الشهيد المهندس بنيان ونوس …بطل حامية مشفى الكندي بحلب
ابن الـ 23 ربيعا …وقع بالأسر جريحا مكبل الأيدي …أعدم ولم يوار جثمانه الطاهر الثرى
في بلدي …يختبئ الجرح صامتا خلف نشوة العز والفخار برجال حموا الديار …
في بلدي ..تختنق الغصة في الحلق لتتفجر زغاريد وأهاليل في أعراس بلغت من السمو حد النجوم …
في بلدي .. دموع كثيرة حبست في العيون الناظرة إلى السماء تنتظر رحمة الله وفرجه لتنهمر ينابيع، علها تغسل ما على الأرض من غل وشر ..هذا ما استهلت به والدة الشهيد سهيلة العجي ديوانها الذي كتبته بعد استشهاد ولدها، دونته أناملها بفخر وعز، ويقين بالنصر، وإيمانا أن الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر.
كل قوى الظلام والبغي اجتمعت لقتال أبطال، صمدوا لم يهابوا الموت لحظة، بل دافعوا دفاعا مستميتا عن كل ذرة تراب بسورية، ومن مشفى الكندي بحلب بدأت حكاية الصمود …
حفيد المجاهد الشيخ صالح العلي
التقينا والدة الشهيد المهندس بنيان بدر ونوس، ابن مدينة المجاهد الشيخ صالح العلي، منطقة الشيخ بدر في محافظة طرطوس، أخبرتنا والدة الشهيد سهيلة العجي، بدموع الفخر وابتسامة العز أخبرتنا عن ابنها: نال بنيان الشهادة الثانوية / الفرع العلمي والتحق بأكاديمية الأسد للهندسة العسكرية بحلب، وعندما كان في السنة الرابعة اندلعت الأحداث وبدأت الأزمة في سورية، كان البطل بنيان من أوائل المتطوعين للدفاع عن شرف الأمة وكرامتها، كان من حامية مطار حلب الدولي، ثم انتقل إلى الشقيف /حاجز البكارة في منطقة الليرمون بحلب، أصيب بطلق ناري أثناء تأدية مهامه القتالية في الشقيف، فأسعف إلى سجن حلب المركزي ليتلقى العلاج وبقي عشرة أيام، ومنه خرج إلى مشفى الكندي لمواصلة مهامه في حماية المشفى ورفاقه الأشاوس.
120 جنديا محاصرا
بدأ حصار مشفى الكندي بحلب واستمر تسعة أشهر، داخله 120 جنديا محاصرا، كان البطل بنيان وعلى الدوام يتصل بوالدته ويخبرها أن الأمور بخير ولا ينقصهم شيء، ولأن مجال مشفى الكندي أضيق من سجن حلب فكان تنزيل الطعام بالمروحيات صعب، ولعبت الظروف الجوية دورا كبيرا، فإن لم ينزل الطعام من الحوامات داخل حرم المشفى اضطر أبطالنا للقيام بعمليات عسكرية لإحضار الطعام لتكون الحصيلة جرحى وشهداء وأسرى …!
وروت والدة الشهيد البطل أم بنيان بطولات ابنها البار ورفاقه الشجعان: أنقذ بنيان العديد من رفاقه، وأسعف أحدهم ورافقه إلى مشفى حلب للعلاج، وبعد أن نال رفيقه شرف الشهادة، كفنه بنيان ولفه بعلم الوطن، وفي محيط مشفى الكندي حدث تفجيران بسيارتين مفخختين، جميع الجنود انبطحوا أرضا إلا بنيان حمل سلاحه وركض نحو السيارة المفخخة ليفجرها .
تعاون بنيان كثيرا مع رفاقه وعندما بدأت المناورات مع المسلحين، ناورهم ليخرج أكبر عدد من رفاقه من الحصار، أخرج بنيان رفيق سلاحه من تحت الركام ، فعندما اختفت الشمس وسط النار من شدة الضباب، أشغل بنيان جواله فسمع صوت رفيقه تحت الركام وأخرجه خارج المشفى وأصيب خلالها بنيان وقال لرفيقه : انتظرني سأعود ، فقال له رفيقه الجريح : لا تعود يا بنيان فالمسلحين داخل المشفى، لم يأبه بنيان فدخل المشفى وكان جريحا وبيده قنبلة ليفجرها لحظة اقتراب المسلحين منه فلم يحدث التفجير ووقع بالأسر، وكبلت يداه.
