ثقافة وفن

أحمر

لم يكن يعلم أن بضع كلمات من صوته الدافىء كانت بالنسبة لها زاداً تدخره لساعات، وربما لأيام، وقد تكون زاداً لحياة كاملة..

تصحو في فجر كل يوم لتعانق أول خيوط الشمس وتوصيها به، تتضرع لله بقلب جعلته مسكناً له وتودعه عنده أمانة غالية، تستحضره داخلها وتمعن في تأمل ملامحه البهية، يتراءى لها بصوره الدافئة في الوجدان والماثلة في الذاكرة..

انتظار طويل وثقيل عرف درب قلبها فاستوطنه دون نية للخروج، سرقها من كل شيء حولها وأسرها بتفاصيله المتعبة، علمها أن لمرور الوقت طعماً مراً لا يشعر به إلا من تذوقه،  تنتظر وتنتظر، سوف يتصل، هو دائماً يتصل في مثل هذا الوقت ليطمئنها عن نفسه، قد يكون نائماً بعد تعب طويل، أو ربما هو منشغل مع رفاقه، أو قد تكون المعارك ساخنة هذه المرة وهو لا يستطيع الاتصال، هل غابت عن فكره.. وهو الذي لم ينسها على الدوام، فليكن ما يكون، المهم أنه بخير، قلبها يخبرها بذلك..

حاولت أن تلهي نفسها بأي أفكار أخرى، لكنها متوالية لأفكار رهنت نفسها لها واختارت أن تعيشها، فاستحال الخوف والقلق إيقاع حياة.

حضرت قهوتها الدافئة وحملت سنارتها لتغزل له وشاحاً من الصوف الأحمر فهو يحب هذا اللون منذ طفولته، لطالما طلب منها أن تغزله وهي تمانع، فاللون الأحمر لا يناسب الرجل، لكنها هذه المرة أرادت أن تفرحه بأي شيء حتى لو لم تره مناسباً..

أخبرها مرة بمدى اخضرار الحياة حين يتذكرها وهو هناك في ساحة لا لون فيها، فلذكرها دفء يبدد صقيع الروح ويمده بقوة قدسية، قوة وطن يستحق من يدافع عنه ..

تذكرت عينيه اللامعتين وهو يتحدث، طفلها الصغير غدا رجلاً الآن..

تتزاحم الأفكار ويختنق صوتها الذي يريد أن يملأ الدنيا بصمت مطبق..

عادت للغزل مجدداً، لتنسج خيوط الشوق والقلق بصور وذكريات ملونة، لتنسج كل خيوط الحب بلون أحمر..

 

هديل فيزو