مساحة حرة

آخر خط الزيف السياسي

لعلنا لا نملك كشعبٍ مكتوٍ بلفح المؤامرة ونار الإرهاب، أن نسامح من أعلنوا علينا أقذر أنواع الحروب في المحافل الدولية نهاراً، وأدمنوا إرسال الاعتذارات لنا ليلاً، بذرائع الضغط ومسايرة الظرف الدولي، ومراعاة منظومة مصالح أملت مراءاة غير مسبوقة في المواقف.

فثمة مخاتلة غبيّة تتعرّى لدى أول سؤال يتردد على ألسنة حتى البسطاء، يستفسر عن المقاصد الحقيقية في أكاذيب هؤلاء، هل نحن السوريين أم شعوبهم هي الهدف، أم الأمريكي الذي تعلم استخباراته علم اليقين ما يجري حتى في غرف نومهم؟!.

بين هؤلاء ونظرائهم ممن ربطوا مصيرهم وبقاءهم بانهيار سورية، تبدو الشعوب، في بلدان أنظمة الزيف السياسي هذه، الضحية الأكبر لقادتها وأنظمتها، لأنها هي من اجتر تبعات الخيانة ومغازلة العدو على حساب الصديق، لذا نعتقد أن فصول المحاسبة والمساءلة باتت وشيكة، وعلى “بيادق” أنظمة الخليج أن يستعدوا لرياح عاتية لن تترك لا “حطاطة ولا عقال” على رؤوس من تنكروا بالزي العربي التقليدي.

فقد اقترب موعد إعلان أسماء الساقطين في امتحانات “الاصطفاء” القسري العربي والإقليمي، رغم أن التسريبات الظاهرة على شكل مجريات ومواقف لم تترك شيئاً للمفاجآت، إلّا أن  لـ”كرنفالات” الإعلان وقعها الذي ننتظره بشغف، بما أن الناطقين فيها لن يكونوا أفراداً، بل شعوباً بأصواتٍ كالهدير، ومشاهد كالأمواج.. حينها وحينها فقط سيدرك من التبست عليهم المصطلحات والتطبيقات في هذا العالم، كيف تكون الثورات بأشكالها ومضامينها الحقيقية لا المزيفة.

هنا في سورية كانت مطارح الاصطفاء الصعب، وبشأنها كانت المسألة الأعقد على طاولات امتحانات شاقة في المقاربات الوطنية العروبية، والقطبية الأممية، واختبارات التحمّل والذكاء، وحتى البراغماتية السياسية بأبعادها المنحدرة من مصالح الدول والشعوب وليس الأفراد والعصابات المتنكّرة بهيئة زعامات.

أولى نتائج السقوط أعلنت نفسها في “المخدع الإخواني” المصري بأن من جهد واجتهد لإسقاط  مفاهيم وقيم ودول وشعوب حرّة قد سقط، والسجن -حيث رسي مرسي- أفضل الحلول للخلاص من عربدات جوّابي الآفاق.

وعلى مقربةٍ منّا هناك في المضمار التركي، انكشف أردوغان وافتُضحت أكبر كذبة “عدالة وتنمية” انطلت على مناهضي الطورانية البغيضة وإسقاطاتها الكئيبة في ميادين العلمانية البنّاءة، بدأت ملامح سقوط وشيك، وها هي المظاهرات المليونية تصرخ -قرفاً وضيقاً- في وجه من بات في شعاراتها اليومية “زعيم اللصوص” ومن كان يلوّح بسيفٍ من كرتون انتصاراً لـ “يرقات إخوانية” بدأت تفقس في البيئة السورية التي ارتفعت حرارتها جراء خلطات براميل البترول والبارود الخليجي والتركي والإسرائيلي والأمريكي.

بدأت يوميات الحديد والنار تنتقل مطرودةً من هنا من سورية، في ارتجاعٍ وارتدادٍ بالغ الشدّة على مصادر الإيقاد والتغذية و”التلغيم”، وباتت كل خطوة نخطوها نحو أفق الهدوء والاستقرار، خطواتٍ وخطوات انزلاق وانحدار إلى حيث ذات اللهيب الذي أوقدوه لسورية.

ولعل في انتصار يبرود وما قبله وما سيأتي بعده مؤشرات رعبٍ، ترجمتها حالة الصمت بل الوجوم التي أطبقت على “ستاف” المتأبطين شراً بسورية، من واشنطن، مروراً بأوروبا، وصولاً إلى مضارب خليج “يختلج” على نار تحت الرماد وبراكين كانت كامنة، وبدأت مؤشرات نشاطٍ جديد و”ثورة” تلوح في الأفق. ألم يقل زعماء الخليج في أحاديث مباشرة وغير مباشرة، أن بقاءهم مرتبط بانهيار الدولة السورية، وراهنوا على ذلك؟.

بقيت الدولة السورية، وبات سقوطهم هو الشطر الآخر من المعادلة التي حددوا أطرافها ومجاهيلها، وعلى الأرجح لن يتبرعوا بالرحيل طوعاً، وسيكون ثمة سبب ليعرفوا كيف تكون الثورات، وعلى ذات الطريقة والدرس “الخصوصي” الذي تلقاه مرسي مصر، ويتلقاه الآن أردوغان  وبعده كثيرون ينتظرون في غرف الانتظار الملتهبة.

ناظم عيد

البعث