مساحة حرة

النظام التركي ورقصة الدراويش؟

لم يتوقف النظام التركي ولو للحظة واحدة عن ممارسة التآمر على سورية منذ بداية الأزمة السورية التي كان لهذا النظام الغادر اليد الطولى في إشعالها وتأجيجها وصب الزيت على النار، في محاولات مستمرة لضرب وحدة سورية واستقلالها، وعرقلة مسيرة الانتصارات العسكرية الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حربهم على الإرهاب، ورغم كل الاتفاقيات واللقاءات فيما بين الدول الضامنة لمنصة أستانة للحوار السوري – السوري، تستمر المخابرات التركية برعاية التنظيمات الإرهابية ومدها بكل الوسائل المساعدة للبقاء من اجل استثمارها كأوراق تفاوضية بعد أن سقطت من يد نظام أردوغان كل الأوراق التي كان يعتبرها وازنة، ليعود من جديد الى اللعب على ورقة ” جبهة النصرة ” الإرهابية التي سيطرت على أغلب مناطق إدلب، متجاهلاً بذلك واجباته الأساسية التي تفرضها عليه اتفاقية ” سوتشي ” التي وقعها مع الرئيس الروسي بخصوص منطقة إدلب التي مازالت قذائف الحقد تنطلق منها باتجاه المناطق الآمنة ومناطق تواجد الجيش العربي السوري، في محاولة يائسة لتحقيق طموح أردوغان العدواني بإنشاء ما يُسمى ” منطقة آمنة ” تحت سيطرته وكان قد رفضها الجانب الروسي جملةً وتفصيلا لأنها خارج كل الاتفاقات بين الجانبين، وتأتي مناورات النظام التركي البهلوانية واللعب على تناقضات المنطقة المعقدة نتيجة الغزل الأمريكي المفخخ بإعطاء الضوء الأخضر لانقرة بما يسمى المنطقة الآمنة مع الحفاظ على أدوات أمريكا في تلك المنطقة، في مشهد تراجيدي مضحك كمن يضع الذئب مع النعاج ؟

ويأتي تهديد أردوغان بالاستيلاء على منبج كخطوة أولى في مشروع عدواني جديد بالتنسيق مع سيده الأمريكي، ومتوعداً إذا لم تنسحب ” قوات قسد ” من منبج خلال أسابيع سيكون مصيرها شبيه بعفرين التي احتلتها العصابات الإرهابية بمساندة الجيش التركي، وقد اوفد أردوغان مندوباً خاصاً إلى الولايات المتحدة لإقناع إدارة ترامب بقصة ” المنطقة الآمنة ” وأهميتها بعد انسحاب الجيش الأمريكي المفترض من الأراضي السورية، ومبرراً في الوقت ذاته حقه بالسيطرة على تلك المنطقة عملاً باتفاقية أضنة / 1998 / المبرمة بينه وبين الدولة السورية، لكن في الحقيقةً الوضع يختلف كلياً لأنه واهم بكل ما يدور في ذاكرته العفنة من خطط ومؤامرات، فهو من اخترق اتفاقية أضنة اولاً وفتح بلاده ممرا ومقرا للعصابات الإرهابية القادمة من كل بقاع الدنيا لمحاربة الدولة السورية ولا يحق له فرض شروط جديدة من أي نوع، ومع ذلك رأت القيادة الروسية أن هذه الاتفاقية هي المخرج المناسب لإنزال ال ” أردوغان ” عن الشجرة وحفظ دوره فيما يُسمى مجموعة الدول الضامنة لإنجاز الحل الموضوعي لأزمة تجاوزت حدود الزمن المفترض. ومع كل هذا الاحتواء، لا نجد بأن الرئيس التركي محل ثقة فيما يتم التوصل إليه من اتفاقات بخصوص سورية، بل يسعى بكل ما أوتي من خبث وغدر إلى فرض أجندة خاصة به وبعصاباته الإرهابية في إدلب وشرق الفرات وغيرها من المناطق السورية، لكنه حقيقة واهم وينطبق عليه وصف الكاتب اللبناني نبيه البرجي له :” بأنه يقوم برقصة الدراويش الذين يدورون حول أنفسهم حتى يقعوا أرضاً “، لأنه سيخضع مرغما في نهاية المطاف لشروط الحل السياسي الذي رسم خطوطه العريضة الجيش العربي السوري والقيادة السورية المنتصرة على الأرض، سواء نجحت قمة سوتشي في ترويض أردوغان أم لا، فإن ما ستعتمده منصة أستانة في جولتها الثانية عشرة منتصف الشهر الجاري يجب أن يكون ملزماً للجميع لأنه مهم ومفصلي في الأزمة السورية، وأي خروج عن ترتيبات هذه الجولة من قبل أردوغان سيجعله مضطراً للارتماء من على الشجرة سقوطا وليس عبر السلم الروسي.

الرئيس التركي يلعب على اكثر من حبل بآنٍ معاً فهو يعتبر نفسه شريكاً فعلياً للروسي والإيراني في صياغة حل للأزمة السورية وفق قرارات مجلس الأمن الدولي المعنية خاصة القرار 2254، وفي ذات الوقت ينصب نفسه الوالي الشرعي للنظام الأمريكي في المنطقة بعد ان حزم الأمريكي أمتعته للخروج منها بأقل الخسائر معتبراً أن أرض سورية مجرد (رمال وموت )، بينما في الحقيقة كل ما يعمله أردوغان هو لكسب المزيد من الوقت من أجل إعادة ترتيب أوراقه المتساقطة الواحدة تلو الأخرى نتيجة انتصارات الجيش العربي السوري ومحاصرته لكافة المناطق التي تصبو عينيي الذئب التركي عليها.

القيادة في سورية مطمئنة لما أفضت إليه الأمور، وهي تتعامل مع الواقع بكثير من الحذر والهدوء، مؤكدةً على قبول أية مبادرة تضمن عودة سيطرتها الكاملة على كامل التراب السوري دون التفريط بأي شبر واحد، وكل فشل في السياسة يقابله حسم وانتصار عسكري حتمي لتحقيق هذه الأجندة الوطنية المتكاملة، فمن لا يُريد أن يسمع للدكتور بشار الجعفري، عليه أن يستمع مرغماً الى صوت الجيش العربي السوري الباسل.

محمد عبد الكريم مصطفى