مساحة حرة

قرارات ترامب استهزاء مهين بالمجتمع الدولي؟

لم يكن قرار الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” القاضي بمنح الكيان الصهيوني صك ملكية الجولان السوري المحتل هو القرار او الموقف الوحيد الذي أراد به الرئيس الأمريكي توجيه ضربة موجعة واستهزاء مهين بحق المجتمع الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية للأمم المتحدة، بل سبق ذلك الكثير من المواقف والبلطجة الدولية والاستيلاء على حقوق مجتمعات أخرى واحتلال مناطق من دول محددة لتنفيذ أجندة استعمارية خاصة قديمة مجددة جميعها مخالفة للقانون الدولي، وتعبر عن إعادة محاولات الهيمنة على العالم وكأن الولايات المتحدة شرطي العالم الوحيد المفوض بفعل ما يشاء دون أي رادع، ضاربة بعرض الحائط كل المجتمع الدولي ومواثيقه وقوانينه العامة، وإلا ماذا يعني الاستيلاء على أموال ومقدرات دول الخليج ( البقرة الحلوب في نظر ترامب ) تحت يافطة حماية العروش ؟ وماذا يعني قرار الرئيس ترامب ” نقل سفارة بلاده في الكيان الصهيوني إلى القدس الشريف ؟ مستهتراً بكل القوانين الدولية المرعية، وبالقيم والمفاهيم الدينية والأخلاقية والمشاعر الذاتية للمجتمعات الإسلامية والمسيحية بشكل عام، وما ذا عن إنشاء عصابات إرهابية ودعمها ” داعش والنصرة والخوذ البيضاء وغيرها ” علانية وبكل صفاقة وهي منظمات موصوفة دولياً بأنها تنظيمات إرهابية على قائمة الإرهاب الدولي ؟ ومن أعطى لـ “ترامب ” الحق في تحريك أدواته في الخليج وأتباعهم لضرب وحدة واستقلال واستقرار اليمن بحجج ما أنزل الله بها من سلطان ؟ ومن شرَّع لجيش ترامب الاستعاري احتلال مناطق في سورية لحماية أدواتهم الإرهابية المتواجدة عليها؟

الواقع يختلف عما تصوره بعض وسائل الإعلام بان ترامب متهور ومغرور وهو يختلف مع رجالات الدولة الأمريكية العميقة التي يعلم الجميع بأنها هي صاحبة القرارات الاستراتيجية على مستوى صناعة القرار السياسي في أمريكا، بينما نجد أنه على العكس تماماً أن الرئيس ترامب يقوم بكل هذا بموجب دراسات معمقة وتوافق مع صقور الدولة العميقة، ربما يكون هذا سر استقالة العديد من إدارته والذين تفاجؤوا بخطورة وفظاعة الخطوات المقرر تنفيذها دون النظر إلى منعكساتها المستقبلية على الولايات المتحدة الأمريكية وأثرها الارتدادي على أمريكا نفسها وعلى حلفائها في العالم، وكان أول هذه المخاطر التي حصدتها الإدارة الأمريكية وحلفائها هو هزيمة صاعقة للمشروع الصهيو – أمريكي المركب في سورية، وتدمير كل اهداف ما سمي ” بالربيع العربي ” سواء على المستوى السياسي برفض استمرار هيمنة الولايات المتحدة وحلف الناتو على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ومنعهم من تمرير أي قرار يسهل عليهم تنفيذ برامجهم الاستعمارية الجديدة المعدة لسورية، أو على المستوى العسكري حيث تم القضاء على أدواتهم الإرهابية بزمن قياسي رغم حجم الدعم اللوجيستي التي قدم لهم على مدى ثماني سنوات من الحرب الظالمة على سورية .

نحن في سورية لا نعول كثيراً على التنديد والشجب الذي لاقاه قرار الرئيس الأمريكي بخصوص الجولان السوري المحتل بالرغم من أهميته على المستوى الدولي والرأي العام، في الوقت الذي تعاونت فيه الدولة السورية مع طروحات المجتمع الدولي و جامعة الدول العربية وخاصة مبادرة الأرض مقابل السلام التي تم تبنيها في مؤتمر القمة العربي في لبنان عام 2002، وصبرت على الجرح لمدة تزيد عن أربعة عقود فاتحة الباب واسعاً أمام الحلول السلمية التي استنزفت الكثير من الوقت تحت ستار المؤتمرات السلمية والمباحثات واللقاءات الدبلوماسية، ليس من باب التساهل في ضرورة وحتمية استرجاع الحقوق الطبيعية والقانونية للجولان المحتل بما فيه بحيرة طبريا بالكامل، بقدر ما هو استجابة إنسانية لتغليب لغة السلام على الحرب التي ترفضها الأخلاق السورية بكل أشكالها وانواعها، لكنها في ذات الوقت لا تخشاها في حال فرضت عليها، كما واجهت الحرب الإرهابية القائمة بحكمة وتعقل وشجاعة وقوة، وبعد كل هذه البروبغندا المقيتة التي افتعلها الرئيس الأمريكي لم يعد لكل مبادرات السلام من معنى، بل أصبحت مبادرة السلام بحكم الملغاة من قاموس العمل السياسي والدبلوماسي في المنطقة، وأصبح من حق سورية أن تعمل بجدية على استرجاع حقوقها المغتصبة بكل الوسائل والسبل المتاحة، ولا نعتقد بأن الدولة السورية وشعبها الشامخ وجيشها الباسل وقيادتها الشجاعة عاجزة عن إيجاد السبل المناسبة لاسترجاع الجولان وغيره من الحقوق المغتصبة، ونؤكد بأن الوقت لم يعد في صالح محور الأعداء بعد أن استهلكت المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات المتنوعة كل حلقات الأمل بحلول موضوعية على مدار عقود طويلة، ونحن نثق بقدرات الدولة السورية والجيش السوري بأن يكون الجولان في وسط سورية بأقرب وقت، وإن غداً لناظره قريب ..

 

محمد عبد الكريم مصطفى