الجعفري: قطر وليشتنشتاين قدمتا مشروعاً منافقاً حول سورية
أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفرى أن ما تضمنه مشروع القرار حول سورية الذى قدمته قطر وليشتنشتاين بشأن تشكيل ما يسمى “مجموعة عمل مهمتها تحضير ملفات حول جرائم الحرب التي ارتكبت في سورية” يثبت نفاقاً وفجوة هائلة بين النهج والتطبيق فيما يتعلق باحترام الميثاق وسيادة الدول الأعضاء ويعكس النية المبيتة لدول العدوان على سورية ويقوض فرص الحل السياسي واجراءات المصالحة الوطنية.
وقال الجعفري في بيان أدلى به اليوم خلال مناقشة الجمعية العامة للأمم المتحدة للبند المعنون “منع نشوب النزاعات المسلحة”: “بعد أيام على تحرك كندي خاطئ مماثل تجد الجمعية العامة نفسها أمام تحرك أقل ما يوصف به أنه غير قانوني وغير شفاف وغير نزيه وذلك نتيجة لممارسات الوفد الدائم لليشتنشتاين الذي أطلق هذه المبادرة الخطيرة والتي تشكل خرقاً فاضحاً للفقرة السابعة من المادة الثانية من الميثاق”.
واستعرض الجعفري بعض الملاحظات التي تنقض مشروع القرار هذا من أساسه وتفضح نوايا مقدميه قائلاً: “أولاً.. أشير إلى الفقرة الأولى من المادة الثانية عشرة من الميثاق والتي تنص على أنه “عندما يباشر مجلس الأمن بصدد نزاع أو موقف ما الوظائف التي رسمت في الميثاق فليس للجمعية العامة أن تقدم أي توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا اذا طلب منها ذلك مجلس الأمن” … وفي الحالة السورية فإن مجلس الأمن مازال مضطلعاً بمسؤولياته واعتمد أول أمس القرار 2328 الأمر الذي يثبت خرق الوفد الدائم لليشتنشتاين كما فعل قبله وفد كندا لمبادئ الميثاق ومقاصده ولاسيما أن الجمعية العامة لا تملك صلاحية إنشاء مثل هذه الآليات التي تحدث سفير ليشتنشتاين عنها باعتبار هذه الصلاحية مناطة حصراً بمجلس الأمن وليس بوفد إمارة ليشتنشتاين المتحالفة مع مشيخة قطر”.
وتابع الجعفري: “إن إنشاء مثل هذه الآلية يقتضي “إذا كان للجمعية العامة أن تفعل ذلك” تفويضاً من الأمين العام بعد موافقة حكومة الدولة المعنية حصراً .. يعني يجب توفر موافقة الحكومة السورية وهي كلها أمور لم يحترمها مقدمو هذا التحرك ولم يرها المستشارون القانونيون”.
وأضاف الجعفري: “ثانياً.. إن انشاء مثل هذه الآلية هو تدخل فاضح في صميم الشؤون الداخلية لدولة عضو في الأمم المتحدة وتقويض للولاية القضائية والاجراءات القانونية التي تختص بها اجهزتها وسلطاتها الوطنية كما أن إنشاء مثل هذه الآلية في هذه المرحلة الحاسمة من الأزمة في سورية يقوض إجراءات المصالحة الوطنية التي تنتهجها الحكومة السورية والتي تبنتها ووافقت عليها قطاعات واسعة من أبناء الشعب السوري واثبتت نجاعاتها في العديد من المناطق .. والأهم من ذلك أن إنشاء هذه الآلية هو تهديد مباشر لآفاق الحل السياسي في سورية والذي أكدت كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بأنه حل يقوده السوريون أنفسهم وليس إمارة ليشتنشتاين المتحالفة مع مشيخة قطر” مبيناً أن مشروع القرار هذا يعكس النية المبيتة لدى بعض الدول الراعية له اليوم لتسييس مثل هذه الآلية وجعلها أداة لممارسة الانتقام السياسي وبالتالي ديمومة الأزمة في سورية.
