مساحة حرة

أردوغان ينتقم لهزيمة حلب بقتل السفير الروسي؟

عندما يكون هناك جريمة سياسية بحجم اغتيال سفير دولة عظمى، لا بد من أهداف كبيرة قدمها المستفيد على هيئة رسالة دموية عالية الخطورة، مع وضع حسابات دقيقة لاحتمالات الكسب والخسارة، وقد يكون رأس الخيط المساعد في الكشف عن تلك الجريمة النكراء مختلف وغير تقليدي وبعيد عن مسرح الجريمة، وبالعودة إلى المنعكسات والتداعيات التي حصلت في الشارع التركي وتحليلها، نجد أن المهللين والمباركين بعملية اغتيال السفير الروسي في انقرة ” أندريه كارلوف ” هم من الأوساط الشعبية التركية الموالية والداعمة للرئيس التركي ” رجب طيب أردوغان ” وأغلبهم من حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان وهذا ما بدا واضحاً من خلال التصريحات والاشارات التي خرجت من الجوامع التركية بُعيد تنفيذ الجريمة، إضافة إلى قرينة دامغة تلصق بالاستخبارات التركية التي تعمدت قتل منفذ عملية الاغتيال رغم توفر امكانية اعتقاله حياً بسهولة بعد أن فرغ مسدسه من الذخيرة والتحقيق معه وكشف الدوافع بدقة، السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو : لماذا حصلت الجريمة في هذا التوقيت بالذات الذي تأكدت فيه هزيمة أردوغان وأتباعه من التنظيمات الإرهابية في حلب ؟ ولماذا ذَكَرَ القاتل حلب دون غيرها ؟ وهل أراد أردوغان الانتقام لهزيمته في حلب بقتل السفير الروسي؟
عندما قال السيد الرئيس بشار الأسد: إن حلب ستكون مقبرة لأردوغان وعصاباته الإرهابية، فهو يعني ذلك بكل ما للعبارة من معنى وأبعاد، وذلك بضرب الاهداف الاستراتيجية التي كان يُخطط لها رأس السلطة في تركيا العثماني الواهم بسلطنة جديدة انطلاقاً من حلب الشهباء، ولأن أردوغان شخص مخادع وغدّار و يُمارس الكذب والانتهازية بامتياز للوصول إلى أهدافه القذرة، ولأن أردوغان صاحب مشروع إخواني يسعى من خلال ركوب بساط الصراعات الطائفية والمذهبية لتنفيذ مخطط أسياده في أمريكا والغرب وإسرائيل، فهو يقتل القتيل ويمشي بجنازته باكياً متوعداً بالثأر، لكل هذا وذلك وغيره نجد أن تبرئة الرئيس التركي ” أردوغان ” من دم الشهيد ” كارلوف ” هي مجافاة للحقيقة وتضليل للواقع تحت أية اعتبارات سياسية او قانونية، سيما وأن تاريخ السلطان الإخواني أسود الذي يعكس تلطخ يديه الآثمتين بدماء الأبرياء في سورية والعراق وحتى في تركيا وفي كل مكان تمكن من الوصول إليه يؤكد مقولة : ” أن أردوغان مدان حتى يثبت براءته”.
من الواضح ان الحكومة التركية العضو في حلف شمال الأطلسي لن تخرج من تحت الغطاء الأمريكي والغربي مهما أظهرت من تباين في الرؤى وأبدت من تذمر من سياسات الحلفاء التي تجاهلت مصالحها الاستراتيجية وتجاوزت مطالبها منذ بداية الحرب على سورية وإقامة الحلف الروسي الإيراني السوري في وجه الأطماع الغربية في المنطقة، بل إنها في كل مناسبة أو لقاء تحضره تنحصر طروحاتها ومطالبها ضمن الاجندة الممثلة لأهداف وتطلعات حلف ” الناتو ” ورأس حربته في المنطقة الكيان الصهيوني، وهذا ما ظهر جلياً برؤية الوفد التركي الذي حضر إلى موسكو في اليوم التالي لاغتيال السفير الروسي لمكافحة الإرهاب وتطويقه في سورية والعراق، بان طالب بوقف دعم حزب الله وهو الحليف المباشر والشريك لروسيا وإيران في مواجهة العصابات الإرهابية المصنفة على لائحة الإرهاب الدولي، فهل يُمكن اعتبار مثل هذا الطرح رسالة تعكس أحد أهداف الجريمة التي طالت الشهيد السفير الروسي في انقرة؟
نرى أن القزم العثماني الذي وضع نفسه في موقف لا يُحسد عليه، وبادل المعروف والصفح الروسي بالغدر والضرب في الظهر، سيدفع الثمن أغلى مما يتصور، وستثبت الأيام القادمة بان على تركيا الأردوغانية تقديم تنازلات سياسية ومادية لا تقل أثراً عن الهزيمة الحقيقية في المعركة العسكرية، وقد بدأت تظهر ملامحها العامة انطلاقاً من حلب الشهباء، لان تحرير حلب من الإرهابيين سيكون له الدور المباشر في وضع إطار زمني محدد لإنهاء الأزمة السورية وفق الرؤية السورية الروسية الإيرانية المشتركة بعد ان فشلت خطة تقسيم سورية وضرب وحدتها الوطنية التي تعهد بتنفيذها الرئيس المهزوم أردوغان، بل سيكون لانتصار الجيش العربي السوري وحلفائه في حلب دور أساسي في تحديد طبيعة المرحلة القادمة وتشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة وربما أبعد من ذلك..

محمد عبد الكريم مصطفى