أوروبا تتهاوى.. و”شنغهاي” تصعد
فيما يتجه الإتحاد الأوروبي للتفسخ بعد 43 سنة على تأسيسه، بانسحاب بريطانيا من عضويته، إثر أزمات اقتصادية متتالية لأعضاء كثر فيه وتراجع قيمة صرف اليورو ودخوله معارك ليست له كقرارته غير الصائبة ضد روسيا وتدخله في أوكرانيا وفي دول عربية وإيران قبل ان يتم التوصل إلى اتفاق بعد نحو 12 سنة من التخبط الحصار ؛ إزدات خلالها إيران قوة ومنعة .
وقد تباينت ردود الفعل العالمية على الانسحاب، فقد رحب مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي (ترامب) بالقرار واعتبر أنه جاء متأخراً !؟ فيما دعت رئيس الجمعية الفرنسية اليمينية إلى إجراء استفتاء مماثل في بلادها لتقرير الانسحاب من الإتحاد، أما روسيا فاعتبرت أن القرار البريطاني شأن داخلي، والحقيقة أن هذا القرار سيكسر حدة التوسع الأوروبي والأمريكي للتوسع شرقاً، وهو بالضرورة (أي التوسع) مما يزعج روسيا ـ في حين انتقد قادة أوروبيون آخرون قرار الانسحاب وأبدوا أن تسوية متعلقات العضوية في الإتحاد يحتاج إلى ما لا يقل عن سنتين. والخطير في موضوع التصويت البريطاني بالانسحاب من الإتحاد الأوروبي، أن النتائج عبرت عن توجهات (إقليمية) داخل بريطانيا، فقد صوتت جميع دوائر إيرندا الشمالية لصالح البقاء في الإتحاد، فيما صوتت اسكتلندا بأغلبية 62% لصالح البقاء فيه، ما فتح (شهية) الاستقلاليين في الإقليمين بالانسحاب من المملكة المتحدة، وتوحد إرلندا الشمالية مع جنوبها والبقاء في الإتحاد الأوروبي، حيث تجد ذاتها فيه . ورأى حزب الشين فين القومي الإرلندي في بيان، أن الحكومة البريطانية خسرت “أي تفويض” لتمثيل مصالح الشعب في بلاده، وأن الاستفتاء أسفر عن “أصوات إنجليزية أسقطت رغبة الإرلنديين، حيث صوت الجمهوريون والوحدويون والكاثوليك والبروتستانت لصالح البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، داعياً إلى تصويت ( عابر للحدود ) بموجب بنود اتفاق الجمعة العظيمة، في إشارة إلى تصويت بشأن إرلندا موحدة. . كما أعلنت رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا سترغون، أن النتيجة توضح أن شعب أسكتلندا ينظر إلى مستقبله باعتباره جزءا من الاتحاد الأوروبي، ممهدة الطريق امام استفتاء جديد للاستقلال عن بريطانيا .واعتبر الزعيم السابق للحزب القومي الاسكتلندي أليكس سالموند أن الحكمة تقتضي عدم خروج اسكتلندا من الاتحاد الأوروبي أبدا، متوقعا إجراء استفتاء حول الانسحاب من المملكة المتحدة . وسينعكس الانسحاب سلباً على الإقتصادين الأوروبي والبريطاني بحسب خبراء اقتصاديين أسرفوا في الحديث عن تفاصيله حتى قبل الاستفتاء .. كما الاستقرار السياسي في بريطانيا حيث اعلن كاميرون أنه سيستقيل في شهر تشرين أول المقبل، وما سيستتبع من توجهات انفصالية لأكثر من إقليم بريطاني وتغيير في الديمغرافيا السياسية في المملكة المتحدة وجوارها(إيرلندا الجنوبية في حال توحدها مع شطرها الشمالي) وهو أمر أصبح أكثر إمكانية من أي وقت مضى، بكل إنعكاساته المتعددة. وسيعيد انفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي، وسعيْ إقليمين في المملكة المتحدة للانفصال، الاعتبار لتوجهات انفصالية في أكثر من دولة أوروبية وبخاصة في إسبانيا وفرنسا، وسيجعل سعي دول أوروبية نافذة لتفتيت المنطقة العربية، فكرة التفتيت