يوميّات تفاعلية حرَّة (4)
السّبْت 1/12/2012
– فوضى… كذا… في ميادين عديدة انتشرتْ كصيغة شعبية صحفية وترجع أصولاً لديَّ، ثم استحضاراً، إلى تعبيري عن “فوضى علْم العلْم في الثقافة العربية” (عام 2009)، ومذْئذٍ تحديداً صارت هذه الصيغة شائعة ومنتشرة في مجالات متنوّعة؛ وفي جريدة تشرين لليوم الماضي (30/11/2012) مثلاً استخدام لتعبير “فوضى حقْن البوتوكس” (في الاستحضار هنا غير الابتكار أو التأسيس).
– كلمة “رديفة” ذَهَبت عُرْفاً في صحافتِنا بعد جلسة مع د. ممدوح خسارة في مجمع اللغة العربية في دمشق واقتراحي له كبديل أو مقابل للُّوجستيّة، وفي عدد جريدة تشرين للبارحة (الجمعة 30/11/2012) ذكْرٌ مكرَّر للكلمة “رديفة” تحت عنوان “زراعات رديفة للحمضيات وليست بديلة…”… زراعات رديفة للحمضيات… زراعات رديفة أخرى… وكان أوضح لي أن المجمع سيعمم المصطلح على الجهات والدوائر.
– في عدد جريدة الثورة لليوم (1/12/2012) في الصفحة 4 تعبير “فوضى المشاعر” وهذا يُذكِّر أيضاً “بفوضى الحواس” لدى كاتبة جزائرية، لكنَّ “فوضى علم العلم” لدينا هي التي أَحْضرتْ واستحْضرت كلمةَ فوضى، بدلالاتِها الشاملة جماهيرياً في الإعلام أخيراً.
– الجديدة والمسْتَجدَّة” الكلمة الطقوسية (الطَقْسية) المستجدِّة والمتجدِّدة بدأتْ فعلياً مع بلَّورة معنى ومفهوم الاستدامة في أيّ شيء بدْءاً مِن البيئة – التنمية المستدامة – ومروراً بالطاقة – الطاقة المستدَامة أو المستديمة – أي المتجدِّدة أو المستجِدَّة أي التي لا تنْضب – ثم انسحَبت بعد “الربيع العربي” على “الثورة” في سورية وتبعاتِها، بالحديث عن مرحلة جديدة ومختلفة في تطوُّر سورية على صلةٍ تتابعيّةٍ وبديمومةٍ مع ما سبق، في ابتكار تعبير سورية الجديدة والمستجِدّة/المتجدّدة…. (وكنتُ استخدمتُ واستحضرت تعبير سورية المتجددة منذ بدايات الأحداث في لقاءٍ إذاعي في دمشق).
– الاستيلاد بُعِثِ من قمقمِه بعد فَواتٍ أو موات مذْ نشرْتُ موضوعاً بعنوان: “العولمة/الكوكبة: استيلاد ونشوء مصطلح جديد عربياً وعالمياً”، جاء منشوراً في كتابي “نحن والنظام الاقتصادي الدولي/العالمي الجديد، مدخل عام” عام 2006، وكذلك كموضوع منفصل مستقل شبكيّاً على الإنترنيت في موقع “عفرين نت” وقد انتشر لاحقاً وصار شعبياً بعد غياب في عالمَ الغيب أو بعد غفلاتٍ ونكرانٍ لصيغةٍ بليغةٍ ورشيقةٍ كهذهِ وفي مجالاتٍ كهذه مع توليد المفاهيم والمصطلحات الجديدة. تعبير بعد مواتٍ أَو فوات استخدمتُه لوصف عملية بعث وإحياء دور الفلسفة في عصرنا الراهن بعد غياب وتغييب، بعد فوات أو موات، وذلك بجعلها تشتغل في دراسة مشكلات العصر الكبرى/الكوكبية وفي العولمة/الكوكَبَة ضمناً وغيرها وكان حديثي عن دورٍ كهذا للفلسفة تكثَّف مع كتابتي كرَّاساً فيه “دور الفلسفة في دراسة وحل المشكلات الكوكبية” بالعربية مباشرةً، (موسكو عام 1982) نشرْتُه لاحقاً ضمن موضوع أوسع في أحد أعداد مجلة الفكر العربي الفصلية البيروتية لعام 1989، ثم في دراسةٍ أخرى مشابهة في عددٍ آخر من المجلة ذاتِها للعام ذاتِه (الفكر العربي/1989) بعنوان “مهمات تواجه المشتغلِين بالفلسفة في الوطن العربي” (العددان هما 57 و58 لعام 1989)، ثم انتشرتْ لازماتي.
