ما بين جدلية الموقف.. وصلابة الإستراتيجيا؟
يبدو للوهلة الأولى أن العلاقات التركية الروسية، والتركية الإيرانية تجاوزت المصالح السورية وكأنها في حلٍ تام من الحرب المجنونة المفروضة على سورية، وكأن الدور التركي ثانوياً وغير فاعل فيها، حتى بات الموقف العام يحمل الكثير من الهمز واللمز ليس في الأوساط الشعبية السورية فحسب، بل كذلك داخل طبقة المثقفين والناشطين السوريين والعرب المتابعين لجزئيات تلك الحرب، ومنهم من وصل به الأمر إلى حد التشكيك في تطابق الأهداف البعيدة مع النوايا الآنية المعلنة على الملأ، لكن الثابت المؤكد في تلك الحرب هو أن تركيا الأردوغانية هي العصب الحيوي لتغذية هذه الحرب، كما أنها البوابة المفتوحة لكل التناقضات التي لعبت دوراً أساسياً في مجريات الحرب منذ أنطلاقتها الأولى في ربيع 2011 وحتى يومنا هذا، ولم تزل تركيا تُرخي بكل ثقلها السياسي والعسكري لكي تحصل على مكتسبات إضافية في الوقت الضائع تأسيساً لدور مستقبلي في تقاسم الكعكة السورية واهمة في تحقيق مشروع ” المنطقة الآمنة ” الحلم الذي تسعى بكل قدراتها لتنفيذه على امتداد جبهة بطول 120 كم وتمتد من جرابلس إلى عفرين وبعمق يتراوح بين 70 – 120 كم يصل إلى الحدود الشمالية لمدينة حلب ويشمل مدينة الباب الهامة، لِتُجهض بذلك فرحة الانتصارات الكبيرة والمتسارعة الذي يُحققها الجيش العربي السوري وحلفائه في معركة حلب الكبرى.
إن معركة حلب وفق ما يراها أغلب المحللون الاستراتيجيون هي المعركة الفصل في الحرب على الإرهاب وداعميه من تركيا إلى قطر والسعودية ومن يُشغلهم من الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وإن هزيمة العناصر الإرهابية في سورية – بكل مسمياتها – هي قدرمحتوم سواء طالت المدة الزمنية اللازمة أم قصرت، وإن السلطان العثماني الموهوم ” أردوغان ” الذي يتبجح اليوم بتكرار سيمفونية اسقاط النظام في سورية، سيكون أول المهزومين والخاسرين في تلك المعركة، وسقوطه الفعلي لن يتأخر طويلاً بعد أسياده في أمريكا وأوروبا الذين يتهاوون الواحد تل الآخر، لذلك يُحاول ” أردوغان ” جاهداً اللعب على حافة الهاوية من خلال وضع خطة نراها انزلاقا في مغامرة متهورة غير محسوبة النتائج بدقة من خلال التوجه بقواته وأتباعه من العصابات الإرهابية المجمعة إلى مدينة الباب الهامة، ولعله لم يفهم الرسالة التي وصلته من منطقة ” الكفير ” بقتل جنود له حاولوا تخطي الخطوط الحمراء حيث كانت المقاومة السورية لهم بالمرصاد.
وأما عن دور الحلفاء الروس والإيرانيين في هذه المعركة فهو بكل تأكيد أساسي وجوهري وعضوي وهو يتخطى كل الجزئيات الصغيرة التي تطلبها المرحلة من أجل التحكم الموضوعي بكل التعقيدات الدولية المترامية والمستجدة التي من الممكن أن تظهر حيث قد لا يتمكن البعض من المراقبين التمييز ما بين جدلية الموقف الآني وصلابة الإستراتيجيا الثابتة، وما يؤكد قراءتنا هذه هو الموقف الأمريكي المتخوف من نتائج معركة حلب، الذي ترافق مع تكثيف التخابر ما بين وزير خارجية أمريكا ” جون كيري ” ونظيره الروسي ” لافروف ” للخروج باتفاق يحفظ لأمريكا وأتباعها ماء الوجه في معركة خاسرة بامتياز، حيث تبين أن موسكو ترد بأعصاب باردة وهادئة ومطمئنة على حسن سير المعركة، كما ان محادثات الرئيسين الروسي ” فلاديمير بوتين ” والإيراني حسن روحاني تصب في ذات المنحى المعبر عن وحدة الرأي والهدف في الدفاع عن وحدة واستقلال سورية الأرض والشعب والدولة، مواقف الحلفاء راسخة ومؤمنة بحتمية انتصار الجيش العربي السوري على الإرهاب، إضافة إلى تمسك الحليف الروسي والإيراني بحل سياسي عادل في سورية يضمن حق جميع السوريين وينسجم مع القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة، والإصرار كذلك على تطبيق قرارات مجلس الأمن وخاصة القرارين 2253 المتعلق بمحاصرة الإرهاب وتجفيف منابعه وتحميل الدول والقوى الداعمة للإرهاب الدولي المسؤوليات القانونية والجزائية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والقرار 2254 المتعلق بآلية حل الأزمة السورية، وهذا يؤكد بأنه لا وجود لأي تباين فعلي ما بين التكتيك السياسي والمواقف العملياتية والأهداف البعيدة التي وضعتها القيادة السورية بالتعاون والتنسيق مع حلفائها لحل الأزمة السورية سياسيا بعد تحقيق الانتصار الكامل على الإرهاب في سورية.
إن الأشهر القليلة القادمة وربما الأيام تحمل الكثير من المفاجات السياسية والعسكرية التي تم التخطيط لها بكل دقة وعناية ويعمل على تحقيقها بواسل الجيش العربي السوري وحلفائه في معركة الشرف والاستقلال، سيما أن مرحلة الدفاع عن المواقع قد أصبحت من الماضي، وأن خطط الهجوم جاهزة وتنفذ بقوة في كافة الجبهات، ولم يبق أمامنا إلا القليل من الوقت حتى تكون الساحات في كافة المدن والبلدات السورية تزهو بالفرحين بعرس النصر الأكبر بالقضاء على الإرهاب كاملاً، وفعلاً قد يكون خطاب النصر للسيد الرئيس الدكتور بشار الاسد من وسط حلب الشهباء.
محمد عبد الكريم مصطفى