فنزويلا.. حرب على “قلب البوليفارية”
حلم سيمون بوليفار الذي تدين له دول أمريكا اللاتينية استقلالها وصمودها، بتوحيد أمريكا اللاتينية لم يتحقق، حرر دول كثيرة منها فنزويلا، ولم يكن من المتوقع أن يعود الغرب إليها بهذه الشراسة لولا وجود جيوب استعمارية داخلها، ومحاولات واشنطن لاستعادة ما تسميه بـ”حديقتها الخلفية”، التي خسرتها في سبعينات القرن الماضي، ماضية بالرغم من الصمود والمقاومة التي تستبسل فيها الدولة الفنزويلية بالدعم الجماهيري الكبير. ويظهر التدخل الأمريكي سافرا في الوضع الفنزويلي عير العقوبات والتحريض ومحاولة الانقلاب الأخيرة عبر من يسمون “معارضين” مثل خوان غوايدو رئيس البرلمان الذي من المفترض أن يكون حريصا على حماية وتطبيق الدستور وتعزيز دولة القانون، والذي دعا الأسبوع الماضي إلى احتلال بلاده، معتبرا أن العقوبات على بلاده غير كافية ولم تأت بالنتائج المتوقعة!! أمريكا هددت مرارا بغزو فنزويلا، معتبرة أنه (لا مجال لبقاء مادورو) فيما تؤكد تقارير أمنية أن قادة المعارضة الفنزويلية أيضا يتعاونون مع سفارات أجنبية في الوقت الذي اعترفت فيه واشنطن بغوايدو رئيسا لفنزويلا رغم عدم شرعيته!! انه سيناريو واحد مع تغيير في الأسماء والأماكن ضد الدول التي تعارض سياسة أميركا. وللتأكيد على ذلك، نشر لأول مرة في صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” وثيقة داخلية منتصف الأسبوع الماضي، تؤكد أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “ستحوّل نحو 42 مليون دولار مخصصة لبرامج مساعدات تنموية في غواتيمالا وهندوراس، إلى برنامج آخر لدعم زعيم المعارضة في فنزويلا خوان غوايدو”. وبينت المذكرة أن مليوني دولار أخرى ستخصص لدعم الجهود الدبلوماسية لأنصار غوايدو خلال تفاوضهم مع مادورو!! وتستهدف العقوبات الأمريكية النفط الفنزويلي لتعزيز اقتصادها والسيطرة على أمريكا اللاتينية، فقد قامت واشنطن بتجميد أصول شركة النفط الوطنية الفنزويلية (7مليارات دولار) بهدف تطويع الحكومة وإجبارها على التخلي عن نهجها الاشتراكي المعادي لسياسات أمريكا الامبريالية، في حين تؤكد مصادر إعلامية أمريكية أن واشنطن تعتمد على تمويل المعارضة الفنزويلية، من خلال أموال شركة النفط الفنزويلية ذاتها، المحتجزة في البنوك الأميركية. وفي الوقت الذي تدعي فيها الإدارة الأمريكية أن هذه العقوبات تستهدف “نظام مادورو”، على حد تعبير ساسة واشنطن، إلا أن دراسة أمريكية تمّ نشرها في نيسان 2019 تؤكد أن “العقوبات الأميركية صممت لتدمير اقتصاد فنزويلا عن عمد”، واصفة هذه السياسة الأميركية بأنها “سياسة عديمة الجدوى وقاسية، غير شرعية ومصيرها الفشل وستضرّ بالشعب الفنزويلي بشكل خطير”. وهنا يجب التذكير بأن العدوان الاقتصادي الذي أدى إلى تدهور الاقتصاد الفنزويلي يعود إلى 1999 بعد فوز الراحل هوغو تشافيز في الانتخابات الرئاسية وإعلانه أن قطاع البترول لن يقتصر دوره على توفير عائدات نقدية بل سيتحول إلى قاطرة لتنمية الاقتصاد الفنزويلى، وأنه سيعمل على خفض النفقات وزيادة الإنتاجية في هذا القطاع ووعد بأن تتحول فنزويلا إلى منتج كبير للبتروكيماويات والغاز الطبيعي بالإضافة إلى البترول. كذلك أعلن شافيز عن اهتمامه بتكوين هيئة بترول إقليمية من دول أمريكا اللاتينية المنتجة للبترول تضم فنزويلا مع المكسيك والبرازيل وكولومبيا وأكوادور. ما يهم واشنطن لا الوضع الإنساني ولا الحقوقي ولا الديمقراطية في فنزويلا بل يعنيها النفط الفنزويلي، فالكثير من المحللين الأمريكيين يرون أن ترامب يسعى إلى الهيمنة على مصادر الطاقة العالمية عبر عدة محاور، من بينها محاصرة الغاز الروسي في أوروبا.. كما أن إسقاط مادورو سيمنح شركات الطاقة الأميركية فرصة توسيع أعمالها في فنزويلا وبالتالي كسب ود رجال المال، ومن جهة أخرى السيطرة على مخزون النفط الفنزويلي في حال فوز غوايدو وإزاحة روسيا الداعمة لمادورو. تملك فنزويلا البوليفارية وفق الإحصائيات أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بنحو 303.2 مليارات برميل، وتمتلك 17.9% من احتياطي النفط المؤكد في العالم، فهل يمكن لدولة بهذه الأهمية أن يجوع شعبها لولا التدخل الأجنبي!! ويبدو أن “الدمى” التي تحركها وتدللها واشنطن لخدمة مصالحها التوسعية لم تفلح، فالرئيس الفنزويلي قال مؤخرا: “نحن قاب قوسين أو أدنى من الانتخابات النيابية وهي قريبة جدا، أرى اليوم الذي تستعيد فيه الجمعية الوطنية والبلاد الاستقرار عندما نطرد هذه المجموعة من البلطجية والمجرمين الذين لا طائل من ورائهم”.
البعث ميديا – سلوى حفظ الله