– في سياق الحديث عن “يوميَّات تفاعلية” يجدْر الانتباه إلى أنَّ مجرد عودتي واستذكاري مصطلح المحور والمحْورية في حقولٍ عديدة، كنتُ قد استخدمتهُ فيها منذ سنوات، أعاد المحورَ والمحوريةَ تفاعلياً إلى صحافتِنا وإعلامِنا مجدَّداً بكثافةٍ في الأيام الأخيرة (بل وفي طيفٍ واسع من الإعلام الذي أتعامل معه). وها هو اليوم في زاوية أحد محرِّري جريدة الثورة لليوم الحالي – علي نصر الله – تحت عنوان “محْور النِعاج” وفيه ذكْر مكثَّف وغنيّ لدرجةِ الإشباع في استخدام المصطلح: “محور دول الاعتدال العربي… التسمية الرسمية للمحور إياه…. أرادوا تطوير المحور… بتحويل اسم المحور إلى محور النعاج العربية… محور الاعتدال، ومحور النِعاج، وكل المحاور… وهي كمحاور مهما تعددت…. يجري استيلادُها من رحم محور الرجعية… التحول والمتغير الوحيد في الزمن هو المجاهرة والعلنية [راجع إيضاح دوري في تأسيس وتأصيل العلنية /العلانية/الغْلاسْنوسْت/ترْانْبسْيرانْسي في منشوراتي وكتبي الأخيرة – د.م.ن]…. ولادة محور النِعاج في نسختهِ المطوَّرة، تخنْدُقُ محور النِعاج العلني إلى جانب إسرائيل…
قدَر سورية أن تكون المعلم، وستبقى، على الدوام كان درسها هو الأبْلغ، واليوم يتعلم العرب والأعراب، الغربِ والأغراب منها دروس الصمود”: [هنا تُذكِّرني الكلمات تذكيراً وإثارةً بدوري في نشْر كلماتٍ ومنْحِها الشَعبيْةَ الإعلاميةَ والصحفيَةِ منذ بدايات الأزمة الأخيرة: العرب ← العِربان والغربان… د.م.ن].
– إضافة إلى فكرة القدس وفلسطين كبوصلة (وردَ هذا في افتتاحية عدد الثورة اليوم) لأيّ توجّه وكمعيارٍ ومقْياس، بلْورْتُ ذلك في ظل الضبابيات والخيارات المترددة الغشائية الغشاويّة منذ سنوات؛ كما أنني خصَّصْت مقالاً منشوراً للإيزوْ والتقْييس والعلْموميترْيا وما فيها من مصطلحات إضافية: مَقْيسَة، مَعْيَرة، وكل ما له صلة بالمقياس والمعيار تصريفاً واشتقاقاً، لذا أشكر كاتبَ الزاوية على استنفار هذا الحشْد المكثَّف والمركَّز. مِن المفاهيم والمصطلحات التي تقْتصد مجهودي في البحث والاستقصاء والاستكشاف والاستحضار في كافة الميادين المذكورة آنفاً، ومنها الأخيرة أيضاً: “كانت فلسطين الميزان والمحك والمعيار والخط والمقياس”.
– أوردْت كلمةَ الاستكشاف هنا عَرَضاً مع التحديد والتمييز كمناسبة للتذكير أنني منذ عقْدٍ ونيِّف ابتكرتُ تسميةَ العِلْم الذي يهتم بدراسة الإبداع والاختراع عربيّاً على أنه علم البحث والاكتشاف.. أو البحثية – الاكتشافية وهو “اليوريسْتيك” إنكليزياً و”إيفْريسْتيكا” سْلافيّاً – روسياً، وقد عرضْتُ هذا الابتكار على أحد خريّجي موسكو ممَّن عاشوا عشْر سنواتِ هناك أوْ يزيد واشتغلوا في مجالاتٍ شديدةِ ووثيقةِ الصلةِ بِهذا، وهم حتى لحظة لقائِنا بعد ذلك – أي بَعد عقودٍ إضافية – لم يجِدوْا ولم يعْرفوا مُقّابلاً للكلمة الاشتقاقية كصفة: إيفرْيسْسْتيْلتشيْسْكي المأخوذَة من “الإيفْريسْتيكا” فأوضحتُ أن السَلاسة والرشاقة تسمح باستخدام كلمة إبداعي وإبداعية إضافةً إلى ما ابتكرْتُه مدققاً على أنه بحْثيّ – اكتشافيّ أوْ بحْثية – اكتشافية)، وقد نفع ذلك، لأجد صاحبَنا لاحقاً مع مصطلحٍ مقابل هو استكشافيّ واستكشافية.
