سلايدمساحة حرة

لبنان.. “أزمات” خارج السيطرة

المشهد يتجدد؛ تظاهرات تعمّ المكان، ومواجهات تحتدم، وتصعيدات تتعمّد الصّدام، تحت أقنعة مريبة ووسومات مفخخة، وتعويم لمصطلحات وشعارات يوحي لفظها الظاهري بعكس مضمونها الفعلي الذي لا يحمل إلا الفوضى والدمار والنار، في ظل تآمر فاضح لإشعال المنطقة العربية بالأزمات وإبقائها على فوهة بركان لا يخمد، وإن حصل وخمد، فهناك أياد خفية تشعله من جديد، ضمن مخطط ممنهج لإلهاء الشعوب واستنفاد مقدّراتها وحرفها عن مسارها وأهدافها وقضاياها.

وسط هذا المشهد تأخذ الاعتصامات اللبنانية، منحى آخر مختلفاً، توحي إلى الآن، وبعد أسبوعين من الاحتجاح الشعبي، بأنها تقوم على مطالب محقة، ضمن حراك سلمي مطالب بالإصلاح والحلول، بعيداً عن المناكفات السياسية، فما تشهده الساحة اللبنانية من معاناة اقتصادية ومعيشية قاسية لم تكن وليدة اللحظة، ولم تأت كرد فعل آني على وضع معيشي مؤقت، بل هي عقود طويلة من واقع سيئ بلغ حده الأقصى، في ظل غياب شبه تام للمتطلبات الأساسية، من دعم صحي ومدرسي وحتى معيشي، ما دفع للنزول إلى الشارع لإيجاد سبيل ما لرفع معاناة طال أمدها.

ما يزيد من مخاوف اللبنانيين، اليوم، التوقعات بانهيار بلدهم اقتصادياً ومالياً في ظل انهيار العملة اللبنانية التي تواجه أصعب اختبار لها منذ 22 عاماً، وقد تصاعدت هذه المخاوف خلال الأسابيع الأخيرة، إزاء إصدار الوكالات العالمية للتصنيف الائتماني مراجعات سلبية لديون لبنان السيادية، وما ضاعف هذه المخاوف أكثر تقليص البنوك من عمليات بيع الدولار، الذي يمكن استخدامه في لبنان بالتوازي مع الليرة في العمليات المصرفية والتجارية كافة، في ظل صمت حكومي مخيف أمام مواطن يريد أن يطمئن، وما من سبيل إلى طمأنته.

تأتي هذه الاحتجاجات في وقت يحاول فيه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لملمة فضيحة مدويّة فجرها الإعلام الأمريكي مؤخراً، يؤكد فيها إنفاق الحريري ملايين الدولارات على “عارضة”، ما زاد من حدة الاستياء الشعبي في الأوساط اللبنانية..

“فضيحة” الحريري تأتي كمصيبة جديدة عليه، وسط الحرب المعلنة من النظام السعودي ضد الابن الذي بات عاقاً، حرب أُعلنت ضده، ومن مختلف الاتجاهات وبكل الوسائل، يظهر فيها الحريري مضطرباً ضائعاً، فالداعم السعودي أعلن قلب الطاولة عليه، ولم يكتف بإيقاف أي تواصل للحريري داخل الرياض وإفلاس “سعودي روجيه” وازدياد ديونها، بل منعه من بيع عقارات كبيرة له في السعودية، كما لم يحرك ساكناً حين أقفل الحريري جريدة ثم تلفزيون “المستقبل” وقبلهما كل مؤسساته الاجتماعية، ومع إعلان وشيك لإفلاسه يسدل الستار عن مسرحية لم يكتمل مشهدها الأخير بعد، وسط عجز تام عن إيجاد حلول لنفسه حتى يجدها لبلده، أمّا الجولات التي يقوم بها لطلب “العون” للبنان مؤخراً، فما هي إلا صفقات تندرج في إطار المزيد من التنازلات السياسية والديون السيادية.

هذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها لبنان بأزمات تهدد استقراره، لكن المريب هنا هذا الصمت الدولي المتعمد، والذي يوحي، بشكل أو بآخر، بأن هناك قراراً سياسياً دولياً بمنع مساعدة لبنان وتركه يتخبط بمشاكله، فواشنطن تتعمد التجاهل لأنها تريد أن يشعر اللبنانيون بالضغط، وفق أزمة مدروسة لفرض تنازلات قوى سياسية في ملفات إقليمية، بدليل منع التحويلات المالية إلى لبنان، ووضع عقوبات على “حزب الله​”، وعلى البنك اللبناني “جمال ترست” لدعمه “حزب الله” مالياً ومصرفياً، والتهديد بفرض عقوبات إضافية بحق حلفاء له، في مسعى واهم إلى إضعاف شعبية المقاومة التي أثبتت قدرتها على إدارة الصراع مع الكيان الإسرائيلي، أما بالنسبة للسعودية فهي ترى في أزمات لبنان فرصة للضغط على “حزب الله”، ودفعه إلى مواجهة تحديات داخلية تتجاوز فكرة العقوبات، كما أنها تريد إفشال حكومة الحريري مهما كلف الأمر.

المشهد اللبناني المعقّد، في ظل تعدد الاصطفافات، والحرب الدائمة المعلنة بين الأحزاب السياسية، وتكرر حالة الفراغ السياسي، والتحديات الإقليمية والدولية، يوحي بالمزيد من التوتر في بلد تتوالى أزماته، ورغم وجود “حزب الله” كدرع يحمي البلاد من أي خطر خارجي، إلا أن مواجهة الأحداث الداخلية، تتطلب حصناً، الشعب اللبناني وحده، وبكل مكوّناته، هو الأقدر على بنائه لحماية نفسه ووطنه.

هديل فيزو