line1مساحة حرة

ثبات الأسد.. والتحوّلات الاضطرارية

 

يتساءل العاقل هل كان من الضرورة أن يدفع الغرب هذه الضرائب من القلق والأرواح – والتي يبدو أنها لاتزال في بداية الطريق – حتى تتحوّل قناعات حكوماته نحو الفهم الصحيح لجوهر الإرهاب والتطرّف؟!.

يبدو أن التحوّل في القناعات سيكون اضطرارياً، وبكُلف باهظة من عمليات إرهابية في فرنسا وبلجيكا حتى الأمس في أورلاندو فلوريدا وتكساس.

فالسيدة كلينتون والتي سرّبت الأخبار إسهام السعودية بـ20٪ في تمويل حملتها الانتخابية تحوّلت لتهاجم بالأمس السعودية وقطر والكويت واتهمتهم بالمسؤولية عن التمويل العالمي لأيديولوجيا التطرّف وزج عدد كبير من شبان العالم فيها.

في هذا السياق تأتي القيمة التاريخية للأفكار الرئيسية حول التطرّف والإرهاب التي أكدها الرئيس الأسد مراراً عديدة خلال السنوات الخمس الماضية، والتي كانت حكومات هذه الدول تنأى بنفسها عن تفهّمها، بل تمعن في الغواية والتضليل ودعم الإرهاب ضد الشعب السوري ومؤسسات دولته الوطنية برموزها كافة.

فها هي الأحداث تتوالى في أربع جهات الأرض لتؤكد رؤيوية الأسد بثباته وصموده وصدق انتمائه ووعيه لجوهر الأزمة في البلاد والمنطقة والعالم.

وها نحن نسمع اليوم أصواتاً عديدة في تركيا والخليج وأوروبا تمثّل هذا التحوّل إذ لا تستطيع نكران ذلك وتجاوزه سواء من «كؤوس السم» التي تجرّعتها وتتجرّعها الحريرية السياسية، إلى ارتياح العالم ولاسيما الأصدقاء من الشعب التركي للأوصاف الدقيقة الأخيرة التي أسبغها الرئيس الأسد على المجرم أردوغان والتي هي صوت الحق والحقيقة الذي بدأ يتسرّب وينتشر بأريحية في الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية.

لكن هناك من يرى أن هذه التحوّلات قد لا تحدث في القريب العاجل عند الحكومات المعادية لسورية على الرغم من المآزق المتوالية الخطيرة التي تستمر بالتعرّض لها لأنه سيصعب على هذه الحكومات أن تنأى عن الاستثمار السياسي في الإرهاب، وسيرهقها التغيّر والتحوّل بعد هذا الإرث من الانخراط في مسارات خاطئة ومفضوحة.

فقد وقعت هذه الحكومات أسارى عصابات الحرب على سورية حين رأت في برنار ليفي وبرهان غليون، في جين شارب وعزمي بشارة، في القرضاوي وأردوغان، في توأم الصهيونية والوهابية…إلخ منارة للحرية والديمقراطية والسلام، ومخرجاً من المظلومية، لأنها رأت في فلاسفة الدمار و”نظريات الإطاحة” حلاً لشرق أوسط جديد تبنيه الفوضى «الخلاّقة».

فإذا تخيّرنا مثالاً واحداً من أحاديث الرئيس الأسد التي خاطب فيها الغرب والعالم قاطبة حول هذه الحقائق في حزيران 2013 وفي مقابلة سيادته مع صحيفة فرانكفورتر الألمانية فقط، فإننا نجد الأفكار الساطعة التالية:«الإرهابيون الذين يدعمهم الغرب سيعودون إليه مع خبرة قتالية وإيديولوجيا متطرّفة – إن إعادة رسم خريطة المنطقة هي عبارة عن رسم خريطة لحروب كثيرة لن يكون أحد قادراً على إيقافها من الأطلسي إلى الهادئ – إن التدخل في سورية هو كاللعب بفالق الزلزال وسيؤدي إلى ارتجاج المنطقة كلها – الغرب يبحث عن إمّعات ودمى تنفّذ مصالحه دون اعتراض ونحن رفضنا أن نكون كذلك وهذا ما لم ولن يجدوه لا الآن ولا مستقبلاً في سورية».

هذه الأفكار ليست طارئة، هي سوريّة بامتياز، وهي في سياق نسق ومواقف ومبادئ ثابتة تؤكد أن المعركة الراهنة على مستقبل العالم تقرر اليوم في سورية ومنها.

سوريّة هي التي قال فيها عالم الآثار الفرنسي أندريه باور«لكل إنسان متحضّر في هذا العالم موطنان، وطنه الأم وسورية». سورية هذه يكون فيها العقل السياسي غريزياً، ومقترناً بطاقة البقاء والثبات غير المحدودة والعصيّة على التفسير والتهديم.

لذلك أثار حديث الرئيس الأسد ردود فعل متباينة في مستهلّ الدور التشريعي الثاني بانطلاقه من الثابت الذاتي، وتأسيسه لتحوّل الآخر حين أكد سيادته على «تحرير كل شبر من أرض سورية إذ لا خيار سوى الانتصار، وأنه لا معنى لأي عملية سياسية لا تبدأ  بالقضاء على الإرهاب الذي يعمل وداعموه على ضرب جوهر مفهوم الوطن وهو الدستور…».

صحيح أن نزعات التطرّف والتكفير صار لها قاعدة شعبية وبيئة حاضنة في سورية لأسباب معروفة، لكن هذا مؤقّت وسيسقط الرهان عليه، بل سقط.

فالشعب السوري بكافة أطيافه ومكوّناته استمرار للأفق المفتوح للحضارة العربية الإسلامية، وللمشروع الوطني العروبي الناجز والكامن في الحنايا وفي الضلوع والأفئدة، وهو على يقين أن الرئيس الأسد لم يُستهدف كشخص بقدر استهدافه كنسق ورمز كبير حقاً.

 

د. عبد اللطيف عمران