line1مساحة حرة

البعث في ذكرى التأسيس.. تطوير الفكر والممارسة ؟

في استحضار الذاكرة السياسية العربية يبرز حزب البعث العربي الاشتراكي فصيلا قوميا حمل مشروعا نهضويا للأمة العربية يشتمل كل  جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وساعيا لبعث الحياة والحيوية في جسد الأمة العربية المثقل بتركة ثقيلة من قوى استعمارية امعنت فيه تقطيعا وشرذمة من خلال  القيام بإحيائية حضارية وثقافية وتاريخية تعيد للأمة العربية دورها الحضاري ومكانتها الطبيعية بين شعوب العالم وعبر  مقاربة فكرة الوحدة العربية على حوامل جديدة تزيل كل اسباب ومعوقات نهضتها وبث روح التجديد في كافة  مفاصل  جسدها المترامي على مساحة الجغرافية العربية .

ان ابرز ما يسجل للبعث كفلسفة وقضية ومشروع سياسي  هو تحويله لمشاعر  العرب وطموحاتهم القومية الى اطار فكري ونظري واضح ومحدد ومنفتح ومرن باتجاه المستقبل الواعد الذي يحمل ابرز الخصائص    الحضارية  للأمة  العربية تاريخا وثقافة وهويةوانه حول الثقافة السياسية الى نضال جسده عبر الواقع  ولهذا كله انطلق  البعث ينشر فكره واهدافه على كامل مساحة العروبة فكانت الاستجابة واضحة من خلال  انخراط الآلاف من ابناء العروبة في صفوف مناضليه ونجاحه في تحريك  الشارع القومي العربي ضد القوى الاستعمارية والتيارات الرجعية  التي واجهت المشروع القومي العربي وتنكرت لفكرة  العروبة من اساسها  .

لقد قرأ رواد البعث الاوائل عناصر  المشروع النهضوي العربي الذي  برزت  ارهاصاته الاولى  في منتصف القرن التاسع عشر  عبر حواملها التاريخية  والحضارية وارجعوها  لثقافة تقوم على التنوع المنسجم والمتناغم والمتسم بخصب  الحيوية والتجدد  والانبعاث ولم يقفوا من التراث موقفا تفسيريا بل تقدميا وثوريا  وادرك مناضلو البعث ان السبب الجوهري الذي يقف وراء تخلف العرب هو حالة التجزئة والخضوع للسيطرة الاجنبية التي فرضت عليهم وما استتبعته من تراجع علمي وجمود عقلي ومعرفي وضعف في البناء الاقتصادي وانعكاس ذلك على كل عوامل التنمية البشرية وقضية بناء الانسان وتحرير العقول من كل الشوائب التي تعيق عملية  المحاكمة العقلية للظواهر والاشياء من هنا استشرف البعث وقياداته التاريخية وعبر تطور ه الفكري وتراكم تجربته النضالية مسارالتطور الحاصل في عالم اليوم فاتسم بخاصية التجدد والاستجابة لكل راهن تاريخي ومجتمعي ادراكا منه ان اية ايديولوجيا لا تتطور فكرا وممارسةوأدوات   تتحول مع الزمن الى ايديولوجيا متخلفة واعمالا لذلك استطاع البعث ان يستجيب استجابةواعية لكل هذه التحديات والمهام فكانت حركة ٢٣ شباط عام ١٩٦٦ فعلا تصحيحيا داخليا جنب البعث الانحراف باتجاه يحاكي ويتقمص تجارب وعناوين لا تنسجم مع الواقع العربي وخصوصياته الثقافية والاجتماعية وتطوره التاريخي فكانت الحركةً التصحيحية التي قادها  القائد الخالد خافظ الأسد عام ١٩٧٠  فتحا جديدا ونوعيا في مسار الحزب وتجربته في سورية من خلا ل معادلة تفاعل خلاق بين التجربة السياسية والفكر المنفتح المتسم بالدينامية والاطلاع الواسع والواعي .

ومع هذا التحول النوعي في قيادة الحزب وتكريس نهج منفتح يقارب بين الفكر والواقع وضروراته وطبيعة الظرف السياسي الاقليمي والدولي وجملة التحديات التي تواجه سورية بحكم موقعها ودورها العربي والاقليمي وطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني والحاجة لترتيب البيت العربي وفق اولويات الواقع لا الاطار النظري والايديولوجي فقط  انطلقت سورية  في فضاء عروبي واسع اعمالا وترجمة حقيقية  لفكرة  الوحدة والتضامن العربي فرادت سورية العمل القومي  حقيقة  لا ادعاء فكانت التجارب الوحدوية والاتحادية مع اكثر من بلد عربي ما اكسب البعث  زخما جديدا وانتشارا واسعا لافكاره وتنظيمه على المستويين القطري والقومي واستطاع الحزب من خلال مناخ الاستقرار الذي عاشه على المستويين التنظيمي والفكري والقيادي ونعمت به سورية امنا واستقرارا ونموا  ان يحقق   انجازات هامة ونوعية تمثلت بالانتقال من الشرعية الثورية  الى الشرعية الدستورية على مستوى الدولة والسلطة اضافة للتحول الى بناء ديمقراطي تعددي يقوم على الشراكة في قيادة البلاد عبر مؤسسة  الجبهةالوطنية التقدمية .

