ثقافة وفن

آلام وآمال.. من دمشق إلى حلب

«هنا القاهرة من دمشق.. هنا بغداد من دمشق.. هنا الجزائر.. هنا صنعاء.. هنا القدس من دمشق.. هنا سورية من دمشق»

عيسى، مذيع متقاعد من أعمدة الإعلام السوري، يقطن بأحد أحياء دمشق، بعيدا عن ابنته الوحيدة في حلب.. فقد أصحابه وأحبابه.. وكان أخرهم في تفجير القصر العدلي، الحدث الذي شكل تحولا رئيسيا في مسار حياته..

رحلة بين مدينتين، قرر خوضها بطل فيلم (دمشق حلب) ليلتقي بابنته.. يجتمع في حافلة للركاب بأشخاص مثلوا خليطا من أطياف مجتمع سورية بتناقضاته الغريبة.. وعلى اختلاف رواياتهم وقصة كل واحد منهم، إلا أنها ما لبثت أن تقاطعت مع بعضها بشكل أظهر الجوانب الإنسانية والأخلاقية التي يتمتع بها أبناء هذا المجتمع..

التطور الدرامي خلال الرحلة والأحداث التي حصلت، عكست جانبا من الواقع الذي نعيشه، لجهة التلاحم والتعاون بين شخصيات ركاب الحافلة، والتواصل فيما بينهم، رغم مضي ساعات على تعارفهم، مدركين معنى الالتفاف والتعاضد لتخطّي المصاعب والأزمات، وظهر ذلك بمواقف مختلفة خلال الرحلة..

بأسلوب كوميدي، عرض فيلم (دمشق حلب) مشاهد من وقائع حياتنا اليومية، مشكلا توجها جديدا لما عرفته أفلام الحرب في سورية.. راصدا حالات وقضايا اجتماعية ومبدئية نابعة من رحم الأزمة، لمسناها في مشاهد عدة، من أبرزها كيف تحمل إحدى شخصيات الحافلة كفنها في زيارة هي الأخيرة لها إلى مدينة حلب..

الفيلم الذي جذب الفنان دريد لحام للمشاركة فيه، أعاده إلى الشاشة الكبيرة بعد مضي تسع سنوات على أخر أفلامه “سيلينا”، حيث عبر عن فرحته بهذا الإنجاز والتعاون الذي حصل مع المخرج باسل الخطيب لأول مرة، والذي اعتبره إضافة مهمة إلى مسيرته الفنية العريقة..

المخرج باسل الخطيب اعتبر وجود قامة فنية، كالأستاذ دريد لحام، من شأنها أن تغني العمل، خاصة وأنه أُعد له على وجه التحديد، ما تطلب جهدا كبيرا.. كما أن كتابة السيناريو أخذت وقتا طويلا، لإعادة وتعديل النص من أجل التوصل إلى المناخ الدرامي المناسب، وتحقيق التوازن بين اللحظة الدرامية واللحظة المأساوية..

أبطال الفيلم، كالفنان عبد المنعم عمايري، والفنانة سلمى المصري، وكندا حنا، أكدوا أهمية الوقوف أمام فنان كبير مثل دريد لحام، فالأمر كان ممتعا وشيقا وصعبا في الوقت ذاته، محاولين بذل أقصى الجهود لتأدية الأمانة والمسؤولية التي كانت على عاتقهم..

مجتازا الشارع الذي يفصل بينه وبين لقاءه مع ابنته، الذي كان يخشى من وجود ألغام فيه.. مشهد يحبس الأنفاس.. تجاوز فيه عيسى خطر الموت ليصل في نهاية المطاف إلى دينا، ابنته..

بعد (مريم) و(الأب)، يأتي (دمشق حلب) في ملحمة بشكل مختلف.. ليصف الآلام والآمال.. بين مدينتين تشاركتا الحزن والأسى، والفرح فيما بعد.. برابط تاريخي وحضاري وإنساني لايقدر على قطعه أحد..

رغد خضور