ثقافة وفن

حتمــــــاً..!

تكاد المفردات الدالّة على الموت؛ تحتلّ الحيّز الأكبر من مساحة أيامنا، هل اعتادتها الآذان! أبداً، فللواقع الذي نعيشه دوره. لكن سماع حكاية أو خبر عن عملية خطف وغياب لنابغة أو شاب يغذّ السير خلف حلم كبير، أو حادثة اغتيال بحق آخرين لا بد يبرّر المخاوف ويشغل الفكر.
وحين بدأ نجم الشاب عيسى عبود يسطع إثر كم ملحوظ من إنجازاته في بداية الأحداث، تفتّحت أعين الإعلام على نابغة هو العدّة الرئيسية لمستقبل قائم على الأتمتة وعلومها وأنظمة الذكاء الاصطناعي “حينها تسارعت عروض السفر من الخارج تستقدم نابغة يُغني ويُثري طموحاتهم، لكن الرفض وإيثاره البقاء في بلده لم يجلب له سوى خيار القضاء عليه “إمّا أن تأتي لتكون تابعاً أو نجماً يضيء في فضاءاتنا وإما الاغتيال الذي حدث” وللقتل أيدٍ عديدة ومختلفة.
في رواية إكليل لادومو للروائي الإفريقي بيتر أبراهامز، التي تحكي قصة الشاب “أدومو” الذي رحل خلف حلمه بالدكتوراه إلى أوروبا، لكن الوفاء لإفريقيا الأم التي كان تحريرها ورفعة اسمها عالياً هو الحلم الأكبر الذي ناضل لأجله، يتحدّث معلّمه وقدوته “لانوود” إلى نفسه حين يلقاه للمرة الأولى: “هي قصة كل طالب تقريباً من طلاب المستعمرات، المبشّرون يلتقطون الولد اللامع في القرية الصغيرة في إفريقيا، ويشرعون في تعليمه” ثم يقول: “بعد ذلك فقط أولئك القلة من المحظوظين يتوفر لديهم المال ويحظون بمباركة السلطة الاستعمارية التي تجعل طريقهم ممهّداً، أما الأغلبية فيحلّ بهم ما حَلّ بأدومو”، إذ سيناضل الشاب رافضاً أن يكون تابعاً، وسوف يعود إلى إفريقيا الأم الكبرى؛ حين يقترب الحلم من أن يصبح حقيقة لكنه “وقد غاب عنه أن الحرية الحق هي حرية فكر” سيُغتال على أيدٍ ساهم في تحريرها من العبودية.
على أمل أن تُزال تلك الغشاوة عن الأعين والعقول المستلبة بين الكثير من شباب اليوم “الذين يحاولون التسرّب من أصغر المنافذ، والذين هم عدّة الغد الآتي” أمام أول تلويحة من يد الغرب؛ وقد غاب عنهم أن “الشعب الذي يتّكل على غيره يصير مطيّة لغيره”، بينما آثر الكثيرون تجسيد إيمانهم المطلق بما يجب أن يكون إيماناً مطلقاً: “كل ما فينا هو من الأمة وكل ما فينا هو للأمة، حتى الدماء التي تجري في عروقنا هي ملك الأمة متى طلبتها وجدتها” هو أقلُّ الوفاء؛ وأهم أساسات بناء الوطن ونهضته مما اعتراه، بينما تثبت الأيام في كل حين وكل مكان أنه؛ لا هبة ولا عطاء بالمجان، وأن استرداد الدين، قد يكون عاجلاً وقد يكون آجلاً، لكنه حتماً سيكون.

دمشق: بشرى الحكيم