ثقافة وفن

دراما (بان آرب) بين اليوم والأمس

ليست أعمال (البان آرب) بالجديدة على الدراما المحلية بأنواعها، ففي السينما مثلا، كان هذا النوع من الأعمال حاضرا في العديد من الأفلام في تاريخ السينما السورية والعربية، منها “خياط السيدات/ عقد اللولو/، والعديد من الأفلام والمسلسلات التي ضمت إلى جانب الممثلين السوريين، ممثلين عرب، -لبنان ومصر بشكل خاص- تلك الدراما التي اتجهت نحو التسلية وتقديم المتعة والضحك للجمهور، والتي يسميها المتطرفين في الفن ب “السينما التجارية” أو “سينما الشباك- وكأن هذا يعيبها وهو ما جعلها قائمة ومستمرة حينها، عادت وبقوة للواجهة الفنية، بعد غياب طويل، خصوصا وأن المنافسة الدرامية التلفزيونية، انحصرت بين كل من سورية ومصر، إلا أن عودتها جاءت أكثر زخما في الدراما التلفزيونية، وكان من المُلاحظ صعود نجم هذه الأعمال، بعد ما يمكن تسميته بـ “الهجرة الفنية”، بعد أن حطت الحرب رحالها في البلاد، وغادر الكثير من المشتغلين بالدراما المحلية من نجوم صنعتهم هذه الدراما، ليتواجدوا في تلك الأعمال على سويتها الهابطة فنيا وبمختلف المقاييس، خصوصا إذا عرفنا كمية الأموال التي تُغدق عليها، من قيل منتجون تجار، همهم الربح أولا، ولو كان العمل لا يساوي من وجهة نظر النقد الدرامي (قشرة بصلة)، تلك الأعمال (الدرامية التلفزيونية) والتي هي في صميمها “فيديو كليب” ممطوط زمنه، جعلت من النجم السوري، خلفية بارزة لظهور عارضة الأزياء تلك أو غيرها، من اللواتي هجرن مهنتهن الأساس، ليصبحن نجمات الشاشة الفضية، يتم تلميع أسمائهن وتسويقهن، على حساب النجم السوري، والأمثلة كثيرة على ذلك، خصوصا كما ذكرنا في العقد الأخير المنصرم، ولتبلغ أوجها عام 2014 ولتستمر حتى اليوم، وفي كل موسم درامي رمضاني، بالظهور وبأجزاء أيضا، دون أن يكون للحكاية أي معنى أو مغزى، خصوصا إذا علمنا ان أغلب تلك الأعمال، إما مأخوذة عن أعمال أجنبية تارة يتم التنويه إلى ذلك، وتارات لا يحصل هذا، والنجوم السوريين، الذين شقوا طريقهم بالصخر ليصنعوا وليحققوا ما حققوه من شهرة ونجومية، سكنت قلوب الشاهدين العرب، ها هم يظهرون في أعمال (البان آرب)، يركبون أفخم السيارات، وتحيط الرفاهية في حياتهم في كل شيء، حيث يتم تقديم أفخر أنواع المفروشات والمجوهرات والأزياء، للتغطية على عدم وجود قصة من الأساس، ولكن هيهات في الفرق الكبير بين هذا وذاك، فمثلا، النجم “تيم حسن”، هل يمكن مقارنة عمله في الدراما المحلية وفي أعمال مهمة منها، مثل “التغريبة الفلسطينية”، وبين عمله في مسلسل “الأخوة”؟ العمل المفرغ من أي محتوى أخلاقي، وفكري، وإنساني، عدا عن كونه يقدم صورة المجتمعات العربية، وكأنها مجتمعات منحلة أخلاقية، فيها ما فيها من القتل والتهريب والزواج من أخت الأخ، وغيرها من الموبقات الأخلاقية والفنية، كالتي شاهدناها في “الهيبة” أو في “تشيلو”، عندما يدفع أحدهم لرجل مليون دولار مقابل ن بقضي ليلة مع زوجته!، تخيلوا قصة بهذا الحجم من الانحطاط القيمي والأخلاقي، تم تسويقها على حساب الفنان السوري، مع تلميع أساسه الإغراء المبتذل، لواحدة من نجمات العلكة والشامبو ومساحيق الغسيل وإزالة الشعر وغيره!

بالتأكيد ما من مجال للمقارنة بين أعمال الأمس التي تدخل في تصنيف (البان آرب) باعتبارها تحمل نفس الصفات، التي تحملها الأعمال الدرامية اليوم والتي تنضوي تحت هذا المسمى، وبين ما يُقدم على أنه أيضا عمل درامي من النوع ذاته، لا من ناحية الحكاية أو المتعة والمقولة وحتى أسلوب العمل وتأدية الأدوار، عندما كانت الشخصيات على الورق مكتوبة “بحرفنة”، بينما هي في الجديد الدرامي العربي ، شخصيات فيديو كليب، يمتد لأكثر من ثلاثين حلقة، عدا عن الأجزاء التي صارت موضة تلك الاعمال الآن، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على الخواء، الذي كان ممتلئا بالدراما التلفزيونية السورية، عندما حدث ذات فن، وتربعت على عرش الدراما العربية برمتها.

بالتأكيد ما من نوع فني إلا وسيجد من يتابعه ويحبه ويجده الأجمل، فالناس أمزجة، لكن خطورة الدراما، أنها تنعكس على الواقع أيضا، فهي محاكاة له، لكن لم تكن النجومية يوما بهذا الحال، بل كانت طريقا وعرا، لا يخوض فيه إلا من كانت موهبته عظيمة.

بقول مايا كوفسكي-1893-1930-: “هناك أشخاص كالهلام، يرتقون ويصبحون عظماء، كيف؟ ما السر؟ لا أدري”.

فهل ينطبق ما قاله “مايا” على نجوم هذا النوع من الفن؟ وهل في حياتنا العامة يوجد من هم على هذا الحال؟ ليكن الجواب لكم.

البعث ميديا || تمّام علي بركات