واردة وممكنة التطبيق في الذهنية الغربية، التي طالما خاضت مئات الحروب الطائفية والإثنية على مدى عقود، ولكن الميل الغربي هذا سيكون بتأثير مفاعلات داخلية متأصلة، وليس بنتيجة مخططات ومؤامرات خارجية كما في المنطقة العربية. وبالتزامن مع هذه الظروف الأوروبية العصيبة، انعقدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون،التي تضم روسيا والصين وكازاخستان،وقيرغيزيا، وأوزباكستان، وطاجيكستان، والتي تشغل فيها إيران موقع عضو مراقب وبات استكمال عضويتها مسألة وقت يسير، فيما ستنضم كلاً من الهند والباكستان لعضويتها العام المقبل . وتثير منظمة شنغهاي للتعاون، مخاوف الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتجسد عبرها وخارجها التقارب الإستراتيجي الكبير بين روسيا والصين وما اشتمل عليه التقارب من اتفاقيات تجارية كبرى في مجال الغاز وغيره، وما تعتبره واشنطن (التحكم الإستراتيجي) لروسيا والصين في آسيا الوسطى، بحسبها، واستعاضة موسكو بالدور الملحق لها في مجموعة ألـ 8 المتآكلة، بمنظمة صاعدة، ليس بين أعضائها مشاعر مقلقة، ولا تعاني من مشكلات كما في النيتو ومنظمة التجارة العالمية. ومن أهداف منظمة شنغهاي مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف، والحركات الانفصالية، والتصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات. والمنظمة بحسب مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، بصدد اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين نشاطها وتعاون دولها في مجالات ذات أولوية، كـالأمن، ومكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادي والتجاري والتكامل الأوراسي، وفي العلاقات الإنسانية. وعلى خلاف مواقف الغرب بقيادة الولايات المتحدة من المنطقة العربية والقضايا العالمية، أكد البيان الختامي لقمة منظمة شنغهاي في العاصمة الأوزبيكية، طشقند يوم الجمعة 24 حزيران 2016، والذي وقعه قادة المنظمة، على ضرورة الحفاظ على وحدة سورية وسيادتها وسلامة أراضيها، وعلى أن التسوية السياسية للأزمة لا بديل عنها، ومن شأنها السماح للشعب السوري بتقرير مستقبله بنفسه”. وفيما يعمل الغرب على تسعير الحروب والفتن ودعم الإرهاب علنا وتحت الطاولة، وتجاوز قرارات (الشرعية الدولية) وتعطيلها والالتفاف عليها، شددت قمة شنغهاي المنتهية أعمالها في 24 حزيران 2016، في بيانها الختامي، على مراعاة مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والأحكام المعترف بها في القانون الدولي.. وجددت تمسكها بتعزيز الدور التنسيقي المحوري للأمم المتحدة في العلاقات الدولية، وتعزيز دور مجلس الأمن الدولي في إحلال السلام وإلى تبني معاهدة شاملة للأمم المتحدة بشأن محاربة الإرهاب الدولي والتطرف، بما فيه الديني ومظاهر التطرف الأخرى، ومشددة على أن طريق الانتصار عليه واجتثاثه يكمن في تضافر الجهود المشتركة لمحاربته، ووضع إجراءات كفيلة بمكافحة مظاهره وجذوره . . باعتماد جهود موحدة على قاعدة القانون الدولي ومواقف مشتركة شاملة.. ودعت إلى تبني معاهدة دولية حول منع العصابات الإرهابية من استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. . وإلى وضع مقاربات سياسية مشتركة في محاربة الإرهاب. وشددت القمة على محاربة النزاعات الانفصالية والتطرف، والتصدي