وقال الجعفري: “ثالثاً.. إن مشروع القرار مبني على لغة ومصطلحات مازالت مثار نقاش ومصدر خلاف عميقين داخل هذه المنظمة الدولية حيث يسعى واضعوه إلى الإيقاع بالدول الأعضاء وتوريطها في سوابق قانونية خطيرة ستصبح قاعدة تبني عليها دول أعضاء محاولاتها لشرعنة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وما الحديث عن مصطلحات ومفاهيم من قبيل “المسؤولية عن الحماية” أو عن “ولايات قضائية غير وطنية افتراضية” أو عن “محاكم إقليمية ودولية” وغيرها قد تملك ولايات قضائية في المستقبل إلا انعكاسات لسلوك بعض الدول الأعضاء في صياغة وتقديم مشاريع قرارات تحت غطاء إنساني كاذب وتضمينها لغات ماكرة ومصطلحات غامضة وعبارات فضفاضة تحتمل أكثر من تأويل”.
وأوضح مندوب سورية أن “كل ذلك لاستغلال هذه القرارات وتفسيرها وتطبيقها بشكل يخرجها عن الغايات الإنسانية النبيلة المعلنة فيها خدمة للأجندة التاريخية المعروفة لهذه الدول التي لم تأبه يوماً بحقوق الإنسان ولا برفاه الشعوب وسيادة الدول وهي أجندة متمثلة في محاولة شرعنة التدخل الخارجي وقلب أنظمة الحكم الشرعية بالقوة العسكرية وتدمير مقدرات الشعوب وسرقة ثرواتها وتفتيت الدول وتفكيكها عرقياً وطائفياً ودينياً ومذهبياً” مشيراً إلى أن هذا يجري “تحت غطاء قرارات من الأمم المتحدة التي أناط بها الميثاق حماية القانون والسيادة ووحدة أراضي الدول الأعضاء وشعوبها وإنهاء الاستعمار مثلما حصل ويحصل في بعض الدول الإفريقية واللاتينية وكذلك ما حصل في العراق وليبيا”.
وأضاف الجعفري: “رابعاً.. تجاهل معدو ومقدمو مشروع القرار تجاهلاً مطلقاً الحديث عن الإرهاب الذي تتعرض له سورية حيث لم ترد في مشروع القرار إشارة واحدة أو مجرد تلميح عن الإرهاب ولا عن ممارسات الجماعات الإرهابية المسلحة في سورية” لافتاً إلى أن هذا أمر متوقع حين يكون رعاة الإرهاب الاساسيون في سورية أي تركيا والسعودية وقطر من ضمن مقدمي مشروع القرار هذا.
وأوضح الجعفري أن من يستحق المساءلة والمحاسبة في سورية هي تلك الدول التي خلقت الجماعات الإرهابية المسلحة فيها ودعمتها ومولتها وفتحت أمامها خزائن النفط والغاز لشراء السلاح وتجنيد الإرهابيين وإطلاق فتاوى التكفير والجهاد والقتل والتدمير وأمنت لها المنابر السياسية والإعلامية وفتحت حدودها من أجل وصول آلاف الإرهابيين الأجانب إلى سورية من أكثر من مئة دولة.
وأشار الجعفري في هذا السياق إلى أنه يكفي الوفد الدائم لليشتنشتاين من سلوكيات وسياسات النفاق أن يكون شريكاً في تبني مثل هذه المبادرة مع دول ترعى الإرهاب وتقصف المدنيين في اليمن بطائراتها وتقطع رقاب مواطنيها في الشوارع العامة باسم الدين والقانون تماماً كما يفعل تنظيم “داعش” الإرهابي في سورية والعراق مبيناً أن نتيجة سياسات النفاق هذه هي وصول الإرهاب وفكره الوهابي المتطرف إلى قلب شوارع مدن وعواصم القارة الأوروبية جراء تساهل الكثير من حكومات دول الاتحاد الأوروبي وتحالف بعضها مع “نواطير” النفط والغاز من رعاة الإرهاب وذلك على خلفية فساد سياسي ومالي لبعض كبار مسؤولي هذه الحكومات بخلاف ما يدعونه من حماية قيم الإنسانية والحضارة والثقافة والتقدم.
