سورية

خرائط ما بعد سايكس بيكو… من التقسيم إلى التفكيك

نُشر مؤخراً بحث تحت عنوان “خرائط ما بعد سايكس بيكو… من التقسيم إلى التفكيك” في المركز الديمقراطى العربي أعده د. شاهر إسماعيل الشاهر أستاذ القانون والعلاقات الدولية – في جامعتي دمشق والفرات –  مدير المركز الوطني للبحوث والدراسات بدمشق، ينطلق البحث من فرضية أن ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من أحداث، مخطط ومرسوم له مع  نهاية اتفاقية سايكس بيكو، وما يجري حالياً هو العمل على صياغة سايكس بيكو جديدة سترسم ملامحها حسب نتائج الصراع في المنطقة.

ويسعى البحث للإجابة على عدد من التساؤلات: من هي القوى المستفيدة من تغذية الصراع الطائفي بين السنة والشيعة والصراع المناطقي بين الأقليات في كل الدول العربية؟ ومن الذي يسعى لتكون هناك عدة دول في البلد الواحد مثل دول سنية وشيعية أو علوية أو كردية كـالعراق أو سورية؟

عالج البحث حالة التحول التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بعد نحو مائة عام من توقيع الاتفاقية السرية عرفت لاحقاً باسم “سايكس- بيكو” التي وقعتها القوتان الاستعماريتان الرئيسيتان بريطانيا وفرنسا والتي تم بموجبها اقتسام إرث الدولة العثمانية في الشرق الأوسط بعد إلحاق الهزيمة بها في الحرب العالمية الأولى.

ويتناول الباحث الموضوع من زاوية التبدلات والتحولات التي تشهدها دول المنطقة، فيذكر العراق كمثال هذا البلد لبذي يرى الباحث أنه في طريقه إلى التفكك بعد دخوله مرحلة الاضطرابات والفوضى مع استيلاء ما يعرف بتنظيم “داعش” على مساحات شاسعة من مناطقه، بينما يواصل زعماء الأكراد في الشمال التهديد بالانفصال عن العراق والإعلان عن الاستقلال الكامل وإقامة دولة “كردستان”.

ويقول الباحث أن سايكس- بيكو انتهت، وذلك أمر مؤكد، لكن كل شيء الآن غامض، وسيكون هناك وقت طويل قبل أن تتضح ما هي النتائج.

وتأتي أهمية البحث من عدة نقاط متعلقة ببنية المنطقة وطبيعة الدول التي تتحكم في مصيرها عبر الوسائل المتعددة عبر التاريخ، فاتفاقية سايكس­ بيكو، التي مضى على توقيعها أكثر من مئة عام، أسست لدول عربية قطرية بناء على حدود وضعها المستعمر، نمت معها ظروف التجزئة، والانغلاق؛ ونتج عنها حالة من اللا استقرار، كما هيأت في الوقت نفسه لنشوء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في بيئة ضعيفة مفككة متخلفة.

وتعد منطقة “الشرق الأوسط” الأكثر قابلية للتأثر بمتغيرات النظام العالمي بحكم قدراتها وإمكانياتها المحدودة، وضعف تماسكها، لاسيما اقتصادياً وسياسياً، واتساع نطاق وعمق صراعاتها، وأزماتها البنيوية، والتي تكشفت حدتها خلال الأحداث والتفاعلات الجارية في ساحتها، وتجلت مواطنها بين هويات وطنية (قطرية)، وقومية (عربية)، ودينية (إسلامية) متصارعة، ونزعات طائفية ومذهبية متنامية، وتحركات انفصالية، وولاءات أولية استبدلت بالدين، أو القبيلة، أو العرق، وحركات “جهادية” متطرفة تتقاطر تحت “حلم” إقامة الدولة الإسلامية كذباً، وجماعات مسلحة تتمدد في ساحات عربية بفعل التغذية الخارجية، مالاً، وسلاحاً، وعتاداً.

وتعود بداية مخططات التقسيم إلى مئة عام مضت، وتحديداً عام 1916، حين قررت كل من بريطانيا وفرنسا تقسيم إرث السلطنة العثمانية، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، لتظهر مؤامرة “سايكس- بيكو”، والتي أدت إلى تغيير معالم دول “الهلال الخصيب”، وظهور الكيان الصهيوني على حساب الحقوق والأراضي الفلسطينية عام 1948.

ويتماشى الحديث المتداول حول تقسيم العراق وليبيا وسورية، وتدعيم النزعة الطائفية لدى “الأقليات” في سائر دول الوطن العربي، بشكل أو بآخر، مع محاولة تنفيذ تلك المخططات القديمة، وهو الأمر الذي يتناوله هذا البحث.

ويحاول الباحث من خلال سطوره معالجة إشكالية تتمثل في أن تشكل الحدود الراهنة للمنطقة من خلال عملية طويلة ومعقدة من الاتفاقيات والمؤتمرات والصفقات والصراعات التي تلت تفكك الإمبراطورية العثمانية وفي أعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى، غير أن روح سايكس- بيكو ظلت حية خلال تلك المرحلة والعقود اللاحقة حتى أزمة قناة السويس عام 1956 وحتى فترة تالية، فخلال تلك المرحلة فرضت القوى الاستعمارية ارادتها وأقامت كيانات ودولاً ونصبت عليها زعامات وقيادات موالية لها بما يخدم مصالحها فقط دون النظر إلى الاعتبارات العرقية أو القومية أو الجغرافية ـأو الدينية أو اللغوية، مثل العراق وسورية ولبنان.

ويخلص البحث إلى الإشارة إلى أن المستفيد الوحيد من خرائط سايكس- بيكو الجديدة، وبدائلها الأكثر خطورة هي “إسرائيل”، ليس هذا فحسب، بل إن الكيان الصهيوني هو المحرك الخلفي لمخطط التقسيم الجديد، وبأيدي صهيونية تتم إعادة رسم الخرائط الجديدة.

وإن اتفاقية سايكس- بيكو القديمة الكارثية ليست الأسوأ، فبدائلها أكثر تدميراً، وتتمثل في سيناريو أشباه الدول المدمرة ذاتياً من الداخل، والدولة الفاشلة والهشة المبنية على أنقاض الدولة المركزية المنهارة، وهو سيناريو جاري بالفعل في عدة دول منها العراق، ليبيا، اليمن، سورية، لكن هذا المخطط يمكن إجهاضه ومواجهته وليس مصيراً محتوماً.

وإن حدود “الشرق الأوسط الجديد” ترسم بالدم، وبتنا شهوداً على إبادات وعمليات تهجير وتطهير قومي وعرقي وطائفي وديني واسعة في بلاد الشام وأرض الرافدين، أقدم منابع الحضارة الإنسانية، فلقد تم العمل على إخلاء هاتين المنطقتين من أقدم شعوبها وطوائفها ودياناتها، مثل المسيحيين والايزيديين والسريان والاشوريين والارمن والصابئة.

بلال ديب