لقد واجهت سورية والمنطقة العربية والعالم اجمع تحديات مركبة وذات طابع بنيوي خاصة  ما تعلق منها بالبيئة الدولية بعد انهيار وتفككك الاتحاد السوفييتي وبروز الولايات المتحدة الامريكية قوة  مهيمنة على المسرح الدولي وانكشاف الغطاء والمظلة الدولية للكثير من دول العالم  الثالث وبروز ظاهرة العولمة المتوحشة  المرافقة لها ما ادى لسقوط انظمة واهتزاز اخرى وقلة قليلة هي تلك الدول التي استطاعت ان تحافظ على توازنها وكيانيتها واستقلال قرارها السياسي والسيادي ومن بينها سورية بسبب ارتكازها الى حومل داخلية في بنيانها الوطني والسياسي ولم تكن تابعا سياسيا يدور في فلك أحد لاشرقا ولا غربا ما جعلها  تحتل مكانة هامة في الخريطة السياسية العربية والاقليمية والدولية  . ومع  دخول العالم الألفية الثالثة توفرت لسورية وللبعث  قيادة شابة وطموحة تحمل مشروعا واعدا   نواته فكر البعث ووادبياته ويحمل ملامح تجديد حقيقي في الفكر والممارسة والاداة تمثلت بالرفيق الامين القطري للحزب.

سيادة الرئيس بشار الأسد الذي قدم  مشروعا تطويريا وتحديثيا للحزب والدولة وجد استجابة وحماسا واسعا في الاوساط الحزبية والشعبية وشكل متحولا هاما في مسار الحزب والسلطة وثقافة جديدة في الاداء وتطوير الممارسة واستطاع ايجاد تيار شعبي وشبابي واسع قادر على حمله وترجمته انجازات حقيقية انطلاقا من كونه مشروعا وطنيا وليس حزبيا فقط يصع في الاعتبار تطلعات كل الطيف الوطني السوري وهادفا الاستثمار في  طاقاته وخاصة الثروة العقلية وخبرة السوريين  المتراكمة سواء في الاقتصاد او غيره من قطاعات الحياة الأخرى  اضافة الى رؤية ونهج سياسي واسع المساحة والدلالة السياسية  عبر عنه بشعار المؤتمر القطري العاشر للحزب – رؤية متجددة فكر يتسع للجميع  وبدت اهمية تلك الافكار وجاذبيتها من خلال تحررها من الاطر النمطية الجامدة التي كانت احد اهم المعوقات  في مسيرة الدولة والحزب  بشكل عام .

لقد اثبتت مسيرة الاحداث التاريخيةان الحزب وتجربته السياسية والسلطويةوكذلك فكره وادبياته  تصبح اكثر قوة وحيوية  كلما خضعت  للمراجعة والنقد  بهدف تطويرها واغنائها وتعميقها وتجديدها  فذلك يعطيها قوة وزخما ويخلصها من كل ما يشوبها من مظاهر تراجع او جمود وخلل في سياق الظروف التاريخية   والسياسية والبيئة الدولية التي تمر بها  سورية والمتطقة ودول العالم بشكل عام ولعل ما ربط الحزب  بالجماهير هو  تبنيه لاهدافها وطموحاتها وحاجاتهاوكذلك ان النجاحات لم تصبه بالغرور  والاخفاقات باليأس ادراكا منه ان الاخفاقات هي مسألة عرضية وزائلة   و من هنا تأتي اهمية ما يطرح من الآفكار  وصيغ العمل في المرحلة الحالية خاصة واننا نواجه  حربا  غير مسبوقة سلاحها القتل والارهاب الدموي والفكري والمستهدف فيها الدولة والمجتمع وعلى الأخص جيشنا العقائدي وذلك  جنبا الى جنب مع  استهداف  الهوية الوطنية والفكر القومي  العروبي  ما يستدعي استجابة واعية على المستويين  الوطني والقومي في مواجهة ذلك وهنا يصبح البعثيون والقوميون  عموما في دائرة الاختبار  والتحدي  لاثبات قدرتهم على المواجهة وتحقيق الانتصار  ؟.