وأردف الجعفري قائلاً: “ننصح في هذه المناسبة من انضم إلى قائمة متبني هذا المشروع بقراءة الكتاب الذي صدر مؤخراً في باريس للإعلاميين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شينو بعنوان “امراؤنا الأعزاء جداً” الذي يروي قصصاً موثقة عن هذا الفساد المالي مع أمراء من قطر والسعودية”.
وأضاف الجعفري: “خامساً.. لقد اتسمت تحركات الوفد الدائم لليشتنشتاين في سبيل تقديم مشروع القرار بالكثير من الشبهات المتعلقة بانعدام الشفافية والنزاهة حيث سارع خلال أقل من أسبوع إلى وضع مشروع القرار دون أي اتصال أو تشاور مع الوفد الدائم لسورية باعتبارها الدولة المعنية ثم طلب عقد جلسات مشاورات غير رسمية عاجلة ومحصورة بمجموعة من الدول المعروفة بعدائها لسورية ووضع مشروع القرار على التصويت من خلال إجراءات سريعة تثير الدهشة والريبة”.
وقال الجعفري: “إن معدي مشروع القرار ضمنوه فقرة تنص على أن تمويل هذه الآلية سيتم عبر تبرعات من دول أعضاء وليس كما ذكر سفير ليشتنشتاين بأن “الآلية ستمولها الميزانية العادية” .. وهذا كذب والجواب على ذلك وما يؤكده هو الفقرة العاملة الخامسة التي تشير إلى أن تمويل الآلية سيأتي من الميزانية ومن تبرعات خارجية .. إذا لن تكون الآلية مستقلة”.
وأكد الجعفري أن التجارب أثبتت داخل هذه المنظمة الدولية أن حكومات الدول التي تمول مثل هذه الآليات واللجان هي التي تقرر مسار عملها وتوجهاتها والنتائج التي ستخرج بها سلفاً .. متسائلاً.. “فكيف الحال إذا كان من سيمول عمل هذه الآلية هم رعاة الإرهاب في سورية وعلى رأسهم السعودية وقطر وبعض الدول الأوروبية التي تفننت في تصدير إرهاب أوروبي محض إلى سورية والعراق”.
ودعا الجعفري في ختام البيان الدول الأعضاء التي تؤمن بمبادئ الميثاق ومقاصده إلى التصدي لهذا التحرك وإلى التصويت ضد مشروع القرار المعروض أمام الجمعية العامة موضحاً أن التصويت ضده لا يصب فحسب في المصلحة الوطنية لسورية وشعبها الذي مازال يعاني من الإرهاب بل هو انتصار لما تبقى من مصداقية للشرعية الدولية وهو حماية للجميع من محاولات بعض الدول تسخير قرارات الأمم المتحدة لاستهداف السيادة الوطنية واستهداف المؤسسات القانونية والقضائية الشرعية التي تمثل الدول والشعوب مذكراً بأن سورية لم تصوت في يوم من الأيام ضد أي دولة عضو في هذه المنظمة الدولية إلا بما ينسجم مع أحكام الميثاق ومبادئ القانون الدولي.
وفي مداخلة خلال الجلسة أشار الجعفري إلى أن هناك عدداً كبيراً من الوفود من بينها وفد سورية قد أثار مجموعة من النقاط الإجرائية الواضحة للغاية والتي لا تستحق ولا تستدعي أن يتم التشاور بشأنها مع ما يسمى بالمستشارين القانونيين في قاعة الجلسة لافتاً إلى أن المقصود بذلك هو المادة 12 في الميثاق ونقاط أخرى تمنع الجمعية العامة من النظر بأي موضوع طالما أن مجلس الأمن ينظر به.
