ثقافة وفن

الروائي نبيل قوشجي لـ”البعث ميديا”:  أحزن لموت بعض أبطالي.. وبعضهم أنا اقتله 

الطبيب الروائي نبيل قوشجي.. من الأسماء المعروفة واللافتة في المشهد السوري والعربي. صدرت له ثلاثة أعمال روائية هامة، على فترات متباعدة. ترجمت روايته المشهورة إلى اللغة الانكليزية، وصدرت في عدة طباعات وتم تداولها في العديد من الأقطار العربية، وفي بعض  دول العالم ، كذلك صدرت ومنذ سنوات رواية (أنا أعرف من قتلني) وتمت طباعتها أكثر من مرة حتّى توصلت للطبعة الرابعة ولم تكن أقل أهمية من رواية (رحلة إلى المريخ). تتميز تجربته الروائية بذاك السرد اللافت وبتلك البصمة الخاصة فيها وبتلك اللغة العذبة والمشوقة. حملت تجربته الروائية عدة تسميات هناك من سماها بروايات الخيال العلمي، وثمة من قال عنها انها بوليسية، إلى الكثير من التسميات، صدرت له في الشهر الفائت روايته الثالثة (وادي السيلكون) .

البعث ميديا التقاه وأجرى معه هذا الحوار:

– روايتك الأحدث (وادي السيلكون) عنوانها غامض وشخصياتها بلا أسماء. لماذا؟

لأنّ الرواية هي رواية تشويق وغموض ورعب كان لزاماً أن يكون العنوان مريباً وغامضاً ولا يكشف الكثير، حتى أنّ القارئ يصل إلى استنتاج عنوان الرواية في سياقها مرتين بعد أن يتكشف له الضباب المحيط بالشخصيات.

– كان من الممكن أن تكون شخصيات الرواية اللواتي يعملن مع الطبيب، على تقطيع الأعضاء البشرية، رجالا. مارأيك؟

لو اتبعنا الرؤية التقليدية، لربما كان لزاماً أن يكون فريق عمل بطل الرواية من الرجال، لكن التعمق في النفس البشرية، الذي تتعمده هذه الرواية وسابقتيها يحتم على الراوي أن ينوع فيجعل البطل رجلاً ومحيطه أنثوي. لضرورة سيرورة وصيرورة البعد الدرامي للحدث الروائي، وللتماهي مع بنية نصي الروائي ليتماشى مع السرد الروائي ومع الاشتغالات الروائية التي أسستها لروايتي هذه.

– اذا استثنينا روايتك الأولى رحلة إلى المريخ. باقي روايتك بلا أسماء، يضاف لذلك أنك تستخدم خط يدك في بعض مقاطع من رواياتك.. لماذا تفعل ذلك؟

سأبدأ بالحديث عن الرواية الأولى: (رحلة إلى المريخ)، فيها كانت الأسماء ذوات دلالات فالبطل اسمه ادم وأراد أن يكون أبا البشر وحاول التقرب من اييف (حواء بالانكليزية)، وهكذا فكل شخصية مرتبطة أفعالها باسمها. أما في الروايتين التاليتين: (أنا أعرف من قتلني) و (وادي السيلكون) فالأسماء ستقيد البطل بجنسية أو دين أو عرق، في حين أن المطلوب أن يكون البطل إنسانا وحسب، نتلقى ردود أفعاله وسكناته الإنسانية وحسب. استخدام الخط البشري ضمن النص المطبوع، ابتكرته لإضفاء المزيد من الواقعية على الرواية، لنقرأ المذكرات التي خطها القاضي بخط بشري وبلون الحبر الأزرق.

– إلى أي حد تدخل عملك كطبيب ( في التشريح ) في أعمالك الروائية؟

كتاباتي هي جزء من معرفتي، فما أسكبه على الورق لابد وأن يتأثر بما أعرف وأمارس من اختصاصي الطبي،  سواء في مجال الأورام أو في مجال الطبابة الشرعية.

– ذات حوار قلت: (أنك لاتحب أن تلزم شخصياتك بمكان أو زمان أو هوية، فهم بشر وبشر فقط.) حبذا لو تفسر لنا هذا الرأي؟

كما ذكرت لك آنفاً عندما أتعمق في تشريح النفس البشرية، أود بالفعل أن يكون الإنسان متحررا من القوالب، التي تعيق أو تحد رد فعله البشري.

– رواياتك كل واحدة تختلف عن غيرها تماما، لكننا نجد دائما تكرار شخصيات القاضي، والمحامي، والطبيب الشرعي، والشرطي. إلى ماذا تعزو ذلك؟

حقيقة حزنت لموت بطل الرواية الأولى، ثم الثانية،  وأردت أن يدوم أثر كل منهما ولو على الورق، لم أشأ أن تنتهي فطنة المحقق في سياق جريمة واحدة، ولا نباهة الطبيب الشرعي في حل معضلة واحدة. من يدري فلعل (آدم  في رحلة إلى المريخ) و (القاضي في أنا أعرف من قتلني) و (الطبيب في وادي السيلكون) يجتمعون في رواية جديدة يوماً ما!

– الطبيب هو الأكثر استماعا لألام الإنسان وأوجاعه، أنين ومبضع جراح ودماء. من أين تأتي؟

الحياة تدرجات لونية، حتى اللونين الأبيض والأسود بينهما أطياف واسعة من الألوان،  ولكي تكون الرواية واقعية يجب أن ننسج الألم فيها بلغة عذبة، رصينة وكاشفة للأسى لكنّها جميلة، تلك أمانة الحرف التي يجب أن يحملها الراوي.

– ترجمت روايتك رحلة إلى المريخ إلى الانكليزية وطبعت منها عدة طبعات، كذلك روايتك أنا أعرف من قتلني، وها قد تم إصدار روايتك الثالثة وادي السيلكون. هل قلت كل مالديك روائيا؟

لا أعتقد أنني قلت كل مالديّ،  فطالما بقيت الروح في الجسد وطالما بقي الورق والقلم بين يدي فأتمنى أن استمر بالكتابة.

– في بعض الأحيان تمارس القسوة وفعل القتل، على بعض أبطال رواياتك. لماذا؟

أخبرتك أنني أحزن للمصير الذي يواجهه بعض أبطال رواياتي، لكنّ الرسالة التي يجب أن توصلها الرواية أن النتائج مرهونة بالمقدمات، ولن يقبل عقل القارئ ولا إنسانيته أن يخرج تاجر أعضاء مثلاً بلا عقاب.

– هل يستمر مشروعك الروائي، ضمن هذا المناخ العام لروايتك؟

أعتقد أن القارئ المتذوق، والقارئ الذكي الذي اعتبره شريكا للمبدع،  هو الذي يصنف الرواية وفق ما يهوى.  فقد قيل عن رواياتي أنها في سياق الخيال العلمي، ثم صنفت في الأدب البوليسي، وقارنها كثيرون بالأدب الروسي، فيما شبهها غيرهم بالأدب الغربي المعاصر، لكنني لو أردت أن أكتب فسأتابع في سياق جملة مهمة: (على النص الروائي أن يكون مفيدا إضافة لكونه مسلياً).

البعث ميديا || خاص – حاوره: أحمد عساف