ثقافة وفن

عن يوم الرقص العالمي 2014 … عروض طلابية بين القلقة والواثقة

((نهر الرقص)) نهر حقيقي يقع في المغرب العربي، وأخذ اسمه هذا بسبب أنّ أيّ مجتازٍ له عليه تأدية حركات رقصٍ استعراضيّة خاصّة به لا تشبه حركة أيّ شخصٍ آخر … ذلك أنّ هذا النهر العريض وغير العميق في مجراه تتكاثر فيه حشرة البعوض اللاذعة، فيبدو المشهد لناظرٍ من بعيد أنّ مجتازي النهر يرقصون احتراماً لهذا النهر كي يسمح لهم بالمرور من ضفة لأخرى …

هذا ما وصفه الكاتب (أمين معلوف) في أحد مؤلفاته الروائية، ويبدو أنّ الاحتفاء بيوم الرقص العالمي في سورية قد استند في قسمٍ منه على تقليد ما أسلفنا ذكره سابقاً، فكانت الاحتفالية الخاصّة بقسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، ولكن على طريقةٍ فريدة، وجاء ذلك ببث مزيج من الأصوات التي كشفت عن نفسها في سياق تعريفي بأنّها تابعة لطلاب قسم الرقص في سنواته الثلاث وأساتذة ومدربي قسم الرقص أيضاً، إلا أنّ إيقاع التعريف جاء طويلاً فمملاً أجبر الجمهور في ميلٍ منه على الانسجام بأحاديث جانبية ريثما ينتهي التعريف شوقاً للانتقال إلى بقيّة الحفل، والتي ابتدئها الدكتور (سامر عمران) عميد المعهد العالي للفنون المسرحيّة بكلمة يوم الرقص العالمي المترجمة لهذا العام عن الفنان مراد المرزوقي.

يأتي الانتقال تقليدياً إلى إبداعاتٍ تتالت في لوحات حملت مغزاً درامياً في قسمٍ منها، واستعراضياً أكثر في القسم الآخر، إلا أنّ رغبة الطلاب في تقديم ما لديهم زادت من حماسة الجمهور بصورة تصاعديّة مع عرض أربع عشرة لوحة، ويمكننا التعريج على بعضها. فاللوحة الأولى المأخوذة من الهيب هوب وقدّمها طلاب السنتين الأولى والثانية بإشراف (محمد شباط) قدّمت صورة عن التحدّي بين أطرافها لنقل حالة من الطاقة وتصعيد الحماس بين مؤدّي الرقصة، والجمهور، وربّما اختيارها كلوحة أولى جاء حسناً بعد حالة الملل التي فرضها التعريف الصوتي في بداية الحفل، أمّا لوحة (هيجان) التي قدّمها طلاب السنتين الثالثة والرابعة بإشراف (معتز ملاطية لي) تفردت بتميزها ما بين انتقاء أغنية إنكليزية مضافاً إليها قطعاً شرقية منسجمة أكثر مع حركة مؤديها، ويبدو أنّها الوحيدة التي لامست الروح الشرقية بين كلّ الرقصات المقدّمة، وجاءت الرقصة الصينية التي قدّمها طلبة السنة الثالثة بإيقاع مفرح، على الرغم من أنّها كلاسيكية الطبع مطعمة بحركاتٍ من البالية والجمباز، واعتمد فيها الطلاب على حركات أماميّة بالجسد، مضافاً إليها عنصر فكاهي جعل من الجمهور يستقبلها بضحكة، وفرح، وتشجيع، وهذه اللوحة كانت بإشراف (نغم معلا).
وقد كان هناك مزيداً من اللوحات المتقنة في تكنيك الحركة، كلوحة (سالسا) التي قدّمها كلّ من (محمد شباط) و(حور ملص) ولوحة (شرطة وحرميّة) بإشراف (حور) أيضاً، وغيرها من اللوحات الراقصة الممتعة والمميزة، ومنها لوحة (بُعد) قدّمها طالب في السنة الثالثة بإشراف (نورا مراد) رئيسة قسم الرقص والتي كانت قريبة من عواطف الإنسان في العودة لذكرياته واجترارها لكن ليس بالطريقة الإيجابية، والانتقاص من حفظ جمال الماضي في ختام اللوحة، من خلال حركة مزعجة قدّمها الراقص برجله توحي رفض الماضي لكن على طريقة خاصة جداً! وقد جاءت لوحة (وبعدين؟!) من إشراف (رواد زهر الدين) بإيقاع ملفت ربط بشجاعة بين الكرسي كرمز والراقص بين مسؤول وفرد، ليصل في نهاية اللوحة لصورة مشتركة تعني أنّهما واحد ولا اختلاف بينهما، وقد أتقن رقصتها طلاب السنتين الأولى والثانية.

 ومن الرقصات الخاصّة أيضاً لوحة (لقاء) التي نفذها طلبة السنة الثانية بإشراف الفنان (وسيم قزق) وكانت استراحة لطيفة تحمل إيماءات واضحة كوصلة ترفيهية أكثر، وختام اللوحات كان من تنفيذ أساتذة ومساعدي قسم الرقص (حور ملص، محمد شباط، عرفان المصري، عمرو قرقوط) وإشراف (معتز ملاطية لي) واللوحة حملت عنوان (تحت الضغط) وهي محاورة بين فتاة ومجموعة الشباب كمحاولة للهروب أو الخروج من مواقف تحمل ضغطاً غير مقبول ولا محتمل، كرمزٍ للسعي نحو الحرية، والانطلاقات الجديدة، والتخلص من الأسر، وكانت متقنة في ترتيب الحركات واستعراضها المنسجم مع المجموعة كاملة، وهي لوحة جديدة خصصها (ملاطية لي) ليوم الرقص العالمي وقد عُرضت لأوّل مرة.

وهكذا جاء الاحتفال بيوم الرقص العالمي ضمن ترتيب هادئ يحمل لغة تقليدية أكثر من مفاجئة، ويحمل لغة طلابية بين القلقة والواثقة … وقد التقينا أستاذ الرقص (معتز ملاطيه لي) والذي شرح لنا عن الاحتفال: “أصبح الاحتفال بيوم الرقص العالمي تقليداً سنوياً، وفي كلّ عام يكون الاحتفال مختلفاً، فأحياناً يكون عرضاً خاصاً بيوم الرقص، وأحياناً هو ذاته ما يقدّم في الحفل السنوي، وأحياناً يكون مشاريع التخرج نفسها، ومنذ عامين قدّمنا ثلاثة عروض مختلفة إذّ كان الاجتهاد والإمكانيات أكبر وأوسع… أمّا في هذا العام فقد جاء الاحتفال كمذاكرة للطلاب أكثر منه عرضاً خاصاً، تمّ وضع تقييمات من خلاله للطلاب، وهناك 13 لوحة فيها مزيج من كلّ المواد العمليّة”.

وبالعودة للاحتفالات السابقة وبداياتها أضاف معتز ملاطية لي: “المرّة الأولى للاحتفاء بيوم الرقص العالمي في سورية كانت قبل افتتاح القسم في المعهد العالي، وقد كان نشاطاً خاصّاً قمت به عام 1994 في المركز الثقافي الفرنسي بعد تأسيس فرقة (جمرة للرقص الشرقي الحديث)، بعدها جاءت الاحتفالات وتكررت ثم انقطعت إلى حين عودتي من السفر عام 2007 فأعدت إحياء هذا التقليد وانتقلت بالعروض إلى دار الأوبرا السورية في السنوات الأخيرة لنقدّم عروضاً أكثر احترافية وبإمكانيات أكبر.

 البعث ميديا – عامر فؤاد عامر