مساحة حرة

شمس لا تغيب

ما من مرحلة زمنية مرت في حياة الرجل الذي هز وجدان الجميع وسكن ضمائرهم منذ أكثر من نصف قرن وحتى اللحظة، ما من مرحلة زمنية مر بها، إلا ويمكن الوقوف عند فصولها طويلا والتأمل في عبرها، فالفتى الذي نشأ بين ربا وكروم “القرداحة” صارت حياته مليئة بفصول الدهشة والعز والرجولة والأبوة والكرامة، فصول دونتها الأيام بحبر الخلود، وهذا عصي على المحي، ولو كره الكارهون.
إلا أن التاريخ مهما حاول مزوروه تغيير فصوله، لن ينسى أنه القائد العربي الوحيد الذي لم يصافح عدوا، ولم يتنازل عن حق، ولن يستطيع أن يخفي كل تلك الإنجازات التي كان الخالد “حافظ الأسد” وراء قيامها ونهوضها من جامعات إلى جسور ومن معامل إلى سدود، والكثير فعلا مما لا يمكن حصره وإيراده، في الفترة الزمنية التي امتدت من تاريخ قيادته للحركات الطلابية الاحتجاجية ضد الاحتلال الفرنسي، حتى وعيناه تغمضان نورهما الكريم على جنوب لبنان يتحرر، هذا لأن قائدا عروبيا وطنيا بقامة “أبو باسل” لن يرضى إلا أن تكون البلاد مصانة والكرامة متقدة.
لكن صفة امتلكها “أبو باسل” كانت هي الأجمل والأهم والأبقى، إنها صفة “الأبوة” السوريون جميعا كانوا يشعرون أنه والدهم، والدهم الكريم والحنون والقاسي عند الضرورة والمتسامح المحب، إحساس أصاب من التقاه ومن لم يلتقه منا كسوريين، الجميع كان واثقا من كونه يلتقي أبا عطوفا، ورجلا عز الزمان بمثله، هذا الرجل بروح الأب وعزيمة القائد التي لا تلين، قاد سورية وبنى نهضتها الجديدة.
تمر ذكرى رحيله بأسى في القلوب، خصوصا في الفترات التي مرت بها البلاد بأصعب الظروف ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر، ولا أدري سبب هذه القناعة الجمعية عند السوريين، أن وجوده بيننا في هذا الزمن الصعب كان ليترك بليغ الأثر في دواخلنا من طمأنينة ومحبة.
الرجل الذي نلوذ بظل قوته ورجولته وأنفته العربية التي لا تلين عريكتها، الرجل الذي تربى في بيتك ومدرستك يا أبي يا “حافظ الأسد” هو ذا على درب الحق والكرامة والرجولة التي شربها في كنفك طفلا فشابا فقائدا يحاربه العالم أجمع ويعترف له بأنه الأبقى على الحق، ونحن معه وحوله وحياله، نكتب اسم سورية كما أردته دائما يا أبي “عالشمس الل ما بتغيب” كما ذكراك الحاضر أبدا.
تمّام علي بركات