لإنتاج المخدرات وتسويقها، والاتجار غير الشرعي بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات، وانتشار أسلحة الدمار الشمال ووسائل إيصالها. وتعهدت الدول بوضع معاهدة خاصة بالمنظمة حول التصدي للتطرف، للمساهمة في تعزيز القاعدة القانونية للتعاون في هذا المجال . وفيما تؤجج أوروبا الصراع في أوكرانيا، أعلنت منظمة شنغهاي تمسكها باتفاقية “مينسك” لتسوية النزاع في أوكرانيا من أجل تسوية الأزمة الأوكرانية، بالوسائل السياسية، وفي حين أضافت أمريكا والنيتو؛ لأفغانستان المزيد من الدماء والاقتتال والتمزق، أكدت قمة شنغهاي على أهمية الاستقرار والسلام في أفغانستان كعامل مهم لتعزيز أمن المنطقة، ودعمها لتسوية النزاع الأفغاني الداخلي بمواصلة المصالحة الوطنية الشاملة، وضرورة بذل الأفغانيين أنفسهم الجهود لأجل ذلك ، وكانت أفغانستان طلبت عام 2014 المنظمة بمساعدتها في مكافحة الإرهاب . وأكدت القمة على أن الدرع الصاروخية الأمريكية تضر بالأمن الدولي والإقليمي، وأن الجهود الأحادية من جانب دولة واحدة أو مجموعة دول دون أي حدود ودون اتخاذ مصالح الدول الأخرى بعين الاعتبار، يضر بالأمن والاستقرار الدوليين والإقليميين، وأن ضمان الأمن على حساب أمن الآخرين أمر مرفوض على الإطلاق، كما جددت الدول الـ 6 مطالبتها بحظر نشر الأسلحة في الفضاء. بكلمات، إن الفارق بين منظمة شنغهاي ( على الرغم من أنها ما زالت دون الإتحاد الأوروبي إندماجاً)، وأكثر تباينات، إلا أنها في حالة صعود وتقدم وتوسع جغرافي وديمغرافي ومجالات، لكن الإتحاد الأوروبي في حالة انكفاء وتصدع، وإن كان استكمال ذلك يحتاج إلى بعض وقت. فضلا عن أن تدخلات شنغهاي في منطقته وفي العالم تنطوي على مشاريع إيجابية لصالح الأمن والإستقرار والعدل والسلم الدولي، ولا تنطوي على الدخل في شؤون دول أخرى، بل على العكس تقف إلى جانبها، فيما الإتحاد الأوروبي، طالما اشتغل ضد أمم ودول وشعوب أخرى حروباً وفتناً وسرق ثرواتها، وأشعل الحروب فيها ملحَقاً غالبا منذعقود بواشنطن، وعمل (قطروزاً) لديها بما في ذلك بريطانيا. ورغم البعد الجغرافي الهائل بين القارة العجوز و(العالم الجديد ) أقامت أمريكا عديد القواعد العسكرية الأمريكية على أراضي دول أوروبية وغير أوروبية، ما ينتقص من سيادتها، ويهدد بها استقلالية وتطلعات دول وأمم أخرى، وهو ما لم يتوفر لدى الدولتين الأكبر في منظمة شنغهاي،روسيا والصين، ولا يمكن القياس على قاعدة روسية يتيمة في سورية أقيمت في ظروف استثنائية لمواجهة الإرهاب والحد من حماقات وصلف إسرائيل . ولا بد أن التقارب الجغرافي والديمغرافي والتاريخي بين دول شنغهاي، مختلف ومتقدم عنه بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل العلاقة الأوروبية الأمريكية علاقة إرغام نتاج حربين عالميتين، فيما العلاقة بين دول شنغهاي علاقة إقدام واختيار حر ومصالح . ونحن أمام قيادات مختلفة، ففيما الرئيس الأمريكي في أفول وهو عاجز عن ضبط إيقاع مؤسساته الأمريكية وتفلت (حلفائه) .. نرى في الجانب الآخر قائداً زعيماً نورد بوتين كمثال (وهناك آخرين) على مقدرة عالية في الإمساك بكل الخيوط ومستوجبات العمل بأشكاله العديدة في الداخل والخارج، ما يفسر إلى جانب عوامل أخرى، صعود شنغهاي وهبوط الغرب بعامة.
البعث ميديا || محمد شريف الجيوسي – الأردن