مساحة حرة

التدخل الخارجي محكوم عليه بالفشل مجددا..؟!

 د.تركي صقر

محاولات التدخل الخارجي بالأزمة في سورية لم تتوقف طيلة السنوات الثلاث الماضية , واتخذت شكل التدخل العسكري المباشر في البداية  عبر بوابة مجلس الأمن الدولي , وأحبط الفيتو الروسي الصيني المزدوج هذه المحاولات ثلاث مرات متتالية , وعندما يئس أصحاب التدخل وأدواتهم من دعاة الاستقواء بالأجنبي , من نجاح محاولاتهم , راحوا يتباكون , ويذرفون دموع التماسيح بغزارة على الأوضاع الانسانية داخل سورية وفي مخيمات اللجوء خارجها . لتصب المحاولات الجديدة باتجاه التدخل تحت مسمى المساعدات الانسانية , والمطالبة بتأمين ممرات انسانية آمنة ومحمية بقوات دولية وتطويرها الى مناطق حظر جوي , ومع سقوط هذه المحاولات الواحدة تلو الأخرى عادت نغمة المساعدات الإنسانية بضجيج إعلامي أكبر مع انعقاد مؤتمر جنيف 2 أملا بتحقيق عدد من الاهداف منها :

1-     التشويش على طروحات وفد الحكومة السورية حول وقف العنف ومكافحة الإرهاب كأولوية من أوليات مؤتمر جنيف 2 وكطريق لابد منه للخروج من نفق الأزمة  الدامي .

2-    قلب الحقائق بتحميل القيادة السورية بدلا من الدول الداعمة للإرهاب مسؤولية ما آلت إليه الاوضاع الإنسانية للشعب السوري وتصوير ان التصدي للمجموعات المسلحة هو الذي جلب الارهاب الى سورية .

3-    التعمية على دول الجوار التي أقامت مخيمات لجوء وايواء قبل ان تستفحل الأزمة  في سورية وتاجرت بمآسي السوريين للحصول على اكبر قدر من اموال المساعدات الدولية الانسانية حتى ان المساعدات لمخيمات اللاجئين باتت موردا لميزانيات تلك الدول .

4-    تجاهل مجازر الارهابيين المستمرة بحق المدنيين رغم انعقاد المؤتمر والتغطية على حصارهم للأهالي واتخاذهم دروعا بشرية ومنع دخول المساعدات لهم  ورفض حتى ادانة هذه المجازر من قبل وفد الائتلاف في جنيف .

5-    القفز من السبب الى النتيجة في اي طرح لمعالجة الأزمة فسبب الأزمة واستمرارها يعود اولا وأخيرا إلى إرسال الارهابيين ودعمهم بالمال والسلاح ومالم يتم الزام الدول الراعية للإرهاب بالتوقف عن ذلك فلا فائدة من مؤتمر جنيف حتى لو استمر لعدة سنوات .

6-    إفشال التوصل الى اي حل سياسي  في مؤتمر جنيف اذا لم يتم تنفيذ بند وحيد هو تسليم السلطة لمعارضة مصنعة ليس لديها من وزن داخلي ومشروعها قائم على الاستقواء بالخارج وتدعو ليلا ونهارا لتدخله .

7-    تهيئة الاجواء للتحول الى مجلس الامن للمطالبة بقرار يسمح بالتدخل الدولي تحت الفصل السابع او بقفاز المساعدات الانسانية بعد ان  فشلت محاولات التدخل المباشرة السابقة كلها وهو ما يفسر التعطيل المتعمد للجولة الاولى والجولة الثانية لمؤتمر جنيف 2 .

ومن سخرية القدر ان نرى من كانوا السبب والمسبب للأزمة في سورية وما يزالون يصبون الزيت على نارها هم أكثر المتباكين على ويلات الشعب السوري امثال حكام السعودية وتركيا وفرنسا وبريطانيا وامريكا حتى اوباما راح يحمل موسكو مسؤولية المآساة السورية في الوقت الذي يقوم فيه علنا باستئناف إمداد المجموعات المسلحة بالسلاح الامريكي المتطور.. يا لها من صفاقة واستخفاف بعقول الناس ..؟!!

