ثقافة وفن

زمن الفرح

أيامنا ترحل في غفلة منّا، يسرقها الزمن دون أن نعلم، أو لعلّنا نعلم، ويسرق معها كل الجمال الذي لم يتجسد، والذي كان بالإمكان تجسيده، وكل الأحلام التي لم تتحقق، وكل لحظات الفرح التي كان بإمكاننا خلقها.

زمنك، الماضي، الحاضر، أو المستقبل، كلمة تعادل رفة العين، وتساوي عمراً بأكمله، تبدأ معركتك معه منذ لحظات ولادتك الأولى، لتعلن حلول صراع طويل يبدأ ولا ينتهي، يستمر بقوة تمنحه الديمومة، دون دراية منك لمن ستكون الغلبة في النهاية، له أم لك..

يعدّ عليك كل لحظاتك التي يملكها ولا يكفّ عن ملاحقتك بها، وتذكرتك بأنه السيف الذي يجب عليك الحذر منه على الدوام، وأنه خوفك الذي يتجسد فشلاً، وأمانك الذي يتجلى نجاحاً، وذاكرتك الأبدية التي لا تتوقف.

زمن قادم يدق باب أيامنا معلناً ولادة عام يضاف إلى عمرنا، يلوح لنا بأحلام جديدة، وآمال مازالت مستترة في النفوس، وضحكات مخبأة ضنّت بها قسوة أيامنا علينا حتى أصبحت دواخلنا أرضاً عرّشت فيها أغصان الفرح المخبّأ، وتربعت في كل ركن من أركانها أصوات الضحك المكبوتة.

كانت سنوات مُرّة عشنا فيها ألماً يفوق الألم وتركت في أرواحنا ندوباً لا ندري إن كنا سنشفى منها أم لا، لكن هذه الأرواح نفسها ما زالت عامرة بالكثير من الفرح الذي لطالما أقبل علينا فرددناه دون أن نمنحه القدرة على التجلي، وما زالت أحلامنا القديمة الجديدة تتحين الوقت كي تتجسد واقعاً..

أرواحنا مازالت تنعم بالروح، وسماؤنا ستبقى تمطر وشمسنا ستشرق على الدوام، وستبقى أصوات المآذن وأجراس الكنائس تملأ المكان والزمان.

أخبرني أبي مرة أن الزمن صديقي بقدر ما هو عدوي وما علي إلا الاختيار وتحديد الأهداف والتخطيط ووضع برامج زمنية لجعله صديقاً، وعدا ذلك سيمر بي الزمن ليتركني خارجه وخارج الحياة.

والدي أنهى معركته مع الزمن بانتصاره، على ما أعتقد، وتركني مع زمني الذي أصادقه أحياناً ويعاديني غالباً، لكنني، حتى في غفلتي، أحرص على البقاء في مداره.

العام الجديد آت، والنجاح مرهون بقرار، وما علينا إلا اتخاذه.

هديل فيزو