ثقافة وفن

“مسافة أمان” يتفوق بواقعية الطرح وبساطة الصورة

نأى مسلسل “مسافة أمان” بنفسه عن سباق المسلسلات المسيّسة أو التجاريّة المحضة، ليتسيّد الدراما الرمضانية “السورية” على أقل تقدير، حيث قدم لنا عملاً متكاملاً على تواضع تكلفته، فلا نصّ مبتذل مليء بالرموز والتأويل ولا مشاهد جوفاء تنفر المشاهد، كل ما في الأمر تبيانٌ لحاجتنا إلى “مسافة أمان” بعد كل ما مررنا به.

إذاً هي العودة المحمودة للمخرج الليث حجو إلى الدراما الاجتماعية، بعد الفشل الذريع لمسلسل “الواق واق” الذي تم عرضه العام الماضي وكان يعوّل عليه الكثير خاصّةً من قبل الشركة المنتجة-إيمار الشام كباكورة أعمالها حينها – لاستكمال سلسة نجاح الأعمال الكوميدية الجماهيرية التي قدمها المخرج سابقاً كـ”ضيعة ضايعة” و”الخربة” و”ضبو الشناتي”، وإلى الآن يبدو أنه تفوق على آخر عمل أخرجه من هذا النوع “أهل الغرام” الذي لاقى بدوره شعبية عربية.

العمل المكوّن من ثلاثين حلقة، كتبته إيمان سعيد تحت اسم “الأرض المحروقة” وتغيّر اسمه بعد الاتفاق مع شركة الإنتاج والمخرج، ويتناول الحياة الراهنة للمجتمع السوري بكامل أطيافه، وآثار سنوات الحرب عليه من تشرد وفقر، كما يتحدث عن الحب والعلاقات والأخلاق في إطار جديد يظهر كيف استطاع “الإنسان” السوري النهوض مرة أخرى بعد هذه الأزمة، وأهمّ أسرار نجاحه وقربه إلى قلب المشاهد، هو ذلك التناغم اللطيف والواقعي مع حياتنا، فهو مليءٌ بآلاف التفاصيل اليومية التي تبعث الروح إلى شخصيات العمل حتى نكاد نشعر في بعض الأحيان أننا نستمع إلى قصّة قريب يجلس معنا لا ممثلٍ يؤدي دوره من وراءِ الشاشة، كما يضيف صوت الراوي (شكران مرتجى) نكهة جميلة تريح ذهن المتلقي بين مشهد وآخر وتدعم سرد الأحداث.

وكعادته في أعماله الكوميدية أو الجادة، يثبر حجو أعماق الإنسان فيعريه في لحظات القهر كما حصل مع سلام (سلافة معمار) بعد مقتل زوجها ومع سراب (كاريس بشار) عند اكتشافها لخديعة زوجها وكذب ابنتها ومع أم مروان (وفاء موصللي) في ألغب مشاهدها، ويعيد تزيينه أوقات الفرح كحال صبا (هيا مرعشلي) بعدما خرجت من السجن أو حال روان (لين غرة) تلك المراهقة التي عشقت احتراف التمثيل بالوقت الذي لفحها فيه هوى مجد (أنس طيّارة).

ربما نجح المسلسل وتميّز عن غيره من الأعمال التي تدعي الواقعية، لأننا لسنا مستعدين بعد لفتح دفاتر سنوات الحرب الكونية علينا، بما حملته من مآسي وجراح وجدانية ونفسية قبل الجسديّة، ولمّا أصرّ البعض على تشويه صورة الدراما السورية الرائدة بطرح أفكارها، أبحر بنا العمل بأمان إلى عالم المتعة الفنية، حيث تتكامل وتتناغم لمسات الإبداع والإمتاع بين الممثلين والمخرج والكاتب، وبالتأكيد سيرسو المركب مع نهاية الموسم الرمضاني ونحن، ضيوف هذه الرحلة، بشوق ولهفة إلى المزيد.

البعث ميديا || سامر الخيّر