صامدون ..صامدون
كان بنيان يقول مخاطبا المسلحين: ” نحن لم نكن نصبر بالفترة السابقة ، ولكن كنا نستعد لذلك …والآن سترون ما هو الصبر …خسئتم أيها الرجعيون ..صامدون ..صامدون …
سأل المسلحون بنيان: ماذا يعني لك القائد..؟ فقال بنيان: بشار قائدي، وسورية بلدي، وهذا علمي، فإن أردتم ذبحي اذبحوني … وهنا أصبح المسلحون يشتمونه ويسبونه، فما كان من البطل بنيان إلا أن بصق في لحية المسلح كونه مكبل الأيدي وجريح ..وتابعت أم الشهيد: وفي اليوم الثاني تحدث معي أحد المسلحين من موبايل بنيان وطلب منا كأهل أن ندع بنيان ينشق ويقف إلى جانب المسلحين، لكن بنيان وذويه رفضوا رفضا قاطعا، وطلبت أم الشهيد من الإرهابيين حينها أن يعاملونه معاملة جريح، لكن قلوبهم لا تعرف سوى لغة العنف والدم ..! وبعد نقاش طويل وعقيم مع الإرهابي قالت له أم الشهيد: إن كان قتلي أنا أم الشهيد يشفي الغل الذي بداخلك، فتعال اقتلني وعد إلى بلدك سورية …!
وأضافت أم البنيان: استشهد من حامية المشفى ثلاثون بطلا بعمليات ومداهمات، بنفس الوقت خرج ناجون، وأسر خمسة عشر جنديا، في حين أعدم خمسة عشرة بطلا ومنهم بنيان الذي ظهر ورفاقه مكبل الأيدي بفيديو الإعدام، بث على اليوتيوب بتاريخ 4 /1 / 2014 بينما لم يظهر خمسة أبطال في الفيديو، شكلت الصورة التي ظهر فيها البطل بنيان ورفاقه لحظة الإعدام لوحة فسيفسائية جميلة ضمت كافة أطياف الشعب السوري ، تقول والدة الشهيد: قتلوا ابني بالكره والبغض وسأقتلهم بالحب …!
روت لنا والدة الشهيد بحوارها مع ابنها البطل: في شهر رمضان كان بنيان ورفاقه صائمون فقالت له : لماذا تصوم يا بني ماذا ستأكل؟ فأجابها : كان الرسول (ص) يصوم ويفطر على كأس لبن وتمرة وأنا سأفطر على كأس ماء وكسرة خبر..فطر بنيان ورفيقه المسيحي من الحسكة داخل المشفى، فقالت له أم البنيان: رفيقك صام عن كل إسلام العالم … استمدينا من صمودكم وقصصكم رسائل وعبر سنرويها لأجيالنا وأحفادنا.
كانت أم الشهيد تخبر ابنها أن الجيش سيحرر حامية المشفى، لكن البطل بنيان كان يقول: لو تحررنا وأصبت لن أترك رفاقي والوطن حتى النصر الكبير ، وأنا أراه قريبا.
أغار من مشفى الكندي
جاء في ديوان والدة الشهيد:
أغار منك يا من ملكت أطهر من على الأرض ..
يا من تعطرت بأزكى روائح البطولة والتضحية والفداء …
أنت حبيبة أبطال الوطن ..
أنت من حفرت على أسوارك كلمات النور والوفاء …
وسهرت مع حماة الديار التي لم تراهم أعين البشر ولا شاشات التلفزة …لكن عين الله الساهرة التي كانت ترعاهم والتي لا تنام تحرسهم
أبت أرواحهم الطاهرة إلا أن تسطر أروع البطولات .
لكم جميعا …شهداء وجرحى وأسرى وأحرار …تنحني هامات الشرفاء خجلا وحياء من كرمكم ووفائكم.
حديقة وعرزال تخليدا لذكراه
نال بنيان شرف الشهادة وهو في ريعان شبابه 23 عاما بتاريخ 20 /12/2013، أعدم بعد أسره في مشفى الكندي مع مجموعة من رفاقه الأبطال، ولم يوار جثمانه الطاهر الثرى … يذكر أن والده ضابط في الجيش العربي السوري، العميد الركن بدر ونوس لم يكن شهيد معارك إنما كان له شرف الخدمة في صفوف الجيش العربي السوري لأربعين عاما، خدم في درعا والسويداء ودمشق وأغلب المحافظات السورية، توفي إثر عملية قلب مفتوح في مشفى تشرين العسكري بدمشق وذلك بتاريخ 25 /6 /2015 وذلك بعد استشهاد ابنه البار، ولف بالعلم السوري.
وفي حادثة غير مسبوقة أنجزت حديقة في الفيليبين باسم الشهيد بنيان، إضافة إلى عرزال في الحديقة باسمه تخليدا لذكراه .
انتصار العلم على الجهل
ختمت أم الشهيد بأمنيات فقالت: أتمنى أن ينتصر العلم والفكر على الجهل، وتمنت من القائمين على العملية التربوية والتعليمية أن يرسخوا ثقافة حب الوطن حفاظا على دماء شهدائنا، وكل يوم وببرنامج صباحي يطلب من كل طالب / مرحلة أولى / أن يأتي بقصة شهيد، يدونها على السبورة قبل بداية أول حصة درسية، ليسجل طلابنا بروزنامة سنوية أسماء أبطال خلدوا التاريخ بحروف من نصر، قد يأخذ هذا المقترح وقتا قصيرا من الحصة لكنه يحجز في الزمن قصة كبير، أبطالها:جنود سورية الشجعان، وقودها: إيمانهم بقضية وطنهم وعنوانها: سورية وطن لأبنائه الميامين .
البعث ميديا || طرطوس – دارين محمود حسن