أيادٍ “خفية” تعبث بأمن العراق
لاتزال صورة “سقوط بغداد” التي نشرتها شبكة “سي إن إن” الأمريكية، وتناقلتها وسائل إعلام غربية وعربية، مطبوعة في الذاكرة، تلك الصورة التي أعلن الأمريكيون من خلالها احتلالهم للعراق وسيطرتهم عليه، وتبع ذلك ظروف سياسية معقدة وأوضاع أمنية سيئة، لم تكد تهدأ، نوعاً ما، حتى وجد “داعش” ليزيد على معاناة العراقيين، من دمار وتخريب وقتل وتهجير…
ولأن العراق ليس بمنأى عما يجري في المنطقة، ووقوفه إلى جانب محور المقاومة، جعله هدفاً لتحقيق تطلعات جهات معنية، تتحقق منفعتها بتدمير الدول وإضعاف قوتها وعافيتها، وما حدث خلال الأسبوع الأخير، لا يذهب بعيداً عن تلك المخططات..
الأسباب غير المباشرة للتظاهرات..
التظاهرات التي خرجت في الأول من الشهر الحالي، كانت نتيجة طبيعية لمواقف العراق وتداعيات الأحداث الأخيرة في المنطقة وعلى الساحة الدولية، ومنذ الهجوم على منشآت آرامكو في السعودية، وتوجيه الاتهام إلى إيران وأن الطائرات التي نفذت الهجوم انطلقت من العراق، شكل ذلك حجةً لضرب استقراره، واستهداف الحشد الشعبي بشكل خاص، واستخدام البلاد كساحة لمواجهة دولة أخرى..
وما زاد التحامل على العراق، وحكومته، كان توجيه الاتهامات للكيان “الإسرائيلي”، وتحديداً من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بضرب مواقع الحشد الشعبي وإعلان حقها في الرد على ذلك، والحراك البرلماني المطالب بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع واشنطن، كونها من سمح للطائرات باختراق الأجواء والإغارة على مواقع الحشد، الأمر الذي لم يعجب الإدارة الأمريكية، خاصة وأنها لا تزال تتربص الفرص لإعادة فرض سيطرتها على العراق، والتمهيد لدخول قواتها بشكل مباشر إلى المدن والشوارع، وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة..
ووفقا لتقارير إعلامية وأمنية، عراقية وعربية عديدة، فإن بريطانيا وأمريكا، بمشاركة النظام السعودي، خططت منذ أكثر من عام لإثارة الاضطرابات والفتن، بذريعة المشاكل الاقتصادية، فضلا عن أنها أقامت معسكرات خاصة لتدريب خلايا مثيري الشغب، فيما نُشِرَ ضباط من الاستخبارات البريطانية والأمريكية في العراق لتشكيل تلك الخلايا..
عنف مبالغ وتدمير مننهج..
التظاهرات أخذت بعداً تخريبيا بافتعال أعمال الشغب وإحراق الممتلكات العامة والخاصة، حيث كان من اللافت انتهاج بعض المتظاهرين عنفاُ مبالغاُ فيه، وتخريبٍ مقصود بإحراقهم لمبانٍ حكومية وحزبية، وقطعهم للطرقات الرئيسية التي تربط العاصمة بالمحافظات الشمالية.
وبينت مصادر عراقية أن مجموعات من “المندسين” عملت على تحريض المتظاهرين لاستفزاز قوات الأمن واستدراجها لمواجهة مباشرة، فيما ذكرت مصادر أمنية وجود حالات قنص في بغداد، استهدفت المتظاهرين وقوات الأمن على حد سواء..
ولتهدئة الأوضاع نسبياً، فرضت السلطات العراقية حظر تجوال، وقطعت خدمة الانترنت بمعظم المحافظات، فأغلب دعوات التظاهر كانت من صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي..
التجييش الإعلامي..
متابعون للقنوات الموجهة سعودياً رأوا أن هناك دعماً واضحاً لما يجري من تظاهرات في العراق، وصلت في بعض الأحيان إلى حد التحريض على استمرار وتصاعد الأحداث، بدوافع عنصرية وطائفية.
كما أن جيش “الذباب الإلكتروني” السعودي ساهم في نشر الفتن الطائفية والتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن أغلب الوسوم وضعت على تغريداتٍ غير مرتبطة بها، لمجرد رفعها.
وبحسب مراكز إحصاء، وصلت وسوم التظاهر العراقية على تويتر، إلى “التريند” العالمي، لكن ليس من العراق بل من السعودية، إذ كان نصيب الرياض منها حوالي 79%، في حين لم تتجاوز الـ7% من داخل العراق، وهذا يدل على مدى ضلوع النظام السعودي في تأجيج الوضع، ويمكن أن نعزو ذلك إلى أنه يعول على ما يحدث لصرف أنظار العالم عن هزائمه في اليمن..
إجراءات حكومية..
الحكومة العراقية حاولت تدارك الوضع من البداية، وأكدت على حق التظاهر السلمي المكفول دستورياً، وعلى حماية المتظاهرين المطالبين بحقوقهم، وعملت على إجراء مفاوضات مع ممثلين من المتظاهرين للاستماع لهم والعمل على تنفيذ مطالبهم، ونتج عن ذلك طرح حزمة من الإصلاحات والإجراءات.
وهذا ما أكد عليه الرئيس برهم صالح، الذي أعلن، في كلمة له، أمس، عن سلسلة إجراءات لحل الأزمة القائمة، بداية من فتح تحقيق بأسباب العنف ووضع آليات جادة لمنع استخدام القوة المفرطة، إضافة لإصلاحات خدمية تتمثل في الإسراع بتشكيل مجلس الخدمة المدنية ومنح الخريجين الفرص بعيداً عن المحسوبيات.
وعلى الرغم من هذه الإجراءات، إلا أن ذلك لن يوقف أمريكا، ومن خلفها الكيان “الإسرائيلي”، من التدخل في شؤون المنطقة وإشعال الأزمات فيها، وإغراقها في مشاكل داخلية، للفت النظر عن مخططاتها وأهدافها التي تسعى إليها، طالما أنها لم تحققها كلها…
البعث ميديا || رغد خضور