جيش الوطن في عيد الأعياد
أثبت الجيش العربي السوري دوره الوطني والقومي في معركة جديدة مختلفة عن كل المعارك التي عرفتها الجيوش التقليدية خلال الحروب التي ذكرها التاريخ، وتمكن خلال فترة وجيزة من تغيير قواعد الاشتباك التقليدية إلى نظم تكتيكية حديثة فرضتها طبيعة المعركة ووسائلها وشروطها المبتكرة، وحوّل جزء من منظومته القتالية من جيش عامل يتمتع باحترافية عالية ترجمها انتصارات ضخمة على العدو الصهيوني في حرب تشرين التحريرية عام 1973 إلى جيش يمتلك منظومات عمل مختلفة قادرة على مواجهة حرب كونية معقدة أدواتها التنفيذية على الأرض مجموعة من العصابات والتنظيمات الإرهابية المدربة والمشحونة بكل وسائل الحقد والتكفير لتخريب المجتمع السوري وتدمير عرى ترابطه المتينة عبر منظومات مختلفة تعتمد تفخيخ أفرادها وتفجير أنفسهم تحت يافطة الجهاد المخادعة.
يعترف كل من تابع الحرب على سورية بتفاصيل معاركها بأن الجيش العربي السوري حقق في تلك المعارك انتصارات أذهلت المحللين، رغم كل حالات الحصار والمواقف المخزية والمخادعة من الدول العربية التي كان من المفترض ان تكون الظهير الآمن لجيش يدافع عن كرامة الأمة ويتمسك بالعقيدة القومية وقدم لأجلها تضحيات غالية في فلسطين المحتلة ولبنان وغيرها من الدول العربية التي تعرضت لنكبات عبر تاريخ المنطقة، على العكس من ذلك فتحت تلك الدول وغيرها من الدول العربية أراضيها وكل امكانياتها لغرف العمليات المعادية التي يُديرها ضباط وخبراء من الكيان الصهيوني ومن الاستخبارات الأمريكية والغربية والأعرابية لتضييق الخناق على سورية الدولة والجيش والشعب، مع كل هذا وما رافقه من ضخ إعلامي وفكري مسموم ومضلل معادي برزت في تلك المعركة المركبة الشخصية الوطنية والدور القومي للجيش العربي السوري والقوات المسلحة السورية الباسلة بكل اجنحتها اكثر من الماضي وأشد رسوخاً، وأثبتت على امتلاكها قدرة منفردة في توحيد خططها وتنظيم آلية عملها، وكانت صورة الجيش العربي السوري ناصعة البياض في كل المناطق التي دخلها محرراً من خلال احتضان المواطنين المدنيين العزل ورعايتهم والدفاع عن امنهم ومصالحهم خلاف لما يحصل في كل الحروب التي عرفتها البشرية، و تبين لأبناء سورية شيبها وشبابها في كافة المناطق أهمية وطهارة الدور الذي يقوم به الجيش الوطني في معركة مصيرية يُحدد من خلالها مصير الوطن والأمة ومستقبل البلاد والمنطقة برمتها.
كان تشكيل النواة الأولى للجيش العربي السوري في الأول من آب عام 1945، وأصبح بعدها هذا اليوم عيداً رسمياً في الدولة يُحتفل به كعيد للجيش العربي السوري، تكريماً لتلك المؤسسة الوطنية العريقة واعترافاً لها بدورها المشرف في حماية الوطن والدفاع عن كل شبر من أرجائه، وكانت طلائع هذا الجيش عبارة عن مجموعة من التشكيلات البسيطة تطورت وتزايد عديدها إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن من مستوى عالٍ في الهيكلية والتنظيم والعدة والعتاد، حتى بات الجيش العربي السوري يُعد من بين الجيوش القليلة في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك هذه البنية المميزة في التفوق و الاحتراف والقدرة على تنفيذ المهام المختلفة، بل الفريدة.
وقد تأثر تطور الجيش في سورية بالتحولات السياسية على الساحة السورية والعربية والدولية، حيث كان فاعلاً في الأحداث السياسية ومؤثراً في طبيعتها واتجاهاتها الفكرية والعقائدية، ويشهد جميع المحللون والمتابعون بأن الجيش العربي السوري تميز عن غيره من الجيوش الأخرى في الوطن العربي منذ نشأته باعتماده مبدأ عقادياً إطاره الأساسي الولاء للوطن والأمة والدفاع عن العروبة كمنهج مشترك مع الجيوش العربية التقدمية وفي مقدمتها الجيش المصري كأهم دولتين تحملا قيادة الحركة التحررية العربية ودعمها، وذلك لضمان حماية الأمة والدفاع عنها بكل السبل في مواجهة الأخطار الخارجية التي لم تتوقف وما أكثرها.