وأكد الجعفري أنه لا يجوز بموجب أحكام الميثاق أن تعالج الجمعية العامة موضوعاً قيد النظر في مجلس الأمن وبالتالي فإن استمرارها في النظر بمشروع القرار الذي هو قيد النظر إنما يخالف أحكام الميثاق ويقوض ما تبقى من مصداقية لهذه المنظمة الدولية.
من جهته رأى ممثل الاتحاد الروسي في الجمعية العامة.. أن اعتماد مشروع القرار بالشكل المقدم يعني أن الجمعية تجاوزت صلاحياتها لأنه يشكل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لدولة عضو في الأمم المتحدة وذات سيادة مشيراً إلى أن مشروع القرار لا يمتلك أدلة قانونية وعمله سيكون ممارسة سياسية محضة.
بدوره لفت ممثل الصين إلى دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا لاستئناف الحوار السوري السوري في جنيف مشيراً إلى أهمية القيام بدور بناء في حل الأزمة في سورية والابتعاد عن تعقيدها مؤكداً عزم بلاده مواصلة العمل مع جميع الأطراف للعودة إلى مسار الحوار في أقرب فرصة ممكنة.
من ناحيته أدان ممثل فنزويلا سلوك بعض الدول التي تأسف على معاناة الشعب السوري وفي الوقت نفسه تقدم الدعم لأكثر من 60 مجموعة إرهابية تعمل مع تنظيم “داعش” الإرهابي.
وأعرب ممثل فنزويلا عن قلق بلاده من مشروع القرار كونه غير محايد وقال: “بدلاً من الحديث عن الاحتفال بتحرير مدينة حلب من الإرهاب البعض يتحدث عن جرائم دون أدلة ولا أحد يتحدث عما يجري في مدينة تدمر الاثرية” داعياً لتقديم مبادرات سياسية لإحلال السلام في العالم.
ممثل إيران في الأمم المتحدة أكد أن سورية عانت من الإرهاب ودفعت الثمن باهظاً نتيجة التطرف العنيف بدعم من أطراف خارجية مطالباً الأسرة الدولية بدعم سورية في معركتها ضد الإرهاب والتطرف واتخاذ المبادرات لإنهاء الأزمة والبدء بعملية المصالحة في أقرب فرصة ممكنة.
واعتبر ممثل إيران أن مشروع القرار لا يملك الأساس القانوني ويتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة وتوقيت تقديمه له خلفية ومصالح سياسية.
من جهته قال ممثل الجزائر: “إن الآلية التي يهدف إلى إنشائها مشروع القرار تعتبر سابقة طالما أن مجلس الأمن لم يقدم في هذا الشأن أي طلب للجمعية العامة ومن حيث القواعد المعمول بها فإننا نرى أن إنشاء هذا النوع من الآليات هو حق ومن مهام الدول الأعضاء ولكن يجب أن يندرج إما في نطاق مؤتمر دبلوماسي أو في نطاق مهام موكلة إلى مجلس الأمن” وأعرب ممثل الجزائر عن خشية بلاده من أن يؤدي إنشاء مثل هذه الآلية بهذا التسرع وغياب المشاورات الواسعة والشاملة وتحديد الإطار القانوني المناسب لهذا الموضوع إلى إفشال المسار السياسي الحالي الخاص بالأزمة في سورية.
بدوره أكد ممثل مصر عدم شفافية عملية إعداد مشروع القرار حيث أنه من غير المتصور أو المقبول أن تعكف مجموعة صغيرة من الدول على التشاور فيما بينها لمدة أسابيع على مشروع قرار يتعلق بالمجتمع الدولي بأسره وأن تتعامل تلك المجموعة مع الموضوع وكأنه سر عسكري دون أن تتشاور بشكل مسبق قبل طرح مشروع القرار مع معظم الدول ومجموعات الدول ذات الصلة.