ثقافة وفن

مستغانمي في “شهيا كفراق”.. “ترنّح” الرواية وغياب التشويق والقضية

كعادتها تحقق الكاتبة والشاعرة الجزائرية أحلام مستغانمي أعلا المبيعات في سوق الكتاب بروايتها الجديدة “شهيا كفراق”. هذا العنوان الشاعري الذي سبق جمال وقعه على الاذن والعين معاً مضمون الرواية ولغتها وجودتها.

ما يصنع نجاح الرواية هو سحر اللغة وجمالية السرد والتشويق في الحدث. فالرواية الرومنسية، وموضع الحب تحديداً، موضوع يمكن الحديث عنه في آلاف الروايات دون أن يمل القارئ، ولايكون الروائي بحاجة إلى قضية إشكالية أو قضية ثورية وتحررية حتى يصنع النجاح والفوز بلقب أو جائزة، وكذلك الفوز بقلوب القراء. ولكن احلام مستغانمي تاهت بين القضية والحب بعكس المرات السابقة، فقضيتها تخلت عنها يبدو لتعب نفسي مقصود أو لغاية في نفسها فراحت تغازل من بعيد قضايا حساسة خائفة من السقوط في الاصطفاف بين الخير والشر.

تهافت القراء، الذين تعدوا المليون ونصف المليون، على الرواية، ولكن هل حققت “شهيا كفراق” متعة القراءة التي تحققت في “ذاكرة الجسد” وجعلت الكثيرات من المراهقات والشابات يتمنين فارس احلام كخالد بن طوبال، الذي خاطت مستغانمي كل تفاصيل شخصيته بحياكه رفيعة تشبه الى حد كبير شخصية هؤلاء الثوار الوطنيين الذين ضحوا بأرواحم في سبيل بلدانهم. على حد توقعي لم يكن “عماد” هذا المراسل الحربي يشبه أي بطل من أبطالها.. حتى “طلال” كان شخصا من الناحية الروائية الفنية أفضل منه بكثير. رجل غامض يتكلم بلغة الكاتبة العاشقة وبالأصح بلغة أحلام مستغانمي ذاتها التي لم تتجدد ولم تتطور أبدا منذ “ذاكرة الجسد” و”فوضى الحواس” و”عابر سرير”، وانتهاء بـ”الاسود يليق بك”.

والسؤال هنا يطرح عدة إشكالات في هذه الرواية، أولها أن مستغانمي وضعت نفسها أمام محاكمة القراء والنقاد ككاتبة بشكل شخصي، فبدت وكأنها “تترنح” بين الإنسانة والكاتبة والراوية في هذا الإصدار الجديد. فهل انفصلت أحلام عن زوجها الذي تسميه في الرواية انه “الوحيد والأوحد” ليس لشيء بل لأنها أدخلت حياتها الشخصية “الحقيقية” في الرواية فبدا وكأنها تبوح بقليل من مسيرتها الغنية بالأحداث والشخصيات والأفكار، فـ”ضاع” القارئ بين متعة القراءة عن شخصيات خيالية وبين القراءة عن شخصية أحلام مستغانمي، هذه الأخيرة التي لم تكتف بالحديث عن حياتها الشخصية فقط بل وعن علاقتها بالقراء على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا. ومن المعروف أنها شديدة المتابعة والاهتمام والرد على تعليقات ورسائل المعجبين بها، وهو الأمر نفسه الذي يحدث مع الكاتبة التي في الرواية التي تقع في حب رجل من معجبيها على فيسبوك… فاختلط الحابل بالنابل كما يقال.

أمر آخر بدا جد مبالغا فيه ويبعث على وصف أحلام بالكاتبة “النرجسية” التي تتنفس بفضل رأي الكتاب والمعجبين والنجوم. فبات القارئ يتابع صفحة بعد صفحة عبارات غزل ومديح وإطراء وجهته شخصيات مشهورة لمستغانمي. عبارات قيلت منذ عشرات السنين يبدو أن مستغانمي سجلتها على وريقات واحتفظت بها لذاكرتها الشخصية.. ولتبهر العالم بها!!

ذكريات كاتبة “شهيا كفراق” وذكريات الكاتبة في الرواية اختلطت على القراء وأصبح من العسير التصديق أنها ليستا “شخصية واحدة”! وماذا عن “كاميليا” الصديقة المقربة هل هي أيضا من خيال أحلام أم واقعية؟ ربما القطة “كامي” أيضا من السيرة الذاتية.. لايمكن البت بالأمر!!

من جهة ثانية، تغزلت أحلام أيضا بأبطالها كثيرا حتى أنها تمنت أن يجلس إلى جانبها “طلال” بطل رواية “الأسود يليق بك” واعتبرت أن “خالد بن طوبال” هو “رجلها”. فهل يحق للروائي أن يتغزل بشخصيات أعماله في غير سياق الرواية؟!

مستغانمي تركت نفسها تهيم مع معجبيها على فيسبوك، فأحيانا تتعاطف مع البعض وتنتقد آخرين وتسخر منهم، وتحاول مساعدة البعض لكنهم رفضوا. هكذا جعلت أحلام القارئ وكأنه يتابع مقابلة تلفزيونية أو حوار في مجلة فنية، ويتابع ردودها وآرائها ومزاجها بكل صراحة وليس أمام عمل روائي يحتاج إلى إيقاع “مدوزن” كما ينبغي ولغة أرقى وأغنى، وبالتأكيد بعيدا عن اللعب بالكلمات والمفردات التي يبدو أن الكاتبة استسهلتها فأصبحت جزء من لغتها.

وفي موضوع اللغة أيضا، فقد غرقت أحلام مستغانمي فيه بعيدا عن الغوص في أعماق الحدث وتفاصيل الشخصيات وما مرت به من أحداث. فـ”عماد” بطل الرواية كان مغيباً بالكامل باستثناء بعض العبارات التي يكتبها على حسابه على فيسبوك، بينما انفردت القطة “كامي” بكثير من التفاصيل، لدرجة الغرق أحيانا في تفاصيل حبها لها هي وكتاب آخرين، وعن صفاتها وغيرتها من “كاميليا”!!

كاميليا هذه الصديقة التي تتحدث هي والبطل عن “الحب المشترك” بنفس لغة الكاتبة او بالأحرى بلغة مستغانمي! وهذا غيض من فيض يمكن أن يؤخذ عليها. فهل يعقل أن يتحدث البشر بمختلف طبقاتهم وأفكارهم ومستواهم وأعمالهم بنفس اللغة في الحياة الواقعية، فكيف لذلك أن يحدث في سياق أدبي؟!

في سياق آخر، فإن صاحبة “القضايا الكبرى” كما تسميها ايرينا بوكوفا، المديرة السابقة لليونيسكو، عايشت القارئ في “ترنحها” خلال طرح ظاهرتي “الهجرة غير الشرعية” و”الربيع العربي” ومواقع “التواصل الاجتماعي”، هي المدججة بسلاح السرد الروائي. كانت كالتائهة فيه تغرق في الحديث عن الظاهرة شكلاً لا مضموناً (وهي واحدة من نقاط ضعفها وكأنها تخاف من أن تحسب على جهة ما).. ثم تعود إليها كل مرة وهو ما يحسب ضدها. فـ”الخيط الاحمر” كما يسميه الفرنسيون في الكتابة، لم تسر مستغانمي وفقه، بل قطعته وضاعت في تفاصيل غير مشوقة ومكررة، سواء في الرواية نفسها أو في روايات سابقة، كالحديث عن الهجرة والفراق والنسيان وعلاقة الرجل بالأنثى. وهكذا ظلت مستغانمي تعيش على تكرار أفكار سابقة لها في الطرح ولكتاب آخرين يبدو أنها تأثرت بهم، فظهرت وكأنها كاتبة مبتدئة تبحث عن من ينير لها الدرب لكتابة الرواية.

سبق أن التقيت احلام مستغانمي عام 2007. كنت مبتهجة وكأنني طفلة صغيرة التقت بـ”باربي” الحقيقية. إنها مثال للمرأة الدكتورة خريجة السوربون، وسليلة عائلة وطنية ثورية. كاتبة مشهورة تعيش بين كان الفرنسية وبيروت اللبنانية ولديها عائلة جميلة مثلها تماما. وكل كاتبة تتعلم أبجدية الرواية كانت لتراها مثالاً ونموذجاً يحتذى به، ولكن “شهيا كفراق” أفقدني هذه الشهية….

كلمة أخيرة.. عودي يا أحلام إلى خالد بن طوبال وابعثيه حياً من جديد.

 

البعث ميديا || سلوى حفظ الله