الشريط الاخباريسلايدمحليات

كيف يروض السوريون العقوبات ويحاصرون الحصار في إتمام الصفقات؟!

لا يرتبط إرهاب الحصار والعقوبات الاقتصادية على سورية بالأزمة الراهنة، فلهذا البلد تاريخ وسجل طويل مع هذا السلاح يعود بشكل أساسي إلى عهد جورج بوش رداً على مواقف سورية السياسية المبدئية تجاه أحداث المنطقة آنذاك، عندما استصدر “قانون محاسبة سورية” عام 2003 ليزيد عقوبات جديدة على أخرى سابقة غير مباشرة كانت قد اتخذت قبل ذلك بسنوات طويلة، لتكر سبحة العقوبات التي اتخذت منذ عام 2011 عبر فصول ووجوه وطرق بات المواطن العادي قبل الخبير يحفظ تداعياتها وانعكاساتها عن ظهر قلب، لدرجة أن جدتي العجوز تلك الأمية القابعة في آخر بيت في قريتي البعيدة تقدم محاضرات وقصص وتفاصيل عما عاشته الجمهورية منذ استلام المؤسس “أبو سليمان” – كما يطيب لأبناء ذاك الجيل أن يخاطبوا الراحل حافظ الأسد – والذي تقول هي نفسها (لم نشبع الأكل إلا عندما جاء “أبو طقم الليموني ..يا عيوني”) –كما تقول أهازيج السبعينات– وصولاً إلى حقبة السيد الرئيس بشار الأسد الذي يعيش شعبه معه اليوم يوميات الحصار الدولي ولم تستدن الحكومة ولا فرنك واحد –كما صرح رئيس الحكومة بالأمس-.

لا يختلف المشهد كثيراً بين حرب اليوم عن الأمس فخطب الأسد “المؤسس” حاضرة وتحكي الحالة الآنية وتوصفها لأن التاريخ يعيد نفسه فأعداء الأمس نفسهم وإخونجيو الثمانيات هم ذاتهم إرهابيو الحرب الدائرة ما بعد 2011 والأبواب مفتوحة على انتصارات الدولة على أيدي جيش الجمهورية، ومع ذلك ثمة صفحات من العقوبات حري بنا إعادة قراءتها حيث يصنف الدكتور عابد فضلية – جامعة دمشق- في ورقة بحثية له مجموعات العقوبات بالأمريكية عدا القديمة المتمثلة بشكل أساسي بقانون محاسبة سورية والذي نص على مجموعة من العقوبات الاقتصادية والخدمية والمالية، عقوبات بدأت بتاريخ 10-8-2011 تتعلق بتوقيف التعاملات المصرفية وحظر توريد الأسلحة ومنع استيراد النفط والغاز وتجميد أصول حكومية ومنع سفر شخصيات سورية .

وعقوبات الاتحاد الأوربي والتي لها التأثير الأكبر لأن هذا الأخير كان الشريك الأكبر في مجال التجارة الخارجية وأصابت العديد من المجالات والقطاعات منها إيقاف شراء السندات السورية والتعاون المالي ومنع البنوك السورية من فتح فروع لها في أوربا وتجميد إمكانية الاستفادة من تسهيلات بنك الاستثمار الأوربي.  في حين تضمنت عقوبات جامعة الدول العربية منع التعاون في السلع غير الضرورية ووقف التعاملات المالية مع المصرف المركزي وجميع التعاملات المالية ووقف تمويل المشروعات الاستثمارية. أما العقوبات التركية وتجسدت في عقوبات مالية وتجارية وتجميد الأصول السورية ووقف التعاون مع المصرف المركزي وتجميد أحكام اتفاقية التجارة الحرة الثنائية.

ويؤكد فضلية المؤكد بأن العقوبات والحصار أسهمت في انخفاض حجم التجارة الخارجية خلال سنوات الأزمة ليصل حالياً إلى مابين “25 و35%” بالمقارنة مع سنوات ما قبل الأزمة، كما تغيرت وجهة الصادرات والمصدر الجغرافي للواردات التي تراجعت من الدول العربية ومن دول الاتحاد الأوربي مقابل ازديادها من الصين وبلدان آسيا الأخرى، لتشهد البلد إعاقة التحويلات المالية الخارجية ورفع تكلفتها بسبب اضطرار الفعاليات الاقتصادية إلى اللجوء للفريق الثالث وأحياناً الرابع والخامس لإتمام الصفقات التجارية من استيراد وتصدير، في وقت أدى ارتفاع تكاليف الشحن وبوالص التأمين للواردات والصادرات إلى رفع أسعار المستوردات على المنتج والمستهلك السوري ، وقلل بالتالي من تنافسية الصادرات ورفع من جهة أخرى نسب التضخم وتكلفة وأسعار المنتجات المنتجة محلياً وأضعف بالتالي من القوة الشرائية للمستهلك وخاصة العاطل عن العمل والضعيف ومحدود الدخل والذين بمجملهم يشكلون أكثر من “80% من الشعب السوري، ليأتي موضوع إضعاف الثقة بإمكانية التعامل مع المستورد والمصدر مما انعكس سلباً على الأنشطة الاقتصادية وعلى عجلة الإنتاج والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك ارتفاع معدل البطالة وتزايد حدة الفقر.

ويرى المحاضر في جامعة دمشق أن المحصلة الإجمالية لآثار العقوبات والحصار تتجلى بارتفاع تكاليف الإنتاج وأثمان السلع المستوردة والمنتجة محلياً أي تأجيج نسب ومعدلات التضخم بما في ذلك “كسبب ونتيجة” ارتفاع أسعار القطع الأجنبي وانخفاض قيمة العملة الوطنية وبالتالي تراجع مستوى المعيشة والقوة الشرائية ومستوى المعيشة للشرائح العريضة والضعيفة من المواطنين السوريين.

ويعتبر المحامي ماهر العطار أنه رغم صعوبة إثبات الإرهاب الاقتصادي من الناحية القانونية بحجج حماية المصالح الوطنية أو القومية لمرتكبيه، إلا أنه يمارس على أرض الواقع على نطاق واسع بأوجه مختلفة ليس أسوأها الحصار والعقوبات بل يطال حتى التأثير على قيمة العملة الوطنية والأضرار بالتجارة الخارجية للدول المستهدفة، كما الأمر بالنسبة للتواطؤ الأمريكي الغربي الخليجي متعدد الأطراف في تخفيض السعر العالمي للنفط بهدف الإضرار باقتصادات مجموعة محددة من الدول والضغط على مواقفها السياسية على رأسها روسيا وإيران.

بالعموم سن العالم ومنظماته ومؤسساته الدولية المئات من القوانين والتشريعات والضوابط التي تنظم العلاقات بين الدول والمؤسسات الدولية، إلا أن تشريعاً واحداً فقط لم يصدر بخصوص محاربة ولجم الإرهاب الاقتصادي الدولي، وهنا يجمع الخبراء والمراقبون على ضرورة تغيير وتطوير سياسات الدول الحرة وسن قوانين وتشريعات تحمي الحقوق في مواجهة الإرهاب الدولي العسكري والاقتصادي والسياسي والفكري والدبلوماسي والإعلامي وضرورة قيام المنظمات والمؤسسات الدولية والعربية بوضع التعاريف الواضحة لأنواع الإرهاب وأشكاله وأنواعه بما في ذلك الإرهاب الاقتصادي.

البعث ميديا || دمشق – علي بلال قاسم