الشاعرة عبير سليمان.. توثيق للحب والحرب في “رسالة من بيدق ميت”
الشاعرة عبير سليمان في مجموعتها الشعرية الموسومة بـ: (رسالة من بيدق ميت)، ترسل رسائل للحياة للحب للحرب، لأقنعة عرّتها الحرب من زيفها، وللحب الذي كثيرا ما كان الضحية، لجغرافية المكان التي أعادت صياغتها الشاعرة كجغرافيا للروح وعذاب الجسد. ثمة تيمة تجمع مجموعة الشاعرة عبير سليمان مع رسالة بيدقها الميت. تكمن على الأغلب في الحب المعادل في الضحايا من الروح والمشاعر وانكسار القلب والخاطر.مع ضحايا الحرب بكل مواجعها وقسوتها.
أنا هنا أحببت أن أكتب عن هذه المجموعة، الصادرة عام 2014 في العراق بغداد. عن دار الروّسم، للشاعرة السورية عبير سليمان، على الرغم من صدور مجموعات شعرية للشاعرة ذاتها بعد هذه المجموعة، منها مثلا: ( ونفخ في الناي ) الصادرة عن دار بعل في دمشق عام 2017.
أحببت الكتابة عن هذه المجموعة لإحساسي بأن هذه المجموعة فيها من التميز والتفرد الكثير، لما فيها من بعد عن المجموعات الشعرية التي باتت تتشابه فيها الكثير من البصمات الشعرية لحد الابتذال والسذاجة.
في ديوان (رسالة من بيدق ميت) نحن أمام عنوان أكثر دعوة للغوص في دفتيه كديوان شعري يحتفل بذاته لذاته، موجه لقارئ ذكي ولماح. عنوان يشكل حالة فضول شديدة الوله لاكتشاف رسالة هذا البيدق الميت. هنا ذكاء معرفي ودلالي يبحث عن مفاتيح لمدلولاته. ثمة حرفنه في الأساس في الاشتغالات على نصوص الديوان، عن عمد أو غير عمد.
جعلت الشاعرة قصيدتها الموسوم بها ديوانها: ( رسالة من بيدق ميت). آخر قصائد الديوان. ص 125- 136- وأطول القصائد في المجموعة… سيكون لنا وقفة معها في نهاية هذه المادة.
يضاف لهذه القصيدة في الطول قصيدة: ( الطاغية الذي أعشق) و(أجراس البيان ) ص54- على حين باقي قصائد المجموعة كانت قريبة من القصيدة القصيرة ولم تكترث بما يسمى قصيدة الومضة، وان تلمسناها في بعض قصائد المجموعة: (لأّنك عنقود مترع بالنبيذ، ولأنك خاتم العشاق المجانين أحبك) ص 72.
ولا لتقتنص مايسمى قصيدة الومضة لتغوص فيها، وهي في ذات الوقت غير مستعصية عليها بقدر ما هي مطواعة، ولاهي الطويلة لكي تنسب إليها. ثمة دهشة ومفارقة تنتسب لما يسمى للقصيدة الحديثة، تقول: (عكّس كل الصيادين، أرمي شباكي فتمتلئ بالأسماك، مشكلتي الوحيدة،أني نباتية!ص 25في قصيدة فوتوجينيك. تقول أيها الشاعر، دع قلمك لبعض الوقت، وتأمل الشعر الذي يكتبه الدخان على جدران المنازل./ أيها التشكيلي، للجراح المدبّبة في وجوه الأطفال ريشة، ولدمهم الطازج ألوان والألم فنان) ص44 – تقول أيضا في قصيدة شريعة الحب: (لشوقه غريزة ذئب جائع متلهف لمرورها كفريسة / لشوقها فطرة غزالة تلوذ بالفرار ساعة الخطر، وتستسلم للأقدار.) ص 87 –
هكذا نحن في هذه المجموعة أمام خطان أو لنقل وكما أسلفنا أما الحب والحرب. في الحب ثمة ماهو مدهش في زمن فقدنا فيه الدهشة، وثمة صدق شفاف معزول بمغازل الحزن الوقور، غير الجارح وغير الساذج. تقول الشاعرة : ” ومثلما يسلم جنرال مهزوم سلاحه، سلمته قلبي، قلبي النيشان المعلق على صدره” ص 63 – في قصائد الحرب نحن على خط التماس مع (كاميرا الشاعرة) مع ثمة مشاهد معتقة بكاميرا شديدة الحساسية… كما في صورة فوتوغرافية تضمّ خمسة أطفال من خمس قارات مختلفة، ضمن إطار مزخرف أنيق، / وأنت تلوم قلمي القاسي، على كتابة هذا النص! لاتطلق النار على رأسي، ستقتل القصائد التي لم أكتبها بعد لحبيبي. / على جداري صورة جمعتنا قبل الحرب أطلق النار عليها, هكذا تقتلني وحدي. / الرصاصة التي اخترقت نافذتي فصلت بلّورها إلى خمس لوحات: سماء بيضاء . غيمة بيضاء حالمة. سطح جارنا المسّور بأصيص الحبق والذكريات، جارنا بيده القناصة متفقدا الهدف، يد مرسومة بالدم تلوح للجار اطمئن، لقد أصبت الهدف.
تضيف الشاعرة عبير قائلة: (الرصاصات عاهرات قزمات يتقنّ فنّ التبرّج ولا يجدن لغة الجسد!. أنا جارك الذي لطالما دق بابك مساء حاملا خبزنا والملح والأغاني، صرت اليوم معوّق الحرب المبتور الذراعين. / حين تنتهي الحرب سأغيّر قواعد لعبة الشطرنج، سأجعل كل حجارتها ملوكا. ثم أترك الملوك وحدهم يتبارون !) ص 135-
هنا سنجد أن النص الشعري عند الشاعرة عبير سليمان، يتخذ لذاته تكوين الطبيعة، وبعدا ميثولويجيا لهذا السحر الشفيف، من حيث انبثاق الأمل من ردهة الألم.
تقول الشاعرة: “سأجمع فوارغ الرصاصات وأشكّل منها تمثالا مطابقا لتمثال الحرية. وسأصنع للأزهار والأشجار والعصافير، أقنعة واقية من رائحة الضغائن البشرية !“. ص 135. قصائد الشاعرة عبير سليمان، مصاغة بطريقة رائعة تستحق الوقوف الكثير عندها.
البعث ميديا || أحمد عساف