لا يخفى على أحد الدور الوطني والأخلاقي المميز الذي يؤديه الجيش العربي السوري على مساحة الوطن في مواجهة الإرهاب الدولي الذي يعصف بسورية منذ ما يزيد عن ثمانية سنوات ونيف، إلى جانب تقديم المساعدات الإنسانية والرعاية للمواطنين في المناطق الساخنة التي تم تحريرها من العصابات الإرهابية، والتغلب على المجموعات الإرهابية المسلحة دون إيذاء المواطنين الأبرياء بعد فتح معابر آمنة لخروجهم من مناطق الخطر، لذلك كانت مناشدات المواطنين في كافة المحافظات المناطق التي طالتها يد الغدر والتخريب والقتل، تُطالب الجيش العربي السوري التدخل لتخليص المواطنين من ظلم هؤلاء الخونة الذين يعملون لتنفيذ الأجندة العدوانية التي رسمتها وتعمل على تطبيقها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وحلفائهما في القارة العجوز.
إن تماسك الموقف الموحد للجيش العربي السوري – مع وجود بعض الاستثناءات القليلة الفردية التي أدت إلى فرار أفراد ممن غرر بهم من قبل أعداء سورية في المراحل الأولى من الحرب – أصاب الأعداء وأتباعهم من العملاء والمتآمرين أعراب وعثمانيين بحالة من الإحباط والتخبط بعد أن تأكد لهم انتصار الجيش العربي السوري على مشروع التقسيم كبداية موضوعية لانتصار شامل في المعارك، وإلحاق الهزيمة المدوية بمحور العداء ومن راهن على نجاحهم في تخريب سورية، ومن المؤكد اليوم ونحن نحتفي بالذكرى الرابعة والسبعين لعيد الأعياد، عيد الجيش العربي السوري الباسل، نفخر بأن صمود الجيش العربي السوري وما حققه من انتصارات على مساحة الجغرافية السورية، سيكون السبب المباشر في تغيير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة والعالم، وسيُؤدي إلى انطلاق ربيع عربي حقيقي يقلب الطاولة رأساً على عقب على العملاء والخونة الذين راهنوا على هزيمته، هذه الانتصارات التي سيكون لها بصمة في إعادة هيكلة المنطقة العربية برمتها، وخلق موقف صلب في وجه ” صفقة القرن ” المذلة التي ستقضي على مصالح العرب وجودهم وحقوقهم التاريخية في فلسطين المحتلة.
وإن الجيش الذي وقف طوداً شامخاً في وجه أعداء سورية على مدى ثماني سنوات ونيف، لا يُمكن لقوة في العالم مهما تجبرت أن تنال من صموده وإصراره على تحقيق النصر المؤزر ليس على الأرض السورية فحسب، بل كذلك نحو الأراضي العربية المحتلة والبوصلة الأساسية لهذا الجيش العقائدي هي تحرير فلسطين العربية المحتلة من دنس الصهاينة الأوغاد، ومن كان شعاره الشهادة أو النصر فلن يستطيع أحد في هذا الكون أن يقف في وجه انتصاره، مؤكداً أن سورية بلد مسالم يحترم القوانين والمواثيق الدولية وهو يُقدم التضحيات الغالية من دماء الجرحى الأبطال والشهداء الأبرار الذين قضوا في ساحات الشرف دفاعاً عن سورية وعن الإنسانية جمعاء، وفي عيد الجيش العربي السوري لا بد لنا من تقديم باقة من أكاليل الغار التي تلف جثامين شهداء جيشنا الطاهرة، التي ستنبت طيباً وتملأ سورية والوطن العربي بأزهار الربيع الحقيقي لانتصار الشعب السورية والشعوب العربية التي خُدعت على مدى الأعوام الماضية، وهنا نسجل تحية إكبار وإجلال لأرواح شهدائنا الأبرار، وباقات الحب والورد المعطر بالطيب إلى أفراد جيشنا الباسل وصف ضباطه وضباطه الشجعان في عيده، ونحن على ثقة تامة بأن العيد القادم ستكون سورية بهمة بواسلنا بألف خير.
محمد عبد الكريم مصطفى
Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com
1/ 8 / 2019