التنشئة السياسية
يحن الكثير من جيل الستينات والسبعينات في سورية والعالم العربي بالعموم إلى تلك الحقبة التي كانوا فيها طلابا، وبرأيهم فإن الأجيال التي تلتهم قد تأثرت سلبا بالتغيرات التي حدثت في العالم بسبب تنوع القنوات التلفزيونية والانترنت والتساهل في التربية، حتى أن الكثير من ينتقد المصطلحات التي باتوا يستخدمونها.
هذه القطيعة التي حدثت في العقدين الأخيرين، من أهم أسبابها انجرار الشباب خلف مصطلحات لا يملكون حتى ملكة تعريفها لغويا واصطلاحيا، وما نشهده اليوم من انهيار للقيم واهتزاز في بنية الدولة في عدة مناطق من العالم وانقسامات وخروقات يعود بالأساس إلى غياب “التنشئة السياسية” في الوقت الذي غابت فيه “الانتليجنسيا” التي كانت تحرك الشعوب في العهود القديمة نحو النهضة والتنمية.
والسؤال الاشكالي أين نحن من “التنشئة السياسية” التي استهدفت كل الشرائح في عدة تجارب في العالم، “التثقيف السياسي” الذي به نواجه كل الرياح الآتية من الغرب، جميع المؤسسات الرسمية والحزبية والشعبية والشبابية والثقافية والتربوية وحتى الرياضية مسؤولة عن ما يحدث، فلاكتساب شباب يواجه الأزمات ويتغلب عليها، على مؤسسات الدولة والمجتمع تنشئة الطفل على الولاء للدولة واحترام سيادة القانون والرموز السياسية والدولة والعلم والنشيد الوطني ورئيس الدولة.
يقلل الكثيرون من دور التنشئة السياسية في حماية الشعب والدولة معا، والصحيح أن ضمان استقرار أي دولة يقوم على التنشئة السياسية لكونها مستدامة ولا تقتصر على عمليات التلقين والتدريس في الطفولة بل هي بناء كامل لمختلف مؤسسات الدولة الوطنية وهي المسؤولة أيضا على بناء الثقافة السياسية التي تضمن شرعية الدولة وبقاءها، كونها الحصن المنيع لأي انفلات أو أي محاولة تغيير من الخارج ولا تقتصر التنشئة السياسية كما هو متداول على المؤسسات التعليمية الحكومية بل للأسرة دور فعال وكذلك المؤسسات الدينية والإعلام والمجتمع المدني بغض النظر عن أعراق ومذاهب ومناطق وطبقات المجتمع.
في هذا السياق، نستذكر قولا لعالم النفس الأمريكي هربرت هايمن الذي أكد أن “التنشئة السياسية تقوم على تلقين الأطفال والأفراد الثقافة السياسية وأيضا على تعديل هذه الأخيرة وفق خطط التنمية الشاملة”.
غياب التنشئة السياسية أو فتور دورها في عدد من الدول العربية، دفع بالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة باختراق العقل العربي وما أطلق عليه اسم “الربيع العربي” جاء بعد فشل خطط الحرب البدائية، ما دفع الغرب الى اختراع حرب جديدة “جيل رابع” للسيطرة على العالم العربي والنامي، ففي 2008 ترأس الصهيوني غاريد كوهين ما سمي بـ”اتحاد الحركات الشبابية” وهو برعاية وزارة الخارجية الأمريكية والهدف منه كما بات معروفا هو خلق أعداء داخليين للدولة الوطنية وقد اجتمعوا وتواصلوا مع شباب عرب في 2008 وقد تم تدريبهم، وفي 2011 بدأ ما يسمى “الربيع العربي” الإعصار الذي دمر مقدرات الدول العربية.
باسم الناشطين الإنسانيين والمعارضين السلميين ودعاة السلام والمنظمات الإنسانية وحق التعبير وحق التجمهر، تم اغتيال رموز وطنية وقامات فكرية ورجال شرفاء وجنود من أبناء الشعب وتدمير بنى اقتصادية وحتى اغتيال أوطان باسم مصطلحات براقة، والحرب على المصطلحات هي الحرب الآنية .. جيل جديد من الحروب يجب تجهيز جيشه بالتنشئة السياسية والتعبئة.
الجيل الجديد لم يعد بأمان حتى وهو في بيته، الانترنت والتلفزيون يخترقون طفولته ويؤثرون على مستقبله كفرد وكوطن، والتنشئة السياسية هي التي ستحمي أوطاننا من خطر مقبل، بتجهيز الطفل بأقوى سلاح وهو الحفاظ على شكل الدولة وطبيعة نظامها السياسي التي تمنع أي تدخل خارجي وتصون الدولة وعناصرها ورموز قوتها ومقوماتها تنمية الشعور بالانتماء الدولة وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية وتعليم مفاهيم الولاء واحترام القانون والرموز السياسية.
سلوى حفظ الله