أكتب نقداً…. وخذ نقداً
شيطنة سورية في مراكز الأبحاث الغربية
بعد سنوات من الحرب على سورية، استخدمت فيها الدول المعادية كافة الوسائل السياسية والعسكرية، والحملات الدعائية والاعلامية الكاذبة، تتابع اليوم مراكز الفكر والرأي في العديد من دول العالم وخاصة الدول الغربية مهمتها في محاولة لتشويه صورة سورية والنظام السياسي فيها، فيعملون على نشر الأبحاث والدراسات غير العلمية، بل المسيسة والممولة من قبلهم لإصدار تقارير ظل عن كافة مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية في سورية.
وعلى الرغم من ادعائهم بأن مراكزهم هي “منابر ديمقراطية” متاحة للجميع، ولا يفرضون رأياً على أحد، إلا أني حاولت مراسلة العديد من هذه المراكز لنشر مقالات أو ابحاث عن الشأن السوري، وبكل مصداقية أقول أنهم رفضوا وأحياناً يقولون أنك لست محايداً، وأجزم أني لم أستطع أن أكون محايداً، ولن أكون كذلك في قضية تمس وطني وشعبي ومستقبل أمتي، لكنني حاولت أن أسلك حياد الباحث في معالجة القضايا العلمية والفكرية التي عالجت. فمهما حاولنا، لن نستطيع التخلص من معتقداتنا وميولاتنا المسبقة في تحليل الواقع، فالموضوعية المطلقة ليست إلا مغالطة ابستمولوجية كبيرة. والحياد يكون فضيلة، وشيء محبب، عندما تكون الصراع بين شر وشر، لكن عندما تكون المعركة بين حق وباطل، فالحياد رذيلة ما بعدها رذيلة. والحياد ذكاء عندما يكون الصراع بين ظالم وظالم، لكنه حُمقْ وجريمة عندما يكون الخلاف بين ظالم ومظلوم.
إن هذه المراكز مستعدة لتقديم مبالغ مالية كبيرة تحت غطاء تمويل الأبحاث، أو اجراء الدراسات، شريطة أن تكون أي دراسة جديدة أكثر قتامة وسوداوية عما سبقها من دراسات، فكلما تحدثت أكثر عن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعاني منها سورية، كغيرها من دول العالم ربما، وكلما بالغت في حجم السلبيات، كلما لاقى بحثك رواجاً وتقبلاً وتسويقاً من هذه المراكز، التي ترفع شعار الحرية، ولا تستطيع تقبل وجهة نظر مخالفة.
المشكلة الحقيقية تكمن اليوم في أن الغرب يريد أن ينقل لنا تجربته التاريخية بشكل معكوس، فهم حققوا كل شيء ثم طبقوا الديمقراطية في مجتمعاتهم، ويريدون لنا أن نطبق الديمقراطية لكي نحقق كل شيء على حد زعمهم.
إن تجارب التحول الديمقراطي الحقيقي في العالم، تثبت أن النظرية التدرجية التي ترى أن نشأة الديمقراطية يجب أن تسبقها شروط معينة، أصبحت هي النظرية الأكثر رواجاً والأقرب للواقع.
ومن إيماني بأن السياسة علم وفن، علم على مستوى البنى والمؤسسات، وفن على مستوى الاشخاص والقادة، فقد أصبحت العلوم السياسية في سورية مجبرة على احداث ثورة في الدفاع عن بلدنا وسط ما يتعرض له من هجمة فكرية دولية كبيرة، من قبل الجامعات ومراكز الأبحاث الغربية، عبر تطوير أدواتنا التحليلية ومحاججاتنا المنطقية، باستخدام مفردات علمية منهجية، لا عبارات ايديولوجية مهترئة، فالدول في عالم اليوم نوعان: دول تحركها التكنولوجيا، ودول تحركها الايدلوجيا. لذا يتوجب علينا العمل على التواجد الفكري والعلمي في مختلف المنابر والساحات الافتراضية، لنقدم وجهة نظرنا ونسمع العالم صوتنا، فالنخبة الاكاديمية مهمتها انتاج الخطاب وبناء الاستراتيجيات، وغير ذلك ليس إلا تعبير عن مستوى تعليمي معين، لا يرقى إلى النضج الأكاديمي، فما نحتاجه هو مثاقفة مشكلاتنا السياسية، لا تسييس مشكلاتنا الثقافية كما نفعل في كثير من الأحوال.