ولكن الدبلومسية الروسية كانت متنبهة لما تخفيه مسرحية العطف الانساني تجاه الشعب السوري فقطعت الطريق على اي مشروع قرار يمكن ان يتخذه مجلس الامن الدولي ظاهره مساعدات انسانية وباطنه تدخلا يمس بالسيادة السورية  ويساند الارهابيين ويطيل من عمرهم ويزيد من قوتهم في وجه ضربات الجيش العربي السوري ..ولانشك ان الجانب الروسي الذي استخدم مع الصين الفيتو ثلاث مرات لاحباط اية محاولة للتدخل الخارجي بالشأن السوري لن يتوانى عن استخدامه في كل مرة اذا ما لزم الامر .

وتدرك الدبلوسية الروسية بنهجها المبدع الجديد ان المساعدات الانسانية ماهي الا طريقة قديمة اتبعتها امريكا والقوى الغربية  للتدخل بشؤون الدول الأخرى والتحكم بها كما حدث في افريقيا وامريكا اللاتينية والبلقان وغيرها .. وفي سورية تعيد الاسطانة ذاتها وهي تحاول ان تعوض عن فشلها في التدخل المباشر بتدخل غير مياشر تحت مسمى المساعدات الانسانية التي تكون في الغالب ادخال سلاح وذخيرة وادوات قتل تزود بها الارهابين  وليس  تقديم غذاء ودواء وحليب اطفال وقد تم ضبط هذا اكثر من مرة .

وبدلا من مشاريع التدخل المباشر وغير المباشر التي تواصل طرحها امريكا وفرنسا وبريطانيا على مجلس الامن  بشان الازمة في سورية تعمل الدبلوماسية الروسية لطرح مشروع متكامل لمحاربة الإرهاب في سورية تلتزم به كل الدول مستندة في ذلك الى قرار وافقت عليه قمة مجموعة دول العشرين في بطرسبوغ اواخر العام الماضي وهو ما يعالج المشكلة من جذورها ويحول دون تمدد الارهاب واتساع نطاقه الى كل دول العالم ومنها الولايات المتحدة الامريكية نفسها أيضا .. فهل يوافقون ام يستمروا في احتضانهم للارهاب حتى يرتد اليهم ؟؟

لقد تعاملت الحكومة السورية مع متطلبات الاوضاع الانسانية الناجمة عن الازمة بكل جدية واهتمام منذ البداية ولم تميز بين منطقة واخرى وبين سوري وآخر وشهدت المنظمات الدولية المعنية بالشؤون الاغاثية بتعاون السلطات السورية معها على اكمل وجه وحرصت على ايصال المساعدات الى اي مكان يمكن الوصول اليه في سورية وكان الطرف المعرقل الوحيد هو العصابات الارهابية المسلحة التي قصفت قوافل الاغاثة كلما حاولت الوصول الى المحتاجين ودمرت وخربت كل البنى الصحية والخدمية ودورة حياة المواطنين في كل مكان استطاعت الوصول اليه .

ولم تكن الحكومة السورية تنتظر مؤتمر جنبف لتقوم بواجباتها تجاه مواطنيها وحتى موضوع حمص القديمة التي حاولوا المتاجرة به مع انعقاد الجولة الاولى من جنيف2 كانت السلطات السورية قد باشرت به منذ اشهر هو وباقي احياء حمص الاخرى ولذك لم يستطع وفد مايسمى الائتلاف المعارض ان يسجل اي نقطة لصالحه جراء هذه المتاجرة الرخيصة بالاوضاع الانسانية وانقلبت الامورعليه عندما ظهرت نظرته الضيقة لمنطقة محدودة في سورية وتجاهله لباقي المناظق المماثلة .

ان ورقة المساعدات الإنسانية لن تنجح ولم تعد طريقا سالكا للتدخل في الشأن السوري مهما تفنن الاعلام المعادي في التضخيم والتهويل ومهما كانت حفلات التباكي والتأثر الكاذب لمسؤولي الدول التي دفعت بوحش الارهاب التكفيري الى سورية فالحقيقة الناصعة المعروفة لدى القاصي والداني ان ممولي ومسلحي العدوان الارهابي على سورية من حكام البترو دولار هم وحدهم من يتحمل ويلات الشعب السوري وبرقبتهم دماء السوريين وجوعهم وكوارثهم كلها وهم وحدهم من سيدفع الثمن باهظا ولن يطول الوقت حتى يتجرع هؤلاء الخونة للعروبة والاسلام من الكأس نفسه التي ارسلوها لقتل المواطن السوري طوال السنوات الثلاث المريرة الماضية ..

tu.saqr@gmail.com

البعث ميديا