بمناسبة الكلام على المحور – Hub راودتني في الأيام الأخيرة الماضية خواطرُ وتأمُّلات في خصوصِ صلة الكلمة الإنكليزية ذاتِها بما لدينا هنا، ليس في اللغة الرسمية الأدبية فقط، بل وبخاصّةٍ في العاميَّة وفي المُتداوَل الذي يستحيل تجاهلُه بدورهِ كمؤثِّر لغوي – ثقافي عبْر التاريخ منذ أقدم الأزمنة، ألا نتداول حتى الآن منذ أيام الفينيقيّين عبارات: هيلا هوْب، “علْهيلاْ هيلاْ هوْبْ“، وكلمة هوب لِنداء إيقاف العَربة/السيارة حالياً، مع العلْم أنَّ العربة، محْوريّاً، هي محاور دواليبها ومحْور الدولاب هو هذا الهوْب = Hub بالإنكليزية، وإمعاناً في تأكيد تواصُل المعاني وتحديد الأركان والأصول الأولى أنها هنا عندنا: الذي اخترع الدولاب هم العرب، هم السوريون بتحديدٍ أدقّ، هم سكّان شمال سورية بتدقيقٍ إضافي، هذا بات معروفاً تاريخياً وازداد وثوقاً مع الدراسات الأثرية/الآثارية – الأركيولوجية – الأحدث، فالذي اخترع الدولاب، وبالتالي الذي اخترع محْوراً لهذا الدولاب، هو الأقدم والأجدر في إعطاء الأسماء له، وهو الذي يمكن أن يكون قد سمَّاهُ هوب – Hub أوْ ما يقرب مِن ذلك ويتصل به… للحديث صلةٌ إضافيّة وضافية وقْتاً ما.
الثلاثاء 4/12/2012 مساءً
– التأثُر والتأثير يحتاجان إلى فعْل واحد للتعبير عنهما معاً، كنتُ قد استخدمتُه منذ زمنٍ طويل على أنه التآثُر، وعلى الرغم من وجود كلمة الأَثَرة بمعنى الغيريَّة والتآثرُ بمعنى الغيريّة المتبادَلة: آثرَ فلاناً على نفسِه فضَّلَه… إلاَّ أن اللغةَ ليست جامدة وصارمة ومحدودة إلى هذه الدرجة منَ القَطْع والآلية /الميكانيكية/ في حَصْر المعاني، وكَكلّ لغات العالَم في العربية وغيرها ألفاظ كثيرة واحدة لها دلالاتٌ عديدة ويبقى ذلك ممكناً ومفتوحاً على التطوير أيضاً.
***
الأحد 9/12/2012 نهاراً
– 1 –
– الثقافة الإنكليزية، وبالتالي الأنكْلوفونية (البريطانية والأمريكية بخاصة)، مخيفة في تقمُّصِها للثقافة البوليسية مِن نمط ثقافة “أجاثا كريْسْتي” في رواياتِها البوليسية حين تأخذك بعيداً في اتجاهٍ ما عبر الرواية كلها لتكْشِف لكَ فجأةً، وفي النهاية فقط (آخر صفحة أو آخر سطور)، عمْق الحقيقة الفعلية والنتيجة الفاجعة غيْر المتوقَّعة: أعتقد أنَّ علينا في القراءات والممارَسات السياسية الحذَر من هذا النمط الثقافي في الفعْل السياسي والأمْني العسكري الأنكليكاني/الأنكْلوسكْسوني؛ أُسجِّل هذه الملاحظة بعد أيامٍ وأسابيع من مُخاضات هذه الفكرة أو الخاطرة وأعتبرها هامةً نَظرياً، وتطبيقيَّةً عمليّاً.
