القدس والمقدسات في خطر
القدس، مدينة عربية المنشأ والطابع والهوية منذ فجر التاريخ، ثم أصبحت عربية إسلامية منذ البيعة العمرية عام 637م، وهي رمز حضاري وديني مقدس عند المسلمين والمسيحيين حيث المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومكان نهاية إسراء الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وانطلاق معراجه إلى السماء وفيها مسجد عمر، مثلما توجد فيها كنيسة القيامة المقدسة، هذه حقائق تاريخية مجسدة على ارض الواقع تدحض مزاعم اليهود والصهاينة وتوراتهم المزيفة.
وقع الجزء الغربي من القدس تحت الاحتلال الصهيوني في أيار عام 1948م حيث استولت عليها العصابات اليهودية المسلحة وأقدم الصهاينة على تهويد هذا الجزء وضمه للكيان الصهيوني خلافا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية .
ثم وقع الجزء الشرقي من المدينة المقدسة في قبضة الاحتلال الصهيوني اثر عدوان الخامس من حزيران عام 1967، وبذلك أصبحت المدينة كاملة تحت الاحتلال الصهيوني وكان هذا حلماً طالما سعت الحركة الصهيونية وقادتها لتحقيقه، منذ انعقاد مؤتمرها المنظم الأول عام 1897 بقيادة الصهيوني ثيودور هيرتزل الذي قال، إذا ما وقعت القدس تحت الاحتلال في حياتي فسوف احرق كل ما هو ليس يهوديا فيها. اما ديفيد بن غوريون فقد قال (لا معنى “لإسرائيل” بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل)
ولم تمر سوى أيام، بعد احتلال الجزء الشرقي من المدينة، وبالتحديد في الحادي عشر من حزيران 1967م أي بعد خمسة أيام فقط من احتلال الضفة الغربية حتى بدأت عمليات تهويد القدس عبر إصدار الحكومات المتعاقبة قرارات استيطان المدينة وضواحيها وفي السابع والعشرين من حزيران عام 1967م اصدر الكنيست الصهيوني قرارا أعطى حكومة الكيان الصهيوني حق ضم الجزء الشرقي من المدينة إلى الكيان الصهيوني بمعنى ان احتلال الجزء الشرقي من المدينة قد شكل انعطافا هاما في الواقع السياسي والجغرافي والديموغرافي لها حيث أخذت سلطات الاحتلال الصهيوني تعمل وبشكل مكثف على مضايقة السكان العرب المقادسة من أجل إجبارهم على الرحيل عن منازلهم ومدينتهم ليحل مكانهم المهاجرون اليهود، كما أقدمت هذه السلطات على بناء أحياء يهودية في المدينة على حساب المنازل العربية حيث اقدمت هذه السلطات على هدم العديد منها، كما استولت على مساحات واسعة من أراضيها وأقامت عليها مستعمرات استيطانية من أجل تطويقها وعزلها عن بقية المدن والقرى العربية وتشديد القبضة الصهيونية عليها في محاولة لطمس هويتها العربية والإسلامية تهيئة لتهويدها وجعلها عاصمة موحدة للكيان الصهيوني وأصبحت القدس محورا للصراع بين الصهاينة والفلسطينيين الذين قدموا قوافل الشهداء من أجل الدفاع عن القدس ومقدساتها وما زالوا، فالقدس تحتل مكانة خاصة عند شعب فلسطين مثلما هي محط اهتمام العرب والمسلمين وكذلك المسيحيين وهذا الاهتمام نابع من المكانة التي تمثلها المدينة المقدسة.
ان ما تعرضت وتتعرض له مدينة القدس من إجراءات صهيونية يشكل جزءا من عملية إبادة للسكان العرب حيث ترتكب المجازر والمذابح ويتم التهجير القسري للمواطنين العرب مقدمة لتهويد المدينة مثلما يتم الاعتداء على المقدسات والتراث الحضاري والديني، وإذا كانت قضية الصراع حول مدينة القدس مع الصهاينة يشكل محورا ومرتكزا أساسيا لدى شعب فلسطين الذي انتفض من اجل القدس وقاوم وضحى، ولا يزال، فإن قضية القدس تتجاوز كونها قضية فلسطينية، لأنها في حقيقة الأمر قضية عربية إسلامية ومسيحية وهي من حيث جوهرها تشكل سببا هاما من أسباب الصراع الرئيسية على المستويات السياسية والحضارية والتاريخية والدينية والاجتماعية والاقتصادية.
كما انها تحمل من المنظور الصهيوني أبعادا تاريخية ودينية كما يدّعون مما يجعلها تدخل دائرة الصراع السياسي والديمقراطي والاقتصادي والعسكري، بمعنى ان المدينة المقدسة وفقا للأساطير اليهودية تأخذ أبعادا متداخلة دينية وسياسية .
تأتي التحركات الصهيونية التلمودية التي تشهدها مدينة القدس العربية هذه الايام والتي استهدفت المقدسات الإسلامية والمسيحية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك اثر إقدام الصهاينة على تدنيس المسجد الاقصى واستهدافه عبر الحفريات وكذلك التوسع في بناء المستعمرات الاستيطانية التي تحيط بها وكذلك المستعمرات الاستيطانية المنتشرة في مساحات واسعة من الضفة الغربية وتلك التي تخطط حكومة الإرهابي نتنياهو على اقامتها مما يشكل على المدينة خطرا كبيرا وعلى حقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه ووطنه ومدنه وقراه حيث يصبح المواطنون الفلسطينيون في الأرض المحتلة عام 1948م مجرد سكان (جالية) يخرجهم الصهاينة منها متى يريدون مثلما إن هذا العمل يقضي على حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي أكدته هيئة الأمم المتحدة في قرارها رقم 194 الصادر عام 1948، والذي يعتبره أبناء فلسطين في أولوية حقوقهم ويمهد لتهويد فلسطين لتصبح “دولة يهودية”.
وهذا ما تسعى الإدارة الأمريكية على انجازه، وتأتي هذه الممارسات الصهيونية في ظل ما يجري في سورية من أحداث وبعد أن أقدمت “جامعة الدول العربية” على تجميد عضوية سورية.
المدينة المقدسة مدينة عربية وإسلامية مما يجعلنا نؤكد على مسؤولية كافة العرب والمسلمين في شتى أنحاء الأرض ويحتم عليهم الحفاظ على هويتها العربية والإسلامية وشرعيتها التاريخية وعدم التخلي عنها مهما بلغت التضحيات خاصة وإنها حاضنة لمقدساتهم، ويجب عدم تحميل الفلسطينيين فقط مسؤولية الدفاع عن القدس والمقدسات حيث يؤدون واجبهم الوطني والقومي والديني.
ان القدس هذه الأيام تتعرض لأفدح الأخطار فهل يتجه العرب والمسلمون باتجاه القدس لوقف العدوان الصهيوني عليها وعلى مقدساتها وخاصة المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة؟ وتحريرها بالقوة والقوة فقط، نعم لا تعود المدينة المقدسة إلى أهلها وأصحابها الشرعيين إلا بالدم.
لا بد لنا وان نذكر لمن تنفعه الذكرى بأن الحقد الصهيوني قد نفث نارا حارقة للمسجد الاقصى يوم 21/8/1969 وما زالت هذه الاحقاد الصهيونية تنفث عدوانها للقدس والمقدسات وفلسطين وشعبها والامة العربية جمعاء بأشكال متعددة تدعمها في ذلك الادارات الامريكية والعصابات الارهابية المصنوعة في دهاليز السياسات الامريكية والصهيونية حيث يتم توجيهها لاستنزاف القوى العربية المقاومة في سورية ولبنان والعراق واليمن ومصر واقطار عربية اخرى.
تدفع انظمة عربية مليارات الدولارات لتحقيق هدف التدمير والقتل والاستنزاف لقوى المقاومة في الوقت الذي تبخل هذه الانظمة على القدس ومقدساتها وفلسطين وشعبها حتى ولو بدولار واحد.
مثلما نذكر ونؤكد على استمرار الصهاينة في ارتكاب المجازر والقتل والتدمير في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية والعربية في سورية ولبنان مما يشكل مخاطر كارثية على فلسطين والعرب، كما نؤكد على تضامن العرب المخلصين المقاومين مع شعب فلسطين العربية وكل قطر عربي يتعرض للمؤامرات الامريكية الصهيونية بسبب وقوفه مع فلسطين وشعبها في مواجهة المشاريع الصهيونية والامريكية وكذلك نؤكد على صوغ استراتيجية عسكرية واعلامية عربية مقاومة موحدة كطريق وحيد لتحرير الارض والانتصار على العدوان الامريكي- الصهيوني الذي يستهدف كل اقطار الامة العربية وعلى الذين يطبعون مع الكيان الصهيوني ان يدركوا ابعاد اطماع هذا العدو في الوطن العربي ارضا وثروة واستقلال وسيادة وهذا ما ظهر ويظهر من مشاريع تقسيم اقطار الامة دون استثناء.
الامين العام لحزب البعث العربي التقدمي – الأردن || فؤاد دبور