البعث في عيده السبعين ينتصر لمشروعه القومي
بعد تجربة نضالية عمرها تمتد لسبعة عقود متواصلة، واجه خلالها حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية حرباً عالمية بامتياز، دخلت عامها السابع ولم تزل مستمرة، تقودها الامبريالية العالمية ممثلةً بالولايات المتحدة وأتباعها في العالم الغربي وعملائها في المنطقة من أعراب وعثمانيين، ويقوم بتنفيذها على الأرض عصابات إرهابية مجمعة من أكثر من ثمانين دولة عربية وأجنبية، يُمارسون أبشع أنواع الإرهاب قتلاً وتدميراً وخراب، في حربٍ ظالمة لإقصاء البعث ومشروعه التحرري القومي عن الساحة السورية والعربية بعد أن سبق وتم تدمير العراق الذي كان يحكمه نفس الحزب لكن بعقلية و إرادة مختلفة كلياً عما هو عليه في سورية، بل وبصورة متناقضة تماماً مع المنهج المعتمد في سورية منذ قيام الحركة التصحيحية المجيدة بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد “طيب الله ثراه”، واليوم لم تكن تلك الحرب تستهدف الفكر القومي العروبي فحسب، بل كذلك كل أسس العيش المشترك والوحدة العقائدية التي بناها البعث بين مكونات المجتمع السوري، وتحويل الساحة السورية إلى كنتونات تعمل على تعميم الحروب الطائفية والإثنية وإغراق المنطقة في دوامة العنف الأبدي خدمة للمشروع الصهيو – أمريكي القديم المجدد، والمعد للسيطرة على المنطقة بموقعها الجغرافي الهام وما تمتلكه من ثروات اقتصادية طبيعية وفي مقدمتها النفط والغاز وغيرها، لكن دمشق التي كانت ولم تزل وستبقى قلعة العرب الصامدة وقلب العروبة النابض وقائدة مشروع الممانعة والمقاومة في وجه كافة المشاريع الاستعمارية التي تستهدف المنطقة العربية، أخذت على عاتقها مواجهة هذه الحرب بكل قوة وثبات وهذا ما حدده القائد الشجاع الرئيس بشار الأسد في خطابه من على مدرج جامعة دمشق عام 2011 عندما بدأت مؤشرات الحرب الإعلامية والتكتيكية تظهر على الساحة، حيث قال موجهاً خطابه للسوريين وللعرب الشرفاء المؤمنين بالمشروع القومي: “سنواجه هذا العدوان أنا وانتم”.
ونحن نحتفي بذكرى ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي السبعين لا بد لنا من وقفة تحليلية ونقدية للواقع التنظيمي ومنهجية العمل الحزبي لحزبٍ يُعد من أعرق الأحزاب السياسية على الساحة العربية، وانعكاسات ذلك على دوره في مواجهة معركة مصيرية تهدف لتدمير سورية وإقصاء البعث عن قيادة الدولة فيها.
بداية يجب أن نقر بأن حزب البعث ولد من رحم معاناة وآلام الشعوب العربية بُعيد الاستقلال والتحرر من الانتداب الغربي ( الفرنسي في سورية ولبنان، والبريطاني في العراق ومصر )، وجاءت أهدافه ومبادئه ملبية لتطلعات الشعوب العربية الواسعة ومنسجمة مع أمنياتها المستقبلية في دولة موحدة وقوية قادرة على حماية استقلالها ومصالح شعوبها وخيراتها وثرواتها الوطنية، وقادرة على بناء حضارتها العربية الخاصة وفق أسس من الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص بين أفرادها، كما أن أدبيات البعث التي تراكمت خلال تاريخه النضالي وخاصة خطب وكلمات القائد الخالد حافظ الأسد ومن بعده ما قدمه من إضافات فكرية السيد الرئيس بشار الأسد هي غنية وثرة بما يدغدغ أحلام وطموحات الغالبية العظمى من الجماهير العربية المؤمنة بالمشروع العروبي الوحدوي، وهذا ما أعطى للحزب حضوراً مميزاً على الساحة المحلية والعربية بآنٍ معاً، ومنحه شعبية كبيرة أربكت منافسيه من الأحزاب السياسية الأخرى التي تطمح لأخذ مكانه ودوره في السلطة في سورية تحت أية مبررات، وكذلك أزعجت أعداءه الحقيقيين في الخارج الذين يجهدون لإقصائه وتبديله بتيارات سياسية دينية تكفيرية متطرفة موالية لهم وتستطيع أن تخدم مشاريعهم الاستعمارية التقسيمية للمنطقة مهما كانت النتيجة كارثية على الوطن .
لا نُخف بأن وجود البعث في السلطة ولَّد حالة من الانتهازاية والتسلق على حبال بعض الفساد الذي ظهر في مفاصل عديدة منها ما هو هام وخطير، نتيجة ما حملته سياسة الحزب الداخلية من تداخلات غير ناضجة في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية أفقدت التنظيم بعضاً من قوته ومن تفاعله الايجابي في أذهان مؤيديه، وساهمت في تأخيره بتنفيذ العديد من خططه الإستراتيجية الأساسية لصالح الحركة اليومية لقيادة مؤسسات الدولة، لكنها في محصلتها العامة لم تنقص من جوهر دوره القيادي وتأثيره العميق في الطبقات الكادحة.
من المؤكد بأن الأزمة التي يواجهها حزب البعث في سورية هذه الأيام تختلف كلياً عن المطبات التي تعرض لها خلال السبعين سنة السابقة، لأن هذه المعركة تهدف إلى تدمير وتخريب كل ما بناه الحزب خلال تاريخه النضالي بكامله ليس على المستوى الفكري والعقائدي والمنهجي فحسب، بل كذلك على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي، ومخططٌ لهذه الحرب أن تؤدي في النهاية إلى إحداث غربة حقيقية بين البعث وجماهيره، وإلغاء حقبة البعث بكل ما تحمله من إنجازات ايجابية، وقد بدأت بمطالب شعبية بسيطة وصلت للمطالبة بإلغاء المادة الثامنة من دستور الجمهورية العربية السورية التي كانت تُعطي للحزب حق استفراده في قيادة الدولة والمجتمع، وكانت ردة الفعل المباشرة من قيادة البعث تأييدها السريع لتغيير الدستور بالكامل، وترك مبدأ قيادة الدولة والمجتمع لصناديق الاقتراع التي هي صاحبة كلمة الحسم في تحديد الحزب الذي يتمكن من الفوز بالأغلبية في المجالس المحلية والوطنية ويتسلم السلطة بناءً عليه ، ومع ذلك استطاع البعث أن يُثبت حقه في القيادة بقوة نتائج الانتخابات سواء في المجالس المحلية أو التشريعية وعلى مستوى الانتخابات الرئاسية، ومع ذلك لم يجد حزب البعث غضاضة في التناغم والتنسيق مع بقية التيارات الوطنية التي استطاعت تحقيق حضور نسبي في الانتخابات مهما كان بسيطا، لأن قيادة البعث ومنذ قيام الحركة التصحيحية عام 1970 كانت منفتحة على بقية الأحزاب الأخرى والمستقلين للمشاركة الفعالة في قيادة الدولة واستلام مواقع في السلطة العليا سواء في الحكومة أو في المجالس التمثيلية ولم تكن في يوم من الأيام لديها أية مخاوف من مشاركة الآخرين على انخفاض شعبية الحزب في الشارع.
وهنا لا بد لنا من كلمة حق نقولها للتاريخ ونحن على قناعة مطلقة بها، وبالرغم من السلبيات الكثيرة التي ظهرت هنا وهناك بعد استلام حزب البعث للسلطة في سورية، وظهور بعض الممارسات غير المنسجمة مع فكر الحزب وعقيدته، فإن الانجازات الكبيرة والضخمة التي حققتها ثورة البعث في سورية على المستوى الفكري والعقائدي والتربية والتعليم والجيش، وما تم تحقيقه في الجانب الاقتصادي والخدمي، هو ضخم جداً وهو سر صمود سورية شعباً وحكومة وجيشاً في وجه حرب الإقصاء هذه التي دخلت عامها السابع دون أن تتمكن من تحقيق أي هدف مما رسم لها، فسورية اليوم لا تُقارن بأية دولة في المنطقة من حيث البنية التحتية الضخمة والاقتصاد الاستراتيجي المدروس الذي كان هدفاً أساسياً من أهداف الحرب الظالمة على سورية، كما أن الجيش العربي السوري العقائدي المنظم الذي أذهل الأعداء قبل الحلفاء من شدة تماسكه وتمسكه بالدفاع عن كل شبر من الوطن وتقديم التضحيات العظيمة في سبيل ذلك، واحتضان الشعب السوري في كل مناطقه كتعبير واع عن أهمية الوحدة الوطنية كأولوية في بناء سورية.
إن الحراك التنظيمي والفكري الذي عاشه البعث في الأيام القليلة السابقة لذكرى ميلاده من خلال مؤتمراته السنوية (الفرق والشعب والفروع) وما جرى فيها من حوارات ومناقشات جريئة لتوصيف الواقع ووضع تصورات موضوعية للخروج نحو مستقبل أفضل، يحمل الكثير من الدلالات على قدرة البعث ومرونته في إعادة ترميم بنيته العامة في الوقت الذي يعتبره الأعداء أصبح بحكم المنتهي سياسياً، كما يؤكد على الرصيد الغني للبعث سواء في كوادره القيادية الواعية، وبقناعة الجماهير الشعبية فيه كقوة سياسية قادرة على مواجهة المشاريع الاستعمارية المعادية، والخروج من الأزمة القائمة نحو مستقبل آمن، و أن النصر قادم لا محالة على أيادي بواسل جيشنا العربي السوري البطل وحلفائنا شركاءنا في المعركة
نسطيع القول بعد ست سنوات متواصلة في مواجهة معركة التقسيم والتفكيك والإلغاء استطاع البعث وقيادته الحكيمة وعلى رأسها الرفيق الأمين القطري الرئيس بشار الأسد من رسم خارطة طريق جديدة لإعادة انعاش المشروع القومي التحرري بكل أبعاده ليس فحسب، بل كذلك على الساحة العربية التي بدأت مرحلة استعادة الوعي الجمعي الذي خربته ميديا المشروع الاستعماري المعادي، ومع كل هذا النجاح لا بدَّ لنا من قول كلمة للقيادة البعثية بأن عليها الاستمرار بإعادة النظر في العديد من المواقع الميدانية خلال فترات قصيرة لإقصاء كل من يثبت عدم قدرته على مواكبة مسيرة الانتصار وإخراجه من قطار مرحلة إعادة البناء والإعمار لأنه لا يجوز أن يحمل في عرباته غير الشرفاء والمخلصين الذين يقع على عاتقهم متابعة المسيرة خلف قيادة القائد العربي الشامخ شموخ قاسيون الرئيس بشار الأسد .
محمد عبد الكريم مصطفى