحافظة لا يفصلك بين محل بالة وآخر سوى بضعة أمتار، وفي الأسواق المكتظة في المدينة كالمشبكة والعريض بضع خطوات فقط رغم أن تجارة الألبسة المستعملة ممنوعة قانونا لكن الحاجة والظروف جعلتها موجودة وبقوة.

التقينا السيدة أم كامل التي خرجت من المحل وبيدها أكياس تحوي ثياب بالة لأبنائها الأربعة فأشارت إلى أنها بدأت ترتدي محال البالة بعد الحرب والظرف المعاشي الصعب رغم أن زوجها ضابط من جرحى الحرب وتعرض لعملية بتر إحدى قدميه فأصبحت من رواد البالة مضطرة ومجبرة مضيفة: كان الوضع  قبل الحرب جيد وكنا نتغنى بصناعتنا ومنتجاتنا ونصدرها لدول الجوار وحتى الخارج  لكن حاليا الظرف يفرض نمط المعيشة ونحاول أن نتأقلم مع الواقع كونه فترة وتمضي ونعود لمنتجاتنا الوطنية التي حلقت أسعارها عاليا وتمددت وأصبحت عصية الاقتناء على المواطن الذين يلهث جاهدا لتوفير كامل متطلبات الأسرة بما يملك من أموال قليلة بحوزته.

السيد مفيد كامل يرى أن ألبسة البالة أجود من المنتج الوطني وفيها قطع محدودة ومميزة وغير مكررة بينما الألبسة الجديدة متنوعة ومتعددة ومرتفعة السعر كما أن في البالة ألسبة لجميع الأعمار، في حين تخالفه أم شعيب الرأي وترى بأن المنتجات الوطنية جيدة لكن بظروف الغلاء تم تغيير الأولويات ومصادر الشراء تماشيا مع ظروف الحرب التي نعيشها فأسعار ألبسة البالة أرخص من الجديدة متسائلة: لماذا لاتقوم بعض الأجهزة بملاحقة التجار على الحدود بدلا من ملاحقة البائعين الذين يبيعون للمواطنين ..؟؟  وترى لميس أن ألبسة البالة مميزة وعندما ترتديها يسألها جيرانها ومعارفها على التو” من وين..؟” متسائلة: لماذا لا يتم استيرادها بشكل نظامي إسوة بدول الجوار..؟ ولا سيما أن أموال كثيرة تضيع على خزينة الدولة واقتصاد البلد بسبب دخولها تهريبا ..!

باله 2

إقبال متزايد

بين التاجر مفيد علي الذي يعمل ببيع الألبسة المستعملة منذ أكثر من عشر سنوات أن مهنة البالة دخل مساعد له فهو يملك أرضا وأولاده في الجامعات وهي معيل لهم في ظل هذه الحرب العصيبة والوضع الاقتصادي والمعاشي الصعب لكل مواطن، ملفتا أن البالة يمكن أن تكون دخلا وحيدا، مبينا الإقبال الكثيف على محلات البالة ولا سيما بعد قدوم الوافدين إلى المحافظة حيث نشطت الحركة بشكل أكبر وبنسبة أكثر من 50 % عما كانت عليه قبل الحرب لأن الجميع يمر بضائقة مادية خانقة ولأن البضاعة نظيفة مضيفا: سعر ألبسة البالة مقبول بالنسبة للألبسة الجديدة التي فرغت من زبائنها بل و باتت تتفرج على تهافت الناس على البالة فمثلا لدينا بنطال الجينز الرجالي لا يتعدى سعره الـ1500 ليرة نوع جيد كما أن سعر البلوزة النسائي يتراوح بين 300-700 ليرة حسب نظافة وجودة القطعة وقد نجد قطع ولادي بسعر 150 ليرة كأفرولات الـ ب ب، مؤكدا أن رواد البالة من كافة شرائح المجتمع لكن الأغلبية التي ترتادها هم من الطبقات الوسطى والفقيرة… وهنا قاطعت كلام البائع سيدة من رواد البالة كانت تشتري ألبسة ووقفت أمام البائع وقالت: سجلي يا سيدتي: أنا معلمة راتبي 35 ألف ليرة وزوجي متوفي أقبض راتبه 14 ألف ليرة وبيتي ملك وليس لدي أقساط أو ديون أدفعها ومع هذا أن من رواد البالة منذ فترة ما قبل الحرب لأن بضاعتها جيدة ولأن الظرف صعب وأرتنا أربع قطع ثياب ولادي اشترتها بـ500 ليرة فقط .

نعود للحوار مع البائع علي ليخبرنا أن تجار سورية على الحدود يدخلون البضاعة “تهريبا” وتأتي من مصادر متنوعة من الدول الأجنبية /المانيا وفرنسا وبلجيكا…نأتي بالبضاعة مغلفة ثم نفردها ونعقمها بالبخار ونرتبها حسب نظافتها فالأنظف هو الأغلى وذلك حسب الجودة و الشركة ملفتا أن 99 % من البضاعة أجنبية وتجارة البالة مربحة نوعا ما.

والأغنياء من روادها

أم ماهر صاحبة إحدى محلات البالة في سوق المشبكة المعروف بسوق النسوان الشعبي بدأت حديثها وعلى الفور: “لوما البالة نصف الناس ما بتلبس”  مشيرة بأن ألبسة البالة هي تصفية للشركات الكبرى في العالم، بعضها جديد لكن أغلبها مستعمل، لافتة أن الحركة الشرائية جيدة جدا ” وهذا مالمسناه بأعيننا ” وتزداد قبل المناسبات لضيق الحالة الاقتصادية للناس، وهنا سألنا عن مدى ارتباط البالة بشريحة الفقراء كمفهوم شعبي سائد ؟ لكن أم ماهر نفته تماما بالقول: يلبس من البالة كل من يضرب بالفاس وحتى الضابط والمهندس … ملفتة إلى ارتياد الأغنياء الباحثين عن الماركات الأجنبية إلى البالة لكن تحت جنح الظلام خشية نظرة المجتمع لهم على أنهم من رواد البالة، وبينت صاحبة المحل أن سعر ألبسة البالة ثابت ولا يتأثر بارتفاع الدولار، مؤكدة فوائد دخولها بشكل نظامي إلى الأسواق لما في ذلك مصلحة للمواطن والدولة على حد سواء.

تقاعس المسؤولين

لكن مادور مجلس مدينة طرطوس فيما يتعلق بالتراخيص؟ وما عدد محلات البالة على امتداد المحافظة؟ سؤال توجهنا به إلى المهندس أحمد عيسى مدير المهن والشؤون الصحية في مجلس مدينة طرطوس فأجاب: تندرج محلات بيع الألبسة المستعملة تحت بند محل بيع وتم الترخيص لها بشكل كبير خلال الحرب، وتنحصر مهمة المجلس في مراقبة تلك المحال من حيث وجود مخالفات بناء لكن الأولوية الآن لمراقبة المطاعم ومحلات بيع البوظة وموضوع البالة يستدرك لاحقا /حسب تعبير عيسى …! وعندما تكون محلات بيع الألبسة مخالفة نرسل إنذار ثم نشمع المحل وعندما يكون المحل مخالف لنظام البناء يتم إلغاء المهنة مضيفا: لم يتم حتى الآن إحصاء عدد محال البالة بسبب تقاعس المسؤولين السابقين في المجلس / والكلام لعيسى/ لم أتول مهام الدائرة إلا منذ بداية هذا العام ..!!

وبدوره أكد ماهر مرعي رئيس دائرة حماية المستهلك في مديرية التجارة الداخلية بطرطوس على مزاولة مهنة البالة في المحافظة دون ترخيص وذلك بنسبة أكثر من 35% وتقوم الدائرة بتسجيل ضبط يرفع للقضاء ليتابع الموضوع، مقترحا استيراد البالة بشكل نظامي لتعود الأموال التي تجبى عند قوننة دخولها إلى خزينة الدولة لا إلى تجار الحدود .

قرار غير صائب

لم يكن قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بمنع استيراد الألبسة المستعملة منذ سنين عديدة صائبا حسب المعنيين لأنه يحرم خزينة الدولة من مئات الدولارات.

إذا كانت وزارة الاقتصاد ترى أن دخول البالة يشكل خطرا على المنتج المحلي والصناعة السورية نتساءل: ألا يشكل دخولها إلى الأسواق “تهريبا” خطرا على الاقتصاد الوطني ..؟ فعندما يسمح بدخول البالة تهريبا سوف يفتح الباب للعديد من البضائع لتدخل تهريبا وتبقى البضائع تحت رحمة التجار في ظل غياب الدولة ..!!

 

بالمحصلة

ولأن سورية بلد القانون والمؤسسات لا نمانع أبدا وجود الألبسة المستعملة في أسواقنا كونها مقصد الأغنياء وقبلة الفقراء يستفيد من خلالها المواطن الباحث عن ألبسة وأحذية لأفراد أسرته وكذلك البائع الذي قد تكون مصدر دخله الوحيد لذلك نطالب بقوننة دخولها لما في ذلك من فوائد وعوائد اقتصادية تجبى لخزينة الدولة وللمحافظة على حقوق العاملين بهذا النوع من المهن بالتوازي مع تشجيع الصناعة الوطنية ودعمها.

 

البعث ميديا || طرطوس – دارين حسن