– 2 –
– أذْكر جيداً أنَّ أسلوبي ومنشوراتي هي التي أَدخلتْ إلى الثقافة العربية منذ الثمانينيات لازمةَ التلازُم بين اليهودية والتلمودية، وبين الصهيونية والتلمودية، للخروج من دائرة الاتهامات بمعاداة السامية أيْ (باللاساميَّة) عند الحديث عن اليهودية وحدها مجرَّدةً، فصارت لازمةُ اليهودية – التلْمودية أو الصهيونية – التلمودية – في تَجاوُر، وحصل هذا التلازُم في اللازمات أسلوبيّاً أيضاً مع منشوراتي مذْ إذٍ (في الثمانينيات) بالحديث عن العربي – الإسلامي أو العربية – الإسلامية منذ الثمانينيَّات أيضاً، ولا سيما في ظل تجاذُباتِ وصْفِ تراثِنا بالعربي حيناً والإسلامي حيناً آخر، وبخاصة عند تعريفي بكتاب “التكنولوجيا الإسلامية” (الإنكليزي – الأمريكي) من تأليف «الحسن» و”هيْلّ” (تَصوَّرْ حتى التكنولوجيا بدتْ هنا إسلاميةً) وقد دمجْتُ هذه المنشورات الدَّورية جميعاً مما نشرْتُهِ في الدوريات بعد منتصف الثمانينيّات وفي بدايات التسعينيات للحديث عن تراث عربي – إسلامي، بل ووضعْتُ لها جميعاً عنواناً مبتكْرَاً أو إطاراً جامعاً هو “تراثُنا بين العروبية والإسلاموية”، فكان ذلك كلُه من أركان مُلازَمة العربي والإسلامي معاً لاحقاً: انتَبْه هنا أيضاً أنَّ هذين المصطلحين أسَّسا لأي استخدامٍ لاحقٍ بهذه الصيغة. العروبية وليس فقط العروبة والمعنى مختلف في الحالتين، وليس كما تعتقد وتفكّر مجامع اللغة العربية: يصح ولا يصح. إمّا أو، كلا ففي حالةٍ لا تصح، إلاّ إحدى الكلمتين وفي حالة أخرى لا تصح إلا الكلمة الثانية فهما غير استبْداليتين، وكذلك مع فوارق مفهومي الإسلامية والإسلامويّة، فهما هنا يعبران عن توجُّهاتٍ ومناحٍ عقائدية، إيديولوجية ما يمكن أن يُقابل بالإنكليزية، ابتكاراً، وإنشاءً، Arabism وَ Islamism ممَّا نعرِّبه خطأً في رأيي.
وقد جاء هذا العنوان الجامِع الملازِم بين مصطلَحين والمبتكِر لصيغتَين جديدَتين في آنٍ معاً في صيغةِ “بين العروبية والإسلاموية” في كتابي حول “تنْمية العلوم والتكنولوجيا دولياً في العالَمين العربي والنامي”، دار الأنوار 1998/1999 – دمشق – بيروت (بعد أن كان قد نُشِر كمقال دوري في مجلة “المعلومات”/مركز المعلومات القومي دمشق في التسعينيات).
***
الثلاثاء 11/12/2012، آخر السهْرة بعد الثانية عشرة
– 1 –
كان من تفاعليَّات آخر تسجيل هنا حول “العربية – الإسلامية” تلازماً، والعروبية والإسلاموية، خبرُ اليوم حول لقاء رئيس البلاد بداعِياتِ سوريةَ، داعياتِ الشريعةِ والإسلام من عنصر النِساء، بعددٍ كبير منْهنّ في اللقاء، وقد كانت الصورةُ تولِّد انطباعاً قويّاً عن مدى أصالة وخصوصية التجربة السورية وريادتِها، وهي المرة الأولى التي تَظهر فيها إلى العلن لقاءاتٌ كهذه على أَعلى المستويات في سورية، وربما عربياً أيضاً على الأغلب، وهناك تناظُر أيضاً بين الداعيات تأنيْثاً والصياغات اللغوية التلازمية عندنا تأنيثاً أيضاً: العربية – الإسلامية والعروبية والإسلاموية.
***
الثلاثاء 11/12/2012
– 2 –
ثمةَ أمور كثيرة ترد عفوَ الخاطر من ذكريات وتجارب جرى استصعاب تسجيلها حتى الآن في حينها فتبخَّرتْ من جديد ويجب تطوير طريقة وتقانة لحسن اصطيادِها وتثبيتها بعد الآن: مِن هذه: تجربتي مع “المنطلق المركب – المقاربة المركبة – لمشكلات الطاقة والفضاء ودور العلم والتقنية في حلِّها” مكتوبةً بداية عام 1983 بالروسية، ثم مترجمةً منّي لِذاتي عام 1986 ومنشورةً بعدها مباشرةً في دوريات سوريّة، والمهم هنا في هذه التجربة وبخاصة – صلتُها ببرامج “إنتركوسموس” الفضائية الدولية، وبصورةٍ أخص، ما ارتبط بها وتلاها من الرِحلة مشْتركَة سوفييتية – سورية [أتذكَّر الآن شجونَ مواقف محمد فارس الأخيرة وتصريحاتِه] كما أن المنطلق المركَّب (المقارَبَة المركَّبة) وردتْ في شرائط أخبار التلفزة اليوم في نبأ عن توليد الطاقة بدارة مركَّبة في إيران (قناة “سيريانْيوز”)، وتدشين أكبر محطة كهروْبُخارية في الشرق الأوسط في إيران (روسيا اليوم)، وما يثير اهتمامي ليس إذاً هذا الجانب المركَّب في المسألة فقط، بل والصيغة التركيبية التي تعود لي مع دراستي المذكورة المنشورة بالروسية بداية عام 1983 حول “قضايا الطاقة في البلدان النامية” حين ابتكرْتُ تعريباً لذاتي مركَّبات الكهرذرّية/الكهرونووية، والكَهْرَمَائية، والكَهْرَحرارية… إلخ.