الشريط الاخباريسلايدسورية

أنقرة تورطت في الشمال .. والحسم النهائي بيد دمشق

« نقول لهذه المجموعات التي تراهن على الأمريكي، أن الأمريكي لن يحميكم.. الأمريكي لن يضعكم لا في قلبه ولا في حضنه.. الأمريكي سيضعكم في جيبه لكي تكونوا أداة للمقايضة مع الدولارات  التي يحملها.. وهو بدأ المقايضة..» الرئيس بشار الأسد 17/2/2018..

لطالما حذرت القيادة السورية من الارتهان للأمريكي والتعويل عليه وعلى دعمه، فمصالحه أولاً، وماذا يمكن أن تقدم له أي جهة تتحالف معه من مكاسب، وبشكل خاص إدارة الرئيس الحالي، دونالد ترامب، الذي لا يوفر مناسبة إلا ويذكّر فيها “حلفاءه” بالأموال التي عليهم دفعها مقابل الحماية الأمريكية، فهو يرى بكل تحالف، سياسي أو عسكري، مجرد صفقة تعود عليه بالفائدة.. وما حدث مؤخراً شمال سورية يدعم ذلك..

“مسرحية” متفق عليها..

ترامب تخلى عن حليفه الكردي، المتمثل بميلشيا “قسد”، وبميزانه الخاص في عالم البيع والشراء، بحجة أنهم أخذوا ما يكفي من المال والعتاد، والتحالف معهم ليس بمصلحة واشنطن، ولم يعد بمقدوره تحمل تكاليف “الحروب العبثية”، في المقابل أعطى الضوء الأخضر، وإن أنكر ذلك علانية، للتركي لدخول المنطقة وشن هجوم يهدف القضاء على “القوات الكردية”، التي تعتبرها أنقرة عدوة لها..

المسرحية الأمريكية التركية، برفض الأولى هذا الهجوم واستنكار جميع المسؤولين في البيت الأبيض والكونغرس له، وذهب البعض إلى التهديد بعقوبات وهدم الاقتصاد التركي إذا ما استمر العدوان، وعدم مبالاة الأخيرة – أي أنقرة – لكل “البعبعة” التي حصلت وقيامها بالهجوم، يكشف عن التنسيق والتعاون بين هذه الدول لتنفيذ مشروع عدواني، يهدف بالدرجة الأولى احتلال أرضٍ سورية، وخلق منطقة خصبة للتنظيمات الإرهابية، لاستخدامها متى ما أرادت لاستمرار زعزعة الأوضاع، سواء في سورية أو في المنطقة بشكل عام..

انشقاقات “قسد”..

ميلشيا “قسد” أدركت حجم الضربة التي تلقتها من واشنطن، عندما وجدت نفسها وحيدة في مواجهة القوات التركية، التي كثفت من هجماتها منذ اليوم الأول على مناطق ومعسكرات الميلشيا..

أنباء عديدة تواردت تفيد بهروب جماعي لقوات “قسد” من بلدتي رأس العين وتل أبيض، بريفي الحسكة والرقة، فضلا عن حصول انشقاقات واسعة في صفوفها، خاصة في المواقع التي تشهد اشتباكاتٍ قرب الحدود، ووفقا لمصادر أهلية، فإن قادة “قسد”، المتحالفين مع تركيا، في الخفاء، فروا إلى الجانب الآخر من الحدود، وبحوزتهم آلاف الدولارات.

هذا الإذعان السريع للهزيمة، يشير إلى أن “قسد” أدركت أنها أداة بيد الأمريكي أوجدها لتحقيق أطماعه في المنطقة، وأن ما حدث متفق عليه لإخلاء بعض المواقع لصالح القوات التركية..

الأطماع التركية وآثارها الاقتصادية في الداخل..

ورغم تسليم بعض المواقع لقوات الاحتلال التركي، إلا أن أطماع أردوغان تتخطى هذه الحدود، وعينه على “منطقة أمنية” تمتد على عمق 32 كم في الأراضي السورية، ولم يأت هذا العدوان من أجل حماية الحدود أو أيٍّ من تلك الحجج الواهية، بل من أجل قضم أجزاء جديدة من الأراضي السورية وفرض السيادة عليها، ومحاولة لإعادة ثقل أنقرة في المنطقة إحياء لأطماعه العثمانية..

ولكسب التأييد في الداخل التركي لعمليته، لعب أردوغان على وتر الأمن القومي وحماية الحدود، وإعادة المهجرين، خاصة بعد المشاكل التي حصلت في تركيا، من هجوم لأتراك على محلات للمهجرين، حيث أدى ارتفاع أعدادهم إلى تقليص فرص العمل بالنسبة للأتراك، خاصة مع الوضع الاقتصادي المتأزم منذ فترة، وارتفاع أسعار السلع بشكل كبير..

لذا لجأ أردوغان لهذا العمل خارج حدود بلاده، من أجل تلميع صورته، ولملمة ما فقده بعد خسارته بالانتخابات في كل من إسطنبول وأنقرة، ولعله يعيد تجميع حزبه الذي تفتت..

لكن التوقيت الذي اختاره كان خاطئا، فهو لم يفكر في الأبعاد الاقتصادية التي يمكن أن تخلفها عملية كهذه، وما ترتب عليها من تبعات على الداخل التركي، وشهدنا على أولى هذه التداعيات، حيث تهاوت الليرة إلى أدنى مستوياتها، وفقدت حوالي 30% من قيمتها أمام الدولار، بحسب ما أظهرته بيانات إحصائية تركية، وهبوط بورصة اسطنبول في الساعات الأولى للاعتداء، الأمر الذي قد يرسم مستقبلا ضبابيا قاتماً لأردوغان..

“نبع الإرهاب”..

هذا العدوان، الذي حمل اسماً “براقاً”، وكأنه عمل يسعى لعملية إغاثية “إنسانية”، حُشدت له الآليات العسكرية والعتاد والمقاتلون، أثّر على المدنيين والخدمات الأساسية في المنطقة، إذ أدى لارتقاء العشرات وإصابة المئات من الأهالي، وأسفر عن خروج محطة المياه التي تغذي الحسكة، إضافة لإغلاق الأسواق والمدارس والمشافي، وتهجير حوالي 200 ألف شخص، وفقا للأمم المتحدة..

“داعش” الإرهابي استغل الوضع، وشكل انسحاب حراس السجون التي يحتجز فيها عناصره، وضرب القوات التركية لجدران أحدها وفتح ثغرات فيها، فرصة لهروب عدد من الإرهابيين، وانخراطهم بين المدنيين والقيام بتفجيرات وأعمال إرهابية، فإطلاق سراح “الدواعش” من ضمن أهداف هذا العدوان.

من التالي..

تخلي ترامب عن الأكراد وبهذه السرعة والسهولة، فأل سيء على حلفاءه الآخرين، خاصة السعودية ومنطقة الخليج، الذين ارتهنوا وراهنوا على الحماية الأمريكية، وحتى “الإسرائيلي” وجد نفسه في خانة الشك تجاه واشنطن، وبدأ يفكر فيما إذا كان يمكنه الوثوق بالأمريكي كشريك، فمواقف الإدارة الحالية، برئاسة ترامب، غير مستقرة، وقراراتها متناقضة، لذا بدأ يتلمس على رأسه ويترقب… من التالي؟..

نداءات الاستغاثة..

مع ارتفاع وتيرة اعتداءات الاحتلال التركي، تعالت أصواتٌ داخلية، كردية وعربية، للمطالبة بانسحاب “قسد” من المناطق الحدودية وتسليمها للجيش العربي السوري، ولو أنها “جاءت متأخرة”..

الجيش العربي السوري أرسل تعزيزات عسكرية، تضم جنوداً وعربات مصفحة، للشمال وعزز من تواجده على ضفاف نهر الفرات، ودخوله إلى قرى وبلدات بريف الرقة الجنوبي، يبرهن للعالم أجمع أنه وحدة القادر على حماية الأراضي السورية، فلن تتمكن أي جهة من مسك الاستقرار في المنطقة وإرساء دعائم الاستقرار غير الدولة السورية…

دخول الجيش التركي لم يكن صعبا، ولكن البقاء في المنطقة وتنفيذ السيناريو الذي جاء من أجله، ليس سهلا، والقرار النهائي سيكون بيد الجيش السوري الذي سينتشر حتى الحدود الدولية، ويقضي على كافة أشكال الإرهاب والاحتلال والعدوان…

 

رغد خضور  ||  البعث ميديا