ومع ظهور الاعلام البديل، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، لم تعد المعلومة تنقل فقط، بل أصبحت تصنع في كثير من الأحيان، لذا أصبح لزاماً على كل من ينتقد قيام الدولة بالتضييق على “حرية الرأي” كوسيلة للتعبير على حد زعمه، عليه أن ينتقد أيضاً التوسع المفرط في حرية الرأي لمن لا رأي له أساساً، بسبب افتقاده للعقل والمنطق، وانسياقه خلف انتماءاته الضيقة وولاءاته الغريزية. فالمواقف الوطنية ليست خاضعة لحرية الرأي، بل هي تضع من لا يتفهمها في كفة الخيانة. فكم “شاهد عيان” تحدث إلينا من دولة أخرى، في زمن أصبح فيه الكذب مهنة وعمل، وفضحه يحتاج إلى مهارة يتوجب علينا امتلاكها، فوسائل الإعلام أصبحت تصنع الأحداث والمواقف، بعد أن كانت تنقلها فقط، لذا فإن مواقفنا التحليلية والسياسية معرضة بشكل كبير للتشويش عليها إذا لم تكن منطقية وممنهجة.
لقد وقع البعض ضحية، فاتخذ مواقف سياسية كثيرة بناءاً على متابعته لوسائل الاعلام التي خاطبت عواطف وغرائز جمهورها، وتناسى أن إعلام ما بعد الحداثة أصبح يصنع الحدث ولا ينقله فقط.
إن فكرة الحياد، والديمقراطية، والعلمية المطلقة، هي أفكار طوباوية ليست موجودة على أرض الواقع، فليس كل ماهو مكتوب حقيقة، ولا كل حقيقة يمكن أن تكتب. فهذه المراكز ليست مراكز للدراسات والأبحاث بقدر ماهي مراكز للفكر والرأي تعمل تحت سياسات حكومية محددة، وتنفذ سياسة مموليها وخططهم، فالغرب يريد أن يصنع قضايانا، ويتركنا مشغولين بتحليل قضاياهم.
وإذا كانت قيمة وأهمية الأعمال البحثية الجادة تقاس بمدى تقديم “القيمة المضافة”، فإنه لا قيمة علمية للكثير من هذه الأبحاث، لأنها لم تكتب بطريقة ومنهج علمي، بل طغت عليها الايديولوجيات والتوجهات السياسية المعادية. وبقناعتي فإن الكاتب الجيد هو الذي يستطيع أن يكتب أفكاراً عميقة وبأسلوب بسيط بعيداً عن التكلف، ونخطئ كثيراً عندما نعتبر أن تعقيد اللغة دليل على عمق أفكارنا، مع الإيمان المطلق بأن الفكر الذي يصنع الواقع أرقى من الفكر الذي يفسر الواقع كما هو.
ومن باب المصداقية أيضاً، أجد لزاماً علي الاشادة ببعض المراكز التي تتقبل وتنشر وجهات نظر مختلفة، متبعة سياسة الحياد الايجابي البناء، من وجهة نظرهم، متقبلة وجهات نظر جميع الباحثين، شريطة الحجة والبرهان العلمي. فما نحتاجه اليوم هو التفكير الاستراتيجي الذي يبدع في طرح الحلول لمشكلاتنا، وليس التفكير العاطفي السطحي الذي يبدع في وصف المشكلات والتشهير بها. فالمحدد الأكثر وضوحاً لسياسة تلك المراكز هو أنه كلما انتقدت بلدك أكثر، ونلت من مقدساته، أخذت مالاً أكثر، لكنه مال مغموس بالذل والعار، ونكهة الخيانة….
د. شاهر